لم يأفل نجم الطبيعة في لبنان بعد؛ فعلى الرغم من ازدياد سوء حالها، تطرح مشاريع كثيرة من هنا وهناك، لحمايتها. ليس المقصود هنا حماية مظاهر الطبيعة من ماء ونبات وهواء فحسب، بل ترتيب علاقة الإنسان معها على قاعدة العطاء المتبادل. هكذا، يبدو برنامج «حوار الطبيعة» الذي يديره مركز «إبصار» في الجامعة الأميركية بيروت، ومن ضمنه مشروعا «عالطبيعة» و«بلدتي بيئتي»، كجدول شقّ طريقه في أرض جافة؛ فقد أطلق المركز مشروعيه في آذار الماضي، لكن مشروع «عالطبيعة» سيستغرق سنتين لإنجازه. أما «بلدتي بيئتي» فهو مسابقة تدور بين 20 بلدة حتى الآن، تمتد حتى شهر أيلول المقبل. قبل الحديث عن المشروعين، تجدر الإشارة إلى أنهما مموَّلان من شركة «كوكا كولا»، وهو ما استدعى جدلاً طال هذه الناحية التي غالباً ما تعَدّ دقيقة في المشاريع التي تموّلها شركات أو جهات خارجية في لبنان. لماذا النقاش؟ لأن «كوكا كولا»، بحسب المعارضين لتمويلها عموماً، لا في هذا المشروع تحديداً، هي من أبرز الشركات الداعمة للعدو الإسرائيلي على مستويات عديدة. دراسات كثيرة تناولت ذلك، من بينها واحدة أعدتها الأستاذة في الجامعة الأميركية كيرستن شايد بعنوان «كوكا كولا والصهيونية». بحسب هذا البحث، أُنشئت شركة كوكا كولا عام 1968 كجزء من قرارات الإدارة الأميركية في دعم إسرائيل. دعم، يترجمه الموقع الإلكتروني الإسرائيلي للشركة، الذي يعلن ـــــ بحسب الدراسة المذكورة ـــــ أن «كوكا كولا تسهم إسهاماً عظيماً في الاقتصاد الإسرائيلي (...) فهي من أكبر رعاة إسرائيل غير الحكوميين». كذلك، تشير الدراسة إلى ملكية «كوكا كولا لشركة مياه في الجولان السوري المحتل، اسمها مايانوت إيدن، تسوّق المياه المسروقة من نبع السلوقية إلى مناطق الخط الأخضر». أكثر من ذلك، تقدّم «كوكا كولا إسرائيل» ـــــ بحسب الدراسة ـــــ «صفوفاً في تاريخ إسرائيل لموظفيها «المشحونين» من دول الاتحاد السوفياتي السابق»، والهدف هو المساعدة على الاندماج في المجتمع الإسرائيلي. اجتماعياً، تشير الدراسة إلى تلقي جمعيات يهودية مختلفة تبرعات ناتجة من الرسوم التي يدفعها وكلاء الشركة في البلدان، للمؤسسة الأم. و«الوكالة اليهودية من أجل إسرائيل ـــــ JAFA» هي المستفيد الأكبر من مساعدات «كوكا كولا»، وعلى رأس أولوياتها التشجيع على الهجرة اليهودية باتجاه فلسطين المحتلة. جغرافياً، رغم وجود فروع للشركة في الضفة الغربية، تقع منطقة القدس الشرقية ضمن خانة الموزّع الإسرائيلي، وهو ما يمثّل مخالفة للقرارات الدولية، قبل أن يكون انتهاكاً للحقوق الفلسطينية، واعترافاً بأن القدس كاملة هي عاصمة لإسرائيل.
(عنوان الدراسة على الإنترنت: http://www.adabmag.com/sites/default/files/boycott/6.pdf).
إلا أن منسقة المشروع في مركز «إبصار»، مديرة قسم تصميم المساحات الخضراء وإدارة النظم البيئية في الجامعة الأميركية، سلمى تلحوق، بعد أن تشرح أن آلية إعداد المشروع تقوم على «تقديم اقتراح للجامعة التي تقدم التمويل»، تؤكد أن «التمويل لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالمشروع، وأن المموّل لا يتدخل في أي تفصيل من تفاصيل المشروع إطلاقاً، والجامعة تعمل تحت سقف القانون اللبناني في ما يتعلق بتمويل المشاريع».
وعن المشروعين، تشرح تلحوق أن هدف مشروع «بلدتي بيئتي» هو «مساعدة كل بلدة على إعداد ملفها البيئي، حيث تستعمل الخرائط لتحديد المشاعات والمساحات والغابات ومناطق المياه النظيفة والملوثة، في كل بلدة من البلدات المشاركة». أما فائدة المشروع، فهي أن «كل بلدة تؤلف لجنة من أبنائها، تضم أعضاءً من البلدية ومن أهالي القرية، تصبح قادرة على تقديم ملفها البيئي للوزارات المعنية بهدف تقديم الخدمات البيئية المطلوبة للبلدة»، بالإضافة إلى أن «لجنة من الأساتذة ستختار الملف الأفضل من بين الملفات التي أعدتها 20 بلدة تتنافس حالياً». أما المشروع الثاني «عالطبيعة» فهو يرتبط بالمدارس من جميع المحافظات، ويهدف إلى «إعداد دليل للمدارس الرسمية والخاصة لكيفية إقامة نشاطات في الطبيعة عبر التواصل بين المدارس». وقد بدأ المشروع بالتقاء مدرستين يقوم تلامذتهما بنشاطات بيئية معاً، كزرع الأشجار مثلاً، ويُملأ الدليل بمعلومات ضرورية عن الأماكن الطبيعية، البلديات، وطرق التعامل مع عناصر الطبيعة والعناية بها. أما عن الصعوبات، فتقلل تلحوق من شأنها، مؤكدة بقولها: «إننا نلقى كل ترحيب وتسهيلات في جميع المدارس والبلدات».