لكن مسألة السياسة الخارجية لم تبرز في هذه الانتخابات بالقدر الذي كانت عليه في الدورات الانتخابية السابقة، رغم أن إيران تخضع لعقوبات اقتصادية قاسية تَركت أثرها الشديد على حياة الشعب. إذ إن الانتقادات العامة الرئيسية موجّهة، في الغالب، نحو أداء البرلمان في ما يخصّ التشريع في مجال الإنترنت والعمل والبيئة. كما أن ثمّة انتقادات حول عدم اضطلاع البرلمان بدوره الرقابي على الحكومة. ومن هنا، فإن الحملات الدعائية الانتخابية لمعظم المرشّحين والقوائم الانتخابية، ركّزت على انتقاد البرلمان الـ11. وكانت قائمة «صوت الشعب»، بزعامة علي مطهري، الوحيدة المختلفة في هذه الانتخابات، إذ ركّزت، في ضوء شعار «العقلانية والاعتدال»، دعايتها الانتخابية على رفع العقوبات عن طريق تعزيز السياسة الخارجية التنموية. وتضمّنت القائمة التي قدَّمت نفسها باعتبارها تحالفاً عابراً للفئوية، وعوداً حول الحجاب وزيادة الوصول إلى الإنترنت، باعتبارهما أحد أهمّ مطالب الرأي العام من «صوت الشعب»، التي ضمّت ستّ مرشّحات نساء.
يُتوقّع أن تتقلّص الفوارق بين البرلمان والحكومة حول الموضوعات المتعلّقة بالسياسة الخارجية
وفي الجانب الآخر، خاضت قوائم الأصوليين صراعاً نابعاً من التوجهات الحزبية والفئوية، ولكنها فازت، في خاتمة المطاف، في طهران والمدن الأخرى، بغالبية الأصوات، في ضوء مشاركة نحو 40% من الإيرانيين، معظمهم من الشريحة التقليدية. ومن قائمة «صوت الشعب» في طهران، لم يفز أيّ أحد بأصوات تضعه ضمن قائمة الأشخاص الـ60 الأوائل. لكن القائمة نجحت في إرسال ما لا يقلّ عن 30 نائباً إلى البرلمان الـ12، في المدن والمحافظات المختلفة. ومن أهمّ أسباب فوز الأصوليين في الانتخابات، «زعل» المعسكر الإصلاحي وعدم مشاركته فيها، علماً أنها الانتخابات التشريعية الثانية في إيران التي لا ينخرط فيها الإصلاحيون، بسبب رفض أهلية مرشّحيهم. بيد أن هذه الدورة، أحدثت خلافات داخل المعسكر الإصلاحي حول المقاطعة.
ومع هيمنة الأصوليين على البرلمان الـ12، يُتوقّع أن تصبح سياسات البرلمان والحكومة متماثلة الاتجاه والتوجّه، في ما يمكن أن يؤثّر على السياسة الخارجية الإقليمية والدولية للحكومة الـ11، والتي تركز على إستراتيجيّتَين رئيسيتَين، هما: حسن الجوار والتوجّه شرقاً. كذلك، ستكون وثيقة التعاون الإستراتيجي بين إيران وروسيا مُدرجة على جدول أعمال طهران وموسكو. أيضاً، إن طهران بصدد تطبيق اتفاقية الـ25 عاماً المبرمة بينها وبين بكين، فيما يدور نقاش حول صياغة وثيقة إستراتيجية تُحدّد ملامح السياسة الخارجية الإيرانية، ولا سيما في غرب آسيا. وإذا كان ثمة رغبة لدى الحكومة الـ11، في استئناف المحادثات النووية والاتفاق على صيغة جديدة، فإن هذه الخطّة ستكون جزءاً من برامج البرلمان الـ12 أيضاً.
لكن في ما يخصّ الموضوعات المتّصلة بالسياسة الداخلية، سيكون هناك تنافس واختلاف في وجهات النظر. إذ اعتمدت إدارة إبراهيم رئيسي توجّهاً أكثر براغماتية في السياسة الداخلية بعد احتجاجات خريف عام 2022. لكن، مع دخول الوجوه الأصولية المنتمية إلى جبهة «بايداري (الصمود)» إلى البرلمان الـ12، فإن هذا التوجّه الحكومي سيمرّ بتحدّيات أقلّه في المدى المنظور. ومع ذلك، فإن أداء البرلمان والحكومة للعامَين المقبلَين، سيكون له بالغ الأثر على الظروف السياسية لإيران في الانتخابات الرئاسية لعام 2025، إذ يرى قطاع من الإصلاحيين أن استمرار المسار الحالي للسياسة الداخلية، قد يؤهّلهم للفوز في الرئاسيات المقبلة، فضلاً عن انتخابات المجالس البلدية.
* المرشحة للانتخابات التشريعية الإيرانية، والعضو في قائمة «صوت الشعب» الانتخابية (التيار المعتدل)