152 مستشفى نسبة إشغالها 40%... والكلفة على المواطن مستمرة بالارتفاع!رشا أبو زكي
تشير الإحصاءات إلى أن نحو نصف اللبنانيين لا يملكون أي تغطية صحية، في حين أن فاتورة الاستشفاء تعدّ من أعلى المعدلات في العالم، أما الدواء فله قصص وروايات، تبدأ بمافيات تتحكم به اتجاراً ومبيعاً، وتنتهي بأدوية فاسدة وأدوية ترتفع أسعارها أضعاف تلك الموجودة في الدول المجاورة،... إلا أن وزير الصحة العامة محمد جواد خليفة يلفت لـ«الأخبار» إلى أن الدراسات التي قامت بها الدولة مع البنك الدولي خاطئة، وخصوصاً حين قالت إن لبنان يصرف 12 في المئة من الدخل القومي على الصحة، وإن 70 في المئة من اللبنانيين ينفقون من جيبهم الخاص على الصحة «وهذه أكبر كذبة في تاريخ العالم»، ويوضح خليفة أن الدولة، لكي لا تلزم نفسها بنظام اجتماعي، عمدت في هذه الدراسة إلى تضخيم فاتورة الصحة وقالت إنها توازي 600 مليون دولار سنوياً، ولم تحتسب أن 20 في المئة من الفاتورة الاستشفائية هي نفقات على الدواء!
استشفاء للأغنياء
ويقول الباحث كامل مهنا في دراسة عن «تحسين إمكانات الفقراء السياسات الصحية» إن بعثة الأمم المتحدة إلى لبنان قدرت أن ثلث الأسر اللبنانية مضطرة للاستدانة في نهاية كل شهر من أجل سد حاجاتها الأساسية، ومنها الصحة... ويلفت «البرنامج التنموي 2006 ــ 2009» لمجلس الإنماء والإعمار إلى أن معدل الإنفاق الصحي للأسرة في لبنان وسطي، وهو نحو 2.609 مليون ليرة لبنانية سنوياً، أي ما يوازي 14.1 في المئة من إجمالي إنفاق الأسرة السنوي. وتنفق الأسر التي يتراوح دخلها الشهري ما بين 300 ألف و500 ألف ليرة لبنانية ما يوازي 17 في المئة من دخلها الشهري على الخدمات الصحية. وتنخفض هذه النسبة إلى 8.1 في المئة لدى شرائح الأسر التي يتجاوز دخلها الشهري خمسة ملايين ليرة لبنانية...
أما خليفة فيقول إن 50 في المئة من الشعب اللبناني ليس لديه أي تغطية صحية، لذلك أنشئت المستشفيات الحكومية «ورب ضارة نافعة، إذ إن احتدام الخلافات السياسية، ساهم في افتتاح كل هذه المستشفيات من دون اعتراضات»، ويشير إلى أنه أعدّ نظام معلومات على 3 سنوات لدراسة كلفة الاستشفاء الحكومي، وكانت النتيجة أن كل مواطن يكلّف الوزارة 150 دولاراً سنوياً، مشيراً إلى أن 90 في المئة من المستشفيات الحكومية أفضل من المستشفيات الخاصة الموجودة نتيجة التجهيزات المتطورة والضخامة وغيرها من المميزاتstrong>الإنفاق الكبير على الاستشفاء
ويشير تقرير وزارة الصحة عن العام 2007 إلى أن عدد المستشفيات في لبنان هو 152 مستشفى، بينها 23 مستشفى حكومياً. في حين يلفت البرنامج التنموي إلى وجود 11.533 سريراً، موزعة بنسبة 2.88 سرير لكل 1000 مواطن، في حين أن كلفة الاستشفاء تعدّ الأعلى في الفاتورة الصحية المرتفعة أصلاً في لبنان... إذ تبيّن دراسة «أثر الكلفة الصحية على حق المواطن بالرعاية الصحية» أن إنفاق وزارة الصحة على الاستشفاء بلغ 75 إلى 85 في المئة من نفقات موازنتها. وتلفت دراسة «الاسترداد الضريبي المستدام في لبنان 2005» إلى أن الوزارة تنفق أكثر من 70 في المئة من موازنتها على الاستشفاء. إلا أن رئيس نقابة أصحاب المستشفيات سليمان هارون يقول لـ«الاخبار» إن كلفة الاستشفاء هي 600 مليون دولار، وهي بمعدل 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مشيراً إلى أن كلفة الفاتورة الصحية في لبنان المرتفعة سببها التضخم الحاصل في فاتورة الدواء، إضافة إلى المعاينات الطبية خارج المستشفيات والفحوصات الأخرى.
وتلفت دراسة للخبير الاقتصادي كمال حمدان إلى أنه من خصوصيات النظام الصحي في لبنان أن إعادة إنتاج فائض العرض ما كانت لتكتسب طابعاً شبه دائم، لو لم تتزامن مع اصطناع في الطلب يصل في بعض الأحيان إلى حد الانتفاخ، ولا سيما «معدل الاستشفاء» الذي يقيس عدد حالات الدخول إلى المستشفيات سنوياً نسبة إلى إجمالي المقيمين.
40 مستشفى معرضاً للإفلاس!
ويقول خليفة «لقد بقيت صامتاً حتى أنهيت ملفاتي، فقد أتيت إلى وزارة كانت تدفع الكلفة الاستشفائية لـ135 ألف مريض بموازنة 3،5 في المئة، وكان 5 آلاف منهم يدخلون إلى المستشفيات الحكومية، وتقع الوزارة بعجز 45 مليار ليرة، وجاء البنك الدولي وقال «وقّعوا عقوداًَ مع المستشفيات الخاصة»، وبدأ التوزيع المناطقي والطائفي للمستشفيات، وكانت الدولة تضطر إلى التعاقد مع مستشفيات ليست بحاجة إليها، وبدأ المستثمرون ينشئون مستشفيات ليحصلوا على عقود من الدولة»، ويتابع «أنا ألغيت هذه الأمور كلها، وخفّضت العقود، وافتتحت 21 مستشفى حكومياً، وكانت الوزراة واقعة بعجز 45 مليار ليرة، وفي عام 2007 أصبح لدي وفر بقيمة 12 مليار ليرة».
وتشير دراسة «استعادة الاستدامة الضريبية في لبنان: تقرير الإنفاق سنة 2005» إلى أن نسبة الإشغال في المستشفيات نحو 56 في المئة. ويعزو هذا التقرير تدني نسبة الإشغال إلى «وجود جماعات عدة تراهن على نفخ الأرباح من خلال بناء مستشفيات جديدة وتشغيلها للإفادة من الـ«كوتا» الموعودة من أسرّة التعاقد مع وزارة الصحة».
ويلفت خليفة إلى أن نسبة إشغال الأسرّة في مستشفيات لبنان هي 40 في المئة، ونحن لا نريد أكثر من 30 في المئة، في حين هناك فائض من المعدات الطبية التي لا نحتاج منها سوى إلى 10 في المئة فقط... ويلفت إلى أن النظام الاقتصادي الحر هو الذي أدى إلى ارتفاع عدد المستشفيات، إذ هناك أكثر من 40 مستشفى معرضاً للإفلاس في لبنان. ويسأل «أين هو البلد الذي فيه 35 مركزاً للقلب المفتوح؟».
في حين يشير هارون إلى أن هناك 3 أسرّة لكل ألف مواطن في لبنان، «وهذا المعدل مقبول»، لافتاً إلى جودة نوعية الخدمات التي تقدمها المستشفيات، إذ إن 101 مستشفى خاص نجحت في معايير الاعتماد، وهي تمثل 8600 سرير، وقال «من الممكن أن يكون هناك طفرة في عدد المستشفيات، لكن هذه المستشفيات صغيرة، وهذا الأمر ينعكس إيجاباً في نوعية الخدمات بسبب المنافسة على التقديمات وكلفة الاستشفاء». ويشير إلى أن هناك عدداً مهماً من المستشفيات التي تعاني عجزاً مالياً، بسبب ديون المصارف، وانخفاض التعرفات المعتمدة من قبل الجهات الضامنة، وخصوصاً الضمان الاجتماعي، إضافة إلى تأخر الدولة في سداد مستحقات المستشفيات.
ويرى هارون أن انخفاض معدلات الإشغال في المستشفيات يعود إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، إضافة إلى خسارة المستشفيات حوالى 20 في المئة من المرضى الأجانب والخليجيين.
إلا أن دراسة حمدان تحلل هذا الموضوع، وتشير إلى وجود فائض نسبي في العرض الصحي، ويشمل هذا الفائض الإفراط في التجهيز الصحي في المعدات الاستشفائية والصحية الباهظة الكلفة والسريعة التقادم. وبدلاً من أن يؤدي هذا الفائض إلى تعزيز المنافسة، وبالتالي إلى خفض التكاليف والأسعار في لبنان، فإن هذه التكاليف ظلت مستقرة على مستويات عالية، لاعتبارات عدة أهمها بنية التمويل الراهنة وآلياتها، ولا سيما الرسمية منها، إضافة إلى غلبة «احتكار القلة» في بعض الأسواق (الدواء مثلاً)، وإلى ضعف سياسات الرقابة وبرامجها على هذا القطاع، الذي ينتج فيه مورّدو القطاع الخاص نحو 95 في المئة من إجمالي الخدمات الصحية.


مجرد إشارة
تشوهات واختلالات
يشير «البرنامج التنموي 2006 ــ 2009» إلى أن قطاع المستشفيات في لبنان، يعاني تشوّهات واختلالات على مستويات عدّة، منها التوزيع غير العادل للمستشفيات، بحيث تتركز في منطقة بيروت الكبرى ويستفيد منها ميسورو الحال نسبياً على حساب الفقراء المقيمين في المناطق الطرفية والنائية، إضافة إلى أن أكثر من ثلثي المستشفيات في لبنان تنتمي إلى فئة المستشفيات الصغيرة الحجم (أقل من 70 سريراً)، ما ينعكس على نوعية خدماتها، في حين أن متوسط الإشغال في المستشفيات لا يتعدّى نسبة 60 في المئة، وهذا المعدّل متدن جداً بمقياس «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية» الذي يراوح بين 80 و85 في المئة. ففي عام 2005، كانت المستشفيات التي لا يتجاوز عدد أسرّتها سبعين سريراً نحو 72 في المئة، وتلك التي يراوح عدد أسرّتها بين 71 و200 سرير نحو 22 في المئة، فيما لا يتعدّى عدد المستشفيات التي تحوي 200 سرير وما فوق 6 في المئة.