لجأ بطرس حرب إلى فتوى للراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين لتبرير مشروع قانونه العنصري بمنع بيع مسيحي أرضاً لمسلم أو العكس. وربما كان يريد أيضاً منع بيع شيعي أرضه لسني وماروني لكاثوليكي وعلوي لدرزي. هذا اللجوء لا يعدو كونه نقطة ضعف إضافية، لأن حرب يستخدم هذه الإعارة على الطريقة اللبنانية التقليدية، أي إنه يريد أن يقول للمسلمين إن شمس الدين هو من أفتى بعدم جواز عمليات الشراء؛ لكونها تجري لأسباب غير تجارية.في أواسط التسعينيات، كان سليمان فرنجية وزيراً للبلديات. جاءه وفد من بلدة الحدث في قضاء بعبدا يشكون تمدّد أبناء الضاحية الجنوبية باتجاه الحدث، وأن هناك فوضى في عمليات البناء وخلافه. وطلب الوفد إليه التدخل. يومها، سأل فرنجية الوفد: هل يستولي الشيعة على الأرض أم يشترونها؟ فرد الوفد بأن العقارات جرى تملكها في إطار عمليات بيع وشراء، وأن المسيحيين المحبطين قرّروا بيع أراضيهم لكونهم يريدون الانتقال إلى مكان آخر للعيش، سواء أكان داخل لبنان أم خارجه. فرد فرنجية: وماذا بوسعي أن أفعل؟ البلدية بيدكم، ويمكنكم أن تفرضوا شروطاً في عملية البناء. لكن ليس بوسعكم منع أحد من تملك عقار أو البناء عليه لمجرد أنه من طائفة أخرى.
الصيف ما قبل الماضي، سعى سمير جعجع مع مغتربين أو مع أميركيين من أصل لبناني إلى أن يأتوا إلى لبنان ويشتروا عقارات معروضة من مواطنين مسيحيين للبيع. وسعى مع الراحل أنطوان الشويري إلى إقناع شخصيات عالمية مثل كارلوس سليم بتمويل مشروع كبير في الشمال يتضمّن عمليات شراء أراضٍ وتشييد منتجع سياحي كبير. كذلك فعل وليد جنبلاط في «أيام الغشاوة» بأن اتصل بسليم نفسه، باعتباره ابن قضاء جزين، طالباً إليه صرف بعض ثروته على شراء عقارات يسعى رجال أعمال شيعة (يعتقد جنبلاط أنهم غطاء لحزب الله) في تلك المنطقة. لكن لا جعجع ولا جنبلاط صرفا بعضاً من أموالهما التي جمعت أثناء لعبة السيادة والحرية والاستقلال، في عمليات شراء بعض هذه العقارات. وربما اضطر جنبلاط للمرة الأولى منذ زمن بعيد إلى الصرف من جيبه بأن خصّص عقارات في مناطق عدة لمشاريع ذات طابع تربوي أو إنمائي.
لكن حقيقة الأمر ليست في تمنّع هذين عن التدخل لمعالجة الأزمة فحسب، بل لكونهما لم يتقدّما خطوة عملية واحدة باتجاه إعادة الحياة إلى طبيعتها في جبل لبنان، ولم يعملا لحظة واحدة على تنمية التواصل بين المسيحيين والمسلمين هناك لتوفير شروط العيش في هذه المنطقة أو تلك. سافر الرجلان إلى المغتربين من دروز ومسيحيين في بلاد المهجر للحصول على دعم مالي، لا لحثهم على العودة إلى لبنان. تواصلوا مع هؤلاء فقط لجلبهم إلى التصويت في أيام الانتخابات، ولم يفعلا شيئاً لإقناع بعضهم بشراء منزل أو إعادة ترميم بيوت الآباء والأجداد.
لكن بطرس حرب لم يجد في كل العلاجات الواقعية والممكنة لإبقاء الناس في أرضهم سوى اللجوء إلى مشروع قانون عنصري، مخالف لأبسط قواعد الدستور ومناقض كلياً للهوية الوطنية اللبنانية المفترضة، وهو قصد أمس البطريرك الماروني لشرح أسبابه الموجبة. لكنه لم يتحدث مع رأس الكنيسة عن دورها المطلوب في مواجهة أزمة الهجرة المتواصلة. وبالتأكيد لم يقل له إن على الكنيسة أن تتوقف عن بيع مفاتيح الجنة. لم يقل له إنه آن الأوان لتقود الكنيسة مشروعاً اجتماعياً ثورياً يقوم على تسييل العقارات المنتشرة في الجبل وكل مناطق لبنان، وتحويل بعضها إلى عقارات قابلة للبناء السكني أو استخدام عائدات بعضها الآخر لتمويل مشاريع تبقي الشباب المسيحي في لبنان؛ لأن هذه المشاريع هي التي تبقيهم في هذه الأرض، لا تلك العظات التي تشبه البكاء على الأطلال والأمجاد الغابرة.
لم يكن في بال بطرس حرب فهم أن القواعد السياسية التي أملت اتفاق الطائف كما هو، ليست هي القواعد المعبّرة حقيقةً عن واقع البلاد. ولم يدرك بطرس حرب أن استراتيجية ضبط الناخبين ضمن قوانين انتخابات بالية، نيابية أو بلدية ليست كافية لمنع التغييرات الكبرى من البروز إلى السطح ولو بعد حين. ولم يكن في بال بطرس حرب أن يقول لصفير إن عليه إفساح المجال أمام تغيير حقيقي وتجديد في إدارة الكنيسة التي تسيطر على الكثير من مقدّرات البلاد، وأن يدفع بها نحو دور اجتماعي من نوع مختلف، وأن يدرك أن الأمر يبدأ أولاً من عملية الاندماج الفعلي والكلي في الوسط الاجتماعي والسياسي الذي يعيش فيه المسيحيون، ثم في أن تبادل الكنيسة، لمرة واحدة، الناس ثقتهم بها، وأن تصرف ما جمعوه لها في الأيام السود الحاضرة، وألّا يكون الهم الفعلي اللجوء إلى خيارات مجنونة تقود المسيحيين إلى مصائر رهيبة كما هي الحال في فلسطين والعراق ومصر... أي حيث وطئت أقدام إسرائيل وأميركا.
مشكلة بطرس حرب أنه لم يلتفت جدياً إلى أن الاستحقاق الأساسي الذي يواجه مسيحيي لبنان الآن لا يعالج بقوانين متخلفة وغير قابلة للتطبيق، بل في إجراء مراجعة حقيقية، لما آلت إليه السياسات التي قام عليها الفريق السياسي لبطرس حرب منذ وقت طويل إلى الآن.
6 تعليق
التعليقات
-
مشروع عصبيةالى سنوات غير بعيدة كنت شخص من كثيرين نرى في الشيخ بطرس حرب رجل قانون ومشروع سياسي غير طائفي بل واعد انما الغريب ليس في مشروع القانون بل في نفوس الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة الكل سواسية كلن يقول الله وطائفتي وعذرا من الجميع يعني بننسى جوعنا وفقرنا وبنركض وراء عصبيتنا مع العلم كان ظني سابقا ان المسلمين بشكل عام والشيعة بالاخص والاخص اهالي بعلبك الهرمل هم فقط اهل عصبية انما ما آل اليه البلد زادني بصر وبصيرة اللبناني العصبية بدمه وبعمرو الزيت ما ببيدوب بالماء .
-
المعركة أوّلاً = لبنان أوّلاًقد نجد نقطة واحدة تستدعي الردّ في ما قدّمه بطرس حرب. طبعاً من السهل و المنطقي الكلام عن عنصرية هكذا مشاريع و طروحات و من المقذع أن تصل بنا الحالة المتردّية إلى محاولة قوننتها.إنّما أيضاً يجب إيفاء الواقع اللبناني حقّه. في الأخير،إنّ أكثريّة اللبنانيون مقتنعون بعدم وجوب بيْع الأرض لمن ينتمي لطائفة أخرى. العقليّة القرويّة التي فتك بها سوس الحرب الأهليّة منتشرة على مجمل الأراضي اللبنانية و بالتالي فإن أغلبيّة الذين استطاعوا تخطّيها ( و هم ليسوا بكثرين ) كانوا قد تخطّوها مروراً بسبب البيزنيس لا السبب الأخلاقي. الناس الفقراء باعوا أراضيهم بسبب الحالة المعيشيّة لمن هم من غير طائفتهم و حيتان المال إشتروا الأرض من كلّ الطوائف بدون إستثناء. إعلان بطرس حرب يأتي صريحاً في سياق الإعلان عن المرض الذي يتراكم فينا، و هو من الخارج يشبه موضوع الحزب الطرابلسي الراديكالي الذي رخّصه أحمد فتفت منذ بضع سنوات - في هذا الإطار قال عباس بيضون: " ما الفارق إن كان حزب التحرير قد أعلن عن مسعاه الطائفي، أليست كلّ الأحزاب في لبنان طائفيّة و ذات مساعي طائفيّة؟" اليوم و كلبنانيين مناصرين لحقّ المقاومة و الدفاع عن النفس نسأل التالي : المقاومة التي تتمثّل بحزب الله أنجزت ما لم تنجزه الجيوش العربيّة متّحدة خلال نصف قرن، و كانت فعلاً مبهرة في تمّوز. لكن في المقابل ماذا أنجزت في الداخل اللبناني ؟ تَركت السياسات الماليّة لرئيس الوزراء الأسبق منذ تسعينيّات القرن و تركت اللغة الصحفيّة محصورة بالشقيقة سوريا و العيش المشترك و الترّهات و الرديّات، لم يوجد نقاش جدّي، إلخ. استفضت المقاومة للسلاح و للأعمال الحربيّة التي نكرّر دعمنا لها، و تركت الداخل لحوت اقتصاديّ ابتلع بيروت. بنت أخلاقيّتها و عقيدتها القتاليّة و تركت الأمراض تستشري في داخل الدولة. لم تكن القاومة معارضة يوماً، حتّى أنه في آخر أزمة حكوميّة عبّر السيّد حسن نصرالله عن رضاه و رضى الحزب في عدم المشاركة في التشكيلة الحكوميّة المتنازع عليها و عن تقديم الكراسي لآخرين في صف المعارضة. لماذا؟ إذن ترك حزب الله الإقتصاد لغيره و لا أعرف هنا إن كان هذا بمثابة صفقة مع الحريري الأب الذي بدوره غطّى الحزب في مناسبات دوليّة عديدة. الأب الذي رمى البيزنيس في بيروت خاصة، طبعاً لم يناقش الأخلاق. التجارة لا تعرف الأخلاق. ( بعكس الصناعة و الزراعة )- هنا نام الببنانيون على جرحهم الأهليّ و لم يتكلّموا به. آلت الأمور إلى بطرس حرب في النهاية، و هذا ليس طبعاً كلّه بسبب تحييد المقاومة لنفسها. فبعض المسيحيين لا يعرفون أين هم و من هم، لكن من غير المجدي أن نتكّلم أو ننتقد القوات و لا الكتائب: ما بهذه الأحزاب تبنى الأوطان في الأخير بطرس حرب هو " مسطرة " عن كثيرين. فما العمل؟
-
ما لفتني في مقالتكم هو طلبما لفتني في مقالتكم هو طلب تسييل عقارات الكنيسة، يبدو انه لم تعد عقارات المسيحيين الافراد كافية للبيع.
-
بطرس حربسيد حرب هل سألت نفسك ..من زرع الطائفيه في بلادنا العربيه..؟
-
نموت ولكن نبقى طائفييننموت ولكن نبقى طائفيين (متخلفين) نموت ونبقى عنصريين ( كلاس) نموت ونبقى بالسلطة . عجبى الافندى كان يريد باستماتة وزارة العدل اى عدل ؟؟؟ اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. يريد بناء دولة مؤسسات يريد حرية يزيد استقلال!!!! غلطان بالعنوان يامعالى الوزير
-
اقتراح الوزير بطرس حربباعتقادي أن هناك فارقا كبيرا بين أن يصدر المقدس الإمام شمس الدين، أو أي مرجعية دينينة، فتوى بتحريم بيع و شراء الأراضي، يقرر كل فرد لنفسه الإلتزام بها أو عدمه و أن يتم اقتراح قانون من قبل وزير يرمي الى جعل المنع ملزما لجميع المواطنين ليس لأي مواطن بعده أن يقرر مخالفته هذا بالإضافة الى تغذية النزعة الطائفية باقتراح قوانين مشابهة. ما يزعج في استشهاد بعض السياسيين ببعض مقولات الإمام الراحل هو الإستنسابية و الإنتقائية و لذلك أسأل من يستخدم هذا الأسلوب، بما أنهم مقتنعون بفكره الى هذا الحد لماذا لا يتبنون مواقفه و أفكاره المتعلقة بمواضيع أخرى.