كلّ تظاهرة تتحوّل إلى جنازة. وكلّ جنازة تتحوّل إلى تظاهرة. لكنّ سوريا لا تدور في حلقة مفرغة. فتماماً كما يزداد عدد الجنازات، تتوسّع رقعة انتشار التظاهرات. بات على المرء أن يبحث عن مشاريع الإصلاح تحت شواهد القبور. فالخيار الأمني يبدو هو المنتصر. لا طاقة لقبول إصلاح نابع من صراخ الناس. على الناس أن يصمتوا أوّلاً، ثمّ تقرّر الدولة ما تمنّ به عليهم. فالذين ينبغي أن يجري الإصلاح على حسابهم، هم الذين يقومون بحملات «التطهير» ضدّ «المندسّين» و«العصابات المسلّحة» و«السلفيّين» وسائر «المتآمرين» على النظام. وإذا كانت الكرامة التي طالب بها الشعب السوري هي في الدرجة الأولى كرامته في مواجهة رجل الأمن، فها هو الأخير يردّ بنفسه، من دون حسيب أو رقيب، ليوجّه رسالة إلى من يهمّه الأمر: «صامدون هنا». إنّها القبضة الأمنية إذاً في مواجهة الإصلاح، بدلاً من الإصلاح في مواجهة القبضة الأمنيّة.ولسبب ما، يبدو أنّ النظام برمّته رضخ لهذا الخيار، مستخدماً ذرائع متعدّدة، حتّى بدا كأنّ الانتماء لتيّار سلفيّ مثلاً، سبب كافٍ كي يتعرّض صاحبه للقتل في الشارع. قد يقال إنّ اعتماد خيار التصلّب والمواجهة هذا يعود إلى التعلّم من الدرسَيْن التونسي والمصري. كأنّ النظام السوري قرّر إفهام مواطنيه أنّه لن يقدم على أيّ إصلاحات غير شكليّة تحت الضغط، لأنّه إن قام بذلك فسيبدو ضعيفاً، تماماً كما جرى في مصر وتونس، ما يسهّل مطالبته بمزيد من التنازلات، تمهيداً للانقضاض عليه.
لكن، في سوريا تحديداً، ولأسباب عديدة أهمّها الصورة التي كانت تميّز الرئيس عن النظام، لم يكن الخيار الأمنيّ وحده متاحاً. ربّما كان الموقف يستوجب لحظة ضعف لا لحظة قوّة. لحظة انحناء أمام مطالب الذين طال تهميشهم، وخصوصاً أنّ هؤلاء لم يطالبوا إلا بالحرية والكرامة. هل فاتت الفرصة تماماً، وبتنا بعيدين عن أيّ مخرج إصلاحيّ؟ مشهد الدبّابات والمدرّعات في درعا ودوما يكاد يوفّر الإجابة. وإذا استمرّت الأمور على هذه الحال، فسيصبح استخدام حجج التدخّلات الخارجيّة أكثر ابتذالاً. فحين يسكن الموت في الأحياء والأزقّة، تنتفي الحاجة إلى مؤامرات ومتآمرين.