ليس من السهل الإجابة عن سؤال خلافة أسامة بن لادن اليوم، ومنذ مصرع الرجل الأول في القاعدة، كثرت التحليلات الاستخبارية والصحافية حول هذا الأمر، لكنها في غالبيتها تنتهي إلى تخمينات غير قاطعة بالنظر إلى الكاريزما التي تحلّى بها بن لادن، ودوره خيطاً رابطاً للتنظيم، بالإضافة إلى شخصيته التوحيدية التي استقطبت من حولها كل الهاربين من الحياة والعاشقين للموت في سبيل المبادئ التي روّج لها.وأكثر الأسماء المتداولة ذراعه اليمنى الدكتور أيمن الظواهري. لكن هناك انقساماً حاداً من حوله، فالبعض يرشّحه لقيادة التنظيم بحكم قربه من بن لادن ومعرفته لأسراره وتحكّمه ببناه في أكثر من مكان.
غير أنّ العارفين بالوضع الداخلي للتنظيم يجمعون على أن الظواهري لا يستطيع أن يحتل موقع بن لادن، وأن غياب قائد التنظيم لا يؤهله لكي يحتلّ مكانه أوتوماتيكياً. ويقول خبراء غربيون في مكافحة الإرهاب إن موقع الظواهري الثابت هو في الصف الثاني دائماً، ولا تنطبق عليه مواصفات الرجل الأول.
ويرجح خبراء يمنيون في شؤون تنظيم القاعدة أن يكون الخليفة من بين قيادات هذا التنظيم ومن الجيل الثالث للقاعدة، الذي عرف بن لادن وعمل معه في أفغانستان وظلّ على صلة مستمرة به. ومن الأسماء المرشحة هناك أربع شخصيات.

أنور العولقي

لم يكن يوحي بالخطر الفعلي حتى تجاوز الرئيس الأميركي باراك أوباما الدستور في نهاية السنة الماضية وأصدر أمراً بقتله. وجرت عدة محاولات لاغتياله في جنوب اليمن، وتحديداً في منطقة شبوة، التي يتوارى فيها منذ أن تركزت عليه الأنظار في نهاية سنة 2009.
يحمل الجنسية الأميركية بسبب ولادته سنة 1972 في الولايات المتحدة من أب هو وزير سابق للزراعة في اليمن، يدعى ناصر العولقي، نظراً لأنه ينحدر من قبيلة «العوالق»، كبرى قبائل محافظة شبوة في جنوب اليمن، وأشدها بأساً. وتعلم العولقي أصول الدين في عدن، ليصبح لاحقاً إماماً بارزاً في العديد من المساجد الأميركية، ويرتبط بمساجد «سان دييغو» في ولاية كاليفورنيا، و«فولز تشوتش» في ولاية فرجينيا، ليعود فجأة إلى اليمن في 2002، بعدما صار محاضراً بارزاً بفضل الكثير من الدروس والخطب التحريضية التي انتشرت قبل 11 سبتمبر، ليس باللغة العربية فقط، بل بالإنكليزية أيضاً. وذاع صيته بعيداً حتى صارت بعض مواعظه ومشاركاته الفقهية منشورة ومتوافرة على «يوتيوب»، إلى الصرعات الجديدة في عالم الموسيقى و«الراب» مثل «سنووب دوغ» و«الزومبيز»، وهي في غالبها تتحدث عن معاني القرآن ودروسه، حيث برع خصوصاً في الجمع في رسائله، بين المعرفة بالتقاليد الدينية والإحاطة بمقتضيات الإعلام الجديد. ولهذا استحقّ لقب «بن لادن الإنترنت».
ورغم نفيه أي صلة بالتنظيم، تشير اهتمامات العولقي الفكرية إلى صلة ما بـ«القاعدة»، ذلك أنه شرح كتاب الشيخ السعودي يوسف العييري (ثوابت على درب الجهاد) بالإنكليزية، وهذا هو الأمير السابق لـ«تنظيم القاعدة» في السعودية، الذي قتل على أيدي قوات الأمن السعودية في 2003. وقد ألقى العولقي محاضرات عن الكتاب في الولايات المتحدة.
ذاع صيته وكبرت حلقته من الشبان اليمنيين في الولايات المتحدة، بدءاً من عام 2000، حيث بات إماماً في أحد مساجد واشنطن. وتقول المعلومات إن من بين الذين واظبوا على حضور دروسه أثنين من منفذي هجمات 11 سبتمبر (خالد المحضار، ونواف الحازمي)، اختطفا طائرة «أميركان إيرلاينز»، التي اصطدمت ببرج البنتاغون.
بقي العولقي في الظل حتى أجرى معه في 16 تشرين الثاني 2009 صحافي يمني حديثاً لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، بعد المجزرة التي قام بها الرائد الأميركي من أصل فلسطيني نضال حسن في الخامس من تشرين الثاني 2009، في قاعدة «فورت هود» الأميركية في تكساس.
وصف العولقي نضال حسن في حديثه للصحيفة الأميركية بـ«البطل»، وكاد ينسب إلى نفسه تخطيط العملية، عندما اعترف بأن حسن كان يتردد إليه في مسجده في فرجينيا، وأنه تراسل معه السنة الماضية (2008) عبر البريد الإلكتروني، وقال إنه كان يثق به، و«أصبح مسلماً ورعاً ما بين 2001 و2002». وذكر في حديثه إلى الصحيفة الذي مر من دون أن يلفت الانتباه إليه كثيراً، أن نضال حسن مسلم جدي ومطّلع على الشريعة، وكثيراً ما كان يستند إلى «ما ورد في الشريعة من أجل أدلة تجيز محاربة ما تقوم به أميركا». وكشف أنه تلقى رسالة من نضال حسن في 17 كانون الأول عام 2008، ورد فيها: «أتحدث معك في مواضيع لا أتطرق إليها أبداً مع أي شخص آخر».
برر العولقي الهجوم الذي قام به حسن على زملائه من العسكريين الذين صرع منهم 13، لأنه، حسب رأيه، شكل من أشكال الجهاد، لأن أميركا هي التي جاءت تقاتل في بلاد الإسلام. وقال، في الحديث، إن «قتال الجيش الأميركي واجب إسلامي، وإن السبيل الوحيدة أمام المسلم لتبرير الخدمة في الجيش الأميركي في نظر الإسلام، هي العزم على المشي على خطى نضال حسن».
فتح هذا الحديث الأعين الأميركية على العولقي، لكن المتابعة الرسمية لنشاطه جاءت بعد محاولة تفجير طائرة الركاب الأميركية بين أمستردام وديترويت في ليلة عيد الميلاد سنة 2009. واعترف منفذ العملية الشاب النيجيري عمر الفاروق بأنه تتلمذ على يدي العولقي، وأنه قام بالمحاولة بإيعاز منه، وحاولت الاستخبارات الأميركية اغتيال العولقي في الليلة نفسها، بقصف اجتماع في شبوة، لكنها أخطأته. ومنذ ذلك الحين يعد هدفاً أميركياً ثميناً، وخصصت جائزة مالية مقدارها مليون دولار. لكن يبدو أن الرقم سيتضاعف عدة مرات لأنه سيصبح العدو الأول للولايات المتحدة إذا أعلنه التنظيم خليفة لبن لادن.

ناصر الوحيشي

ناصر عبد الكريم عبد الله الوحيشي الملقب بـ«أبو بصير» أمير «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» الحالي، هو السكرتير السابق لزعيم القاعدة أسامة بن لادن، والنجاح الأبرز لهذا القيادي الذي كان مغموراً هو قدرته على توحيد تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية في كانون الأول 2009، تحت إمارته باسم جديد هو «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، ونيابة كل من السعودي سعيد الشهري وصديقه اليمني قاسم الريمي، وقد نقل ذلك المواجهة إلى إطار أوسع؛ لأنه وفّر في صورة أساسية المأوى لأعضاء التنظيم السعوديين، الذين تلقوا ضربة قاصمة في السعودية خلال الأعوام الأخيرة. وهو يرى أن الاندماج نوع من الرد على توحيد الجهود الأمنية السعودية الأميركية ضد القاعدة. كذلك فإنه نقل عمليات القاعدة إلى مستوى جديد خلال السنتين الأخيرتين على الأراضي اليمنية، ومحاولة القيام بعمليات في الخارج، ومن ذلك محاولة تفجير طائرة الركاب الأميركية في كانون الأول سنة 2009.
استُهدف الوحيشي من الأجهزة الأميركية في الغارة، التي شُنّت فجر الرابع والعشرين من كانون الأول 2009 على قرية «رفض» في محافظة شبوة، وأعلنت المصادر الرسمية مصرعه، إلى جانب العولقي، والسعودي الشهري، لكن المعلومات اللاحقة أكدت نجاة الثلاثة.
وعندما وصلت القاعدة في اليمن إلى الحضيض في تشرين الثاني 2003 أعيد الوحيشي إلى اليمن في جزء من اتفاقية تسليم مع إيران، وأُودع السجن في صنعاء. ويقول في رسالة نشرتها مواقع الإنترنت اليمنية إنه مكث «في السجن ثلاث سنوات بدون تهمة، سوى أنني ذهبت إلى أفغانستان وشرفني الله وكنت مرافقاً مع الشيخ أسامة بن لادن، وأمراء الجهاد».
تسلم قيادة التنظيم في اليمن بعد «أبو علي الحارثي»، الذي صفّته الاستخبارات الأميركية في غارة جوية في الرابع من تشرين الثاني 2002، وعُيِّن أميراً للتنظيم في السجن عام 2004، قبل أن يفر مع مجموعة الـ22 في 2006. وببطء، وخلال الأعوام الأخيرة، أعاد إحياء القاعدة في اليمن ومدّها حتى السعودية ومناطق أخرى، ووحدها تحت قيادته، وانطلق بها نحو عمليات نوعية، مثل تلك التي استهدفت السفارة الأميركية في 17 أيلول 2008، أو محاولة الاغتيال الفاشلة لنائب وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف في 27 آب 2009.
مثّل الهروب من السجن اليمني سنة 2006 معلماً لبداية المرحلة الجديدة في حياة «تنظيم القاعدة»، الذي تولى الوحيشي قيادته بمساعدة قاسم الريمي، الذي فر معه. وبرفقة هذا المساعد والصديق الشخصي، الذي يثق به، أي الريمي الملقب بـ«أبو هريرة الصنعاني»، أعاد الوحيشي بناء التنظيم بناءً كاملاً، وأُعلن رسمياً قائداً لتنظيم القاعدة في اليمن في حزيران/ يونيو 2007، لكنه منذ ذلك الوقت وحّد سلطة الجماعة، وصار ثابتاً في القيادة.
وكدليل على امتدادته وصلته وقربه من بن لادن، رثى الوحيشي «أبو الليث الليبي» في أحد أعداد نشرة «صدى الملاحم»، القيادي في القاعدة الذي قتل في باكستان، ويظهر جزء من هذا الرثاء، بل يفسر، لماذا اختير الوحيشي قائداً للجماعة في 2007؟ ففي بداية بيانه يورد أسماء عدد من شخصيات القاعدة الذين قتلوا، من بينهم رجال كأبو حفص وأبو عبيدة وأبو علي الحارثي. ضمنياً ليس فقط من واجبه أن يتحدث عن الليبي قائداً للجماعة، بل ليشير إلى صلاته بقادة القاعدة الأوائل عندما كان بجانب بن لادن في أفغانستان، وقربه من هذا الأخير، الذي كان سكرتيره وحارسه الشخصي، وآخر من غادره سنة 2002، في تخفيه على الحدود بين أفغانستان وباكستان. ومن غير ريب استغل صلاته الشخصية ببن لادن الذي يبدو أنه بهر نسبياً الشباب الذين يمثّلون اليوم الجيل الثاني للقاعدة في اليمن.
تقول تفاصيل سيرته التي نشرت مقتطفات منها مواقع الإنترنت اليمنية، إنه مولود في قرية «مرتعة» في مدينة البيضاء الحدودية بين جنوب اليمن وشماله، ويبلغ من العمر 35 سنة. غادر منزله في محافظة «البيضاء» الشمالية خلال التسعينيات للذهاب إلى أفغانستان، حيث أصبح مع مرور الوقت سكرتيراً لبن لادن. هذا الاتصال الشخصي بقيادات القاعدة الأوائل في نهاية التسعينيات كان بمثابة تصديق ضمني على مؤهلاته قائداً. ويمكن أن يقال إن سلطته صُدق عليها من طريق مرافقته للجيل الأول للقاعدة. لكن قيادته للتنظيم خلال السنوات الأخيرة رفع من رصيده لدى شباب القاعدة في اليمن، الذين التفوا حوله في البداية نتيجة قربه من بن لادن، لكنهم لمسوا لديه مزايا قيادية. ويقول الباحث الأميركي المتخصص في شؤون القاعدة في اليمن غريغوري د. جونسين، إن خلايا القاعدة في هذه المرحلة أصبحت ذاتية الحركة وأكثر تناسلاً.
وفي نوع خاص من التقدير، تورد نشرة «صدى الملاحم» عبارة «حفظه الله» بعد كل ذكر لأمير القاعدة ناصر الوحيشي، وهي تستعير بذلك، اللغة نفسها التي يستخدمها الإعلام الحكومي عند ذكر نشاطات الرئيس صالح.

قاسم الريمي

قاسم يحيى مهدي الريمي، من أبرز المطلوبين للأجهزة الأمنية في اليمن والسعودية. لذا، جرت عدة محاولات لاغتياله خلال السنوات الأخيرة، وأعلنت السلطات اليمنية مقتله أكثر من مرة، وكان آخرها في آذار من السنة الماضية. وهناك من يعدّه العقل المدبر الأكثر خطورة من الوحيشي والشهري. وللدلالة على خطره، وضعته الأجهزة الأميركية على قائمة المطلوبين، وذلك بسبب تخطيطه لعدة عمليات طالت المصالح الأميركية في اليمن طوال السنوات الأربع الماضية. ويقود الريمي العمل العسكري المسلح للقاعدة في كل أنحاء اليمن، وكذلك السعودية، بينما انصرف الوحيشي إلى العمل التنظيمي. كذلك ظل الريمي يتحرك في العامين الأخيرين في مأرب في صورة رئيسية، ويتردد على مناطق محيط صنعاء التي يعرفها، لكونه قد ولد في إحدى قراها.
وكان المستهدف الرئيسي بالغارة التي شُنَّت فجر الرابع والعشرين من كانون الأول 2009، على مديرية «أرحب» بالقرب من صنعاء. وأعلنت المصادر الرسمية مصرعه للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات. لكن المعلومات اللاحقة أكدت نجاته، كما في المرة السابقة في مأرب في الثامن من آب/ أغسطس سنة 2007، رداً من الحكومة على العملية التي استهدفت السياح الإسبان في الثاني من تموز من العام نفسه، التي راح ضحيتها ثمانية سياح إسبان وسائقان يمنيان. كذلك سقط 12 جريحاً. وقالت المصادر الرسمية إن «العملية الاستباقية» التي استهدفت الريمي في «أرحب»، جاءت بعد حصول أجهزة الأمن على معلومات مؤكدة بأنه كان يعدّ لسلسلة من العمليات التي تستهدف المصالح الغربية، ومن بينها السفارة البريطانية ومدارس أجنبية في صنعاء. وأكدت الأجهزة الرسمية أنها اعتقلت مجموعة كان أفرادها يرتدون أحزمة ناسفة، وهم على استعداد لتنفيذ عمليات انتحارية.
تتضارب المعلومات عن أدواره في العمليات التي شنتها القاعدة في اليمن، لكنها تجمع على أن بصماته موجودة في معظم العمليات الكبيرة، وهو متهم رسمياً بالهجوم على ناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ في 2002، إلا أنه لم يصدر أي حكم بحقه في هذه القضية، الأمر الذي أثار الشكوك؛ فشخص من وزنه في التنظيم لا يمكن أن يكون بمنأى عن العملية، ولو على سبيل التخطيط لها.
وتؤكد شهادات رفاقه أنه ذو مقدرة خطابية عالية ويتحلى ببراعة على التفاوض ونفَس تحريضي ساعد على صمود معتقلي القاعدة في السجن. وكشف الريمي عن رؤيته الخاصة، عندما هدد بالانتقام لرفاقه الذين قتلوا، وذلك في شريط فيديو صادرته الشرطة وعرضته في المحكمة، في قضية محاكمة 36 من عناصر القاعدة على خلفية تفجيرات مأرب في الثاني من تموز 2007، التي استهدفت سياحاً إسبان، وقال: «لن نضع سلاحنا عن عاتقنا حتى تسقط رؤوسنا عن رقابنا، وحتى نثأر لديننا وإخواننا».
ويتصف الريمي بأن خطابه قريب من اللغة التي يستخدمها بن لادن، ولطالما حرّض على «طواغيت العرب والعجم الذين أفسدوا البلاد والعباد، وفتحوا البلاد الطيبة الطاهرة للصليب والصهاينة والكفر العالمي ليفسد ويسرق». وعلى غرار زعماء الجيل في تمجيد الشهادة، لا يكف عن التذكير بأن «دماء إخواننا وقود لنا أضاء لنا الطريق لنكمل المسير، وهي نار تتأجج في قلوبنا. والله لن تنطفئ تلك النار حتى نشعلها من تحت أقدامكم».
وتحفل نشرة «صدى الملاحم» بكتابات الريمي الذي يتطرق فيها لشؤون سياسية، ومن ذلك قضية توريث الحكم التي كان الرئيس اليمني صالح يعمل بمقتضاها على نقل السلطة إلى نجله أحمد. وأكد في إحدى مقالاته أن «القاعدة» سيقطع الطريق على هذا الاتجاه وسيحكم اليمن بعد رحيل صالح.
يقول أصدقاء قاسم إنه كان معتداً بنفسه، لا يتخلى عن حمل المسدس على خلاف رفاقه في منطقة لا يحتاج أهلها إلى حمل السلاح، وهو ما طبع شخصيته وجعل منه رجل مواجهات. لذا، لا يستبعد أن يبرز إلى الواجهة كثيراً في هذه المرحلة التي هدد فيها تنظيم القاعدة بالثأر لزعيمه بن لادن في داخل اليمن وخارجه.

سعيد الشهري

ما يبرر ترشيح البعض للسعودي سعيد علي جابر الشهري لخلافة بن لادن أنه من الأعضاء القدامى في التنظيم، ومن المؤهلين فكرياً، وتولى عملية التنسيق عندما كان في إيران لدخول المقاتلين إلى أفغانستان، واستطاع أن ينظم آخرين في «تنظيم القاعدة» في السعودية. ولمع نجمه منذ أن تولى الشهري الملقب بـ«أبو سفيان الأزدي» في نهاية كانون الثاني 2009 موقع نائب أمير «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، ممثلاً عن الفرع السعودي في «القاعدة» الذي اتخذ قرار نقل نشاطه إلى الأراضي اليمنية في سنة 2008. وفي أول ظهور إعلامي له، أجرى الشهري بعد توليه مسؤولية نائب الأمير في «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، لقاءً إعلامياً مع الصحافي اليمني المتخصص بـ«تنظيم القاعدة» في اليمن عبد الإله شائع، تحدث فيه عن أنهم سيقومون بعمليات، لمساعدة «تنظيم القاعدة» في أفغانستان، وسيعملون على إيقاف المحاولات «الصليبية» ـــــ على حد قوله ـــــ التي تريد استئصال التنظيم وطالبان وقتل أسامة بن لادن والملا عمر وأيمن الظواهري، ووعدهم بأنه سيبذل مع أصدقائه في التنظيم المستحيل، حتى لو خسروا أنفسهم مقابل نصر الأمة الإسلامية، انطلاقاً من «جزيرة العرب». وهاجم الشهري حوار الأديان الذي دعمه الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية، واتهم السلطات السعودية بمحاولة قمع الحركات الدينية وسجن العلماء الذين وصفهم بـ«الربانيين». واستخدم الشهري لغة تحريضية في دعوة المسلمين لقتال الوجود الغربي، في شريط من إعداد «مؤسسة الملاحم»، الجناح الإعلامي لـ«القاعدة».
الشهري ذو تجربة مديدة في العمل القاعدي، وهو أحد الذين عادوا إلى السعودية من معتقل غوانتانامو في 2007، الذي نقل إليه بعد اعتقاله في أفغانستان 2002، وكان رقمه في المعتقل 372، الأمر الذي أكدته وثائق وزارة الدفاع الأميركية. وخضع لبرنامج التأهيل في السعودية «المناصحة»، لكنه بعد الإفراج عنه اختفى عن الأنظار، حيث غادر إلى اليمن في الربع الأخير من 2008، وظهر في شريط مسجل مع اليمني ناصر الوحيشي «أبو بصير» وقاسم الريمي والسعودي محمد عتيق العوفي «أبو الحارث» القائد الميداني للتنظيم، الذي سلم نفسه في شباط 2009 للسفارة السعودية في صنعاء.



الشهري تجاوز الخط الأحمر

يعد سعيد الشهري الرقم واحد من بين الذين تطاردهم اليوم أجهزة الأمن السعودية، بعدما كان يحتل الشهري المرتبة 31 ضمن قائمة الـ85 مطلوباً من وزارة الداخلية السعودية. ويعود السبب في ذلك إلى أنه يتحمل المسؤولية عن تجنيد الانتحاريين المتسللين من اليمن إلى السعودية.
لكن العملية الأخطر التي تجاوز فيها الخط الأحمر هي تجنيد الانتحاري السعودي عبد الله عسيري في اليمن، وإرساله إلى السعودية في آب 2009، بنيّة اغتيال الرجل المسؤول عن مطاردة تنظيم القاعدة الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودية، الذي استقبله في قصره، في إطار سياسة مسعى إقناع عناصر «التنظيم» بالتوبة. لكن خطة الاغتيال باءت بالفشل، وتفجرت العبوة المزروعة في جسد الانتحاري، فقتل في الحال، لكن الأمير نجا بأعجوبة.
وكان الانتحاري عسيري قد طلب الاتصال من قصر الأمير محمد بن نايف مع مجموعة من المطلوبين السعوديين أمنياً في اليمن، ليعطيهم الأمان للعودة إلى الأراضي السعودية، وكان في انتظاره على الخط في الطرف الثاني سعيد الشهري.
غير أن هذه لم تكن سوى خطة من التنظيم، لتثبيت مسألة وصول المنفذ للشخصية التي كانوا ينوون استهدافها. وبعد وصول عسيري إلى قصر الأمير، جرى الاتصال بالأشخاص الذين زعم أنهم أرادوا التوبة مساء 27 آب 2009، وذلك من طريق الاتصالات الخاصة بقصر الأمير، وخلال هذه المكالمة فجر الانتحاري نفسه.
وقد نشر «تنظيم القاعدة» التسجيل على بعض مواقع الإنترنت، رغم فشل العملية، وكان يريد من وراء ذلك أن يثبت نجاحه في التخطيط واستخدام الطريقة، وكذلك الوصول إلى هدف كبير في وزن الأمير، المكلف محاربة الإرهاب نيابة عن والده وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز.



«عيب الظواهري»

من بين الخبراء في شؤون القاعدة علي صوفان، محقّق المباحث الفيدرالية الأميركي السابق، الذي تولّى التحقيق مع معتقلي تنظيم القاعدة في اليمن، وخصوصاً المتهمين بتفجير المدمّرة الأميركية «يو اس اس كول» في ميناء عند في تشرين الأول سنة 2000. يقول صوفان، الذي شارك في التحقيق مع معتقلي «غوانتانامو»، في حديث مع صحيفة «لوفيغارو»، إن عيب الظواهري الأساسي هو أنه مصري، ولا يقبل به قادة التنظيم وخصوصاً في اليمن والسعودية، حيث لا يزال «القاعدة» ذا البنية الأكثر تماسكاً، التي ظلت على صلة دائمة مع بن لادن، الذي أشرف شخصياً على توحيد فرعيها اليمني والسعودي في مطلع سنة 2010، وصار اسمها «قاعدة الجهاد في شبه جزيرة العرب».