مجموعة الموارد البشريّة تصل موفدة من «القاعدة» إلى عين الحلوةفداء عيتانيكانت الأموال والعلاقات قد بدأت تؤلّف شبكة شديدة التعقيد في نهاية عام 2006، وبدأت «القاعدة» بإرسال اختصاصيّين في التزوير وإدارة الموارد البشرية خاصة، وتحوّل الجسم الجهادي إلى جسم متماسك أكثر فأكثر ومتقاطع مالياً وبشرياً وتقنياً ولوجستياً
قدّم السوري سليمان د.، الملقب بـ«أبو الغضية»، إسهامات كبيرة في العمل الجهادي، من التمويل وصولاً إلى التأطير للكوادر. ورغم التعميم الأميركي بتجميد أمواله، تمكّن من متابعة الجهاد بالمال. ويُعدّ أبو الغضية من الشخصيات المتعددة المهمات في العمل الجهادي. فإضافة إلى كونه متموّلاً، فهو يتقن عدداً من الفنون الحربية والمهارات القتالية، من علوم الأسلحة والطوبوغرافيا والمدفعية والإلكترونيات، وتدرّب في أفغانستان وإيران وتركيا ولبنان على تزوير المستندات، وهو أحد خبراء تنظيم القاعدة في توفير الأوراق الثبوتية المزوّرة. كما أدى دوراً أساسياً في تجنيد المجاهدين وتوجيههم للعمل في الأردن والعراق، وأسهم في تجميع الأفغان العرب الذين غادروا أفغانستان وتفرّقوا في العديد من الدول، ونسّق أعمالهم في مجموعات قاعدية في العراق وحول العالم. كما أشرف أبو الغضية على تدريب عناصر من تنظيم جهادي في عين الحلوة على تزوير المستندات.
وكان هذا التنظيم الجهادي يتموّل عموماً من التبرّعات الخارجية التي يشرف على وصولها فياض ع. الموجود في الدنمارك، الذي كان يرسل التبرّعات إلى حسابات سرية في لبنان. أما التمويل الداخلي، فيأتي من طريق جمع التبرعات داخل المخيم ومن أموال الزكاة.
وفي ما يتعلّق بـ«جند الشام»، تتضارب المعلومات بشأن تمويله. أحد المصادر المؤكَّدة للتمويل هو الاتفاق الذي أبرمه تنظيم جند الشام مع النائبة بهية الحريري التي تعهّدت بدفع بدلات مالية لإخلاء عناصر التنظيم منطقة التعمير، واللجوء إلى داخل مخيم عين الحلوة، مقابل بدلات مالية تكفيهم لشراء منازل لهم في المخيم.
وتنظيم جند الشام هو عبارة عن ثلاث مجموعات قتالية تابعة لكل من أسامة الشهابي، وعماد ياسين، وغاندي السحمراني. وبعد مقتل ابن مؤسس عصبة الأنصار، عبد الله هشام الشريدي، انطلق الشبان الثلاثة في عملية تأسيس جند الشام، وخاصة أن تنظيم الشريدي ــ عصبة النور ــ انتهى مع موته. إلا أنه في المرحلة الأخيرة، وخلال حرب البارد، أعلنت عصبة الأنصار حلّ جند الشام وضم عدد من كوادرها إليها.
وكان جند الشام دائماً مصدر توتر في حي التعمير على طرف مخيم عين الحلوة، ولطالما وقعت اشتباكات بين الجند والجيش اللبناني، أو التنظيم الشعبي الناصري، التابع للنائب أسامة سعد، أو حركة فتح.
ويحافظ تنظيم جند الشام على اتصالات مقبولة نسبياً مع القاعدة، كما كان لأسامة الشهابي اتصالات مع شهاب قدور (أبو هريرة). وكان قدور قد أرسل إلى الشهابي مبلغ عشرة آلاف دولار أميركي، وتسرّبت هذه المعلومات إلى منير المقدح الذي علم أن مصدر هذ الأموال هو شاكر العبسي في الشمال. عندها قام المقدح بتحذيرهم من أنه لن يسمح لفتح الإسلام بالانتشار في مخيم عين الحلوة. وكان أحد أسباب التمويل هذا هو التحضير لضرب قوات الطوارئ الدولية في الجنوب.
إلا أنه، وبعد انتشار الخبر عبر وزير الدفاع اللبناني إلياس المر، الذي أعلن عن توافر معلومات تتعلق بنيّة مجموعات في عين الحلوة وتخطيطها لضرب القوات الدولية في الجنوب، اتصل العبسي بأسامة الشهابي وأنّبه على تسريب هذه المعلومات، وخاصة أن أخباراً جرى التداول بها تفيد بأنّ الشهابي سبق أن رصد تحرّكات القوّات الدولية في الجنوب. كلّ ذلك كان قبل شهرين فقط من معركة نهر البارد.
وعلى مستوى آخر، كان قدور يستقبل العديد من المجموعات الوافدة من سوريا ومن المطار والمرافئ، لينقلها إلى نهر البارد، ويوفّر لها الإقامة في محيط منزل الفلسطيني أحمد ل.، الذي يقع في حي لوبي داخل البارد، بينما تُرصد المنطقة من منزل أحمد ل.، المجهّز بأجهزة اتصالات دولية متطورة من نظام راكيل البريطاني الصنع، وبكاميرات مراقبة وأجهزة تنصّت وتشويش. وكان هذا المنزل يستخدم لإجراء الاتصالات مع مسؤولين في القاعدة في سوريا ولبنان والأردن والعراق، وكان محطة لأحد القياديين في القاعدة المولود في الأردن والمقاتل السابق في أفغانستان، منتصر ن.، الذي كان يتردد إلى المنزل لدى عودته من رحلاته في فرنسا وبريطانيا، للتنسيق خاصة مع القيادي الجهادي في باريس السوري أياد ج.
تحوّل شهاب قدور إلى مدير شبكة دعم كبيرة مع التطورات التي كانت تعيشها فتح الإسلام في منتصف آذار، وصولاً إلى نيسان من عام 2007. إذ كان يدير أيضاً عمل الفلسطيني عمر س.، المقيم في البارد، في توفير الأسلحة والذخائر لمصلحة فتح الإسلام. وكان عمر س. يُهرّب الأسلحة من الداخل السوري عبر الطرقات والمعابر غير الشرعية إلى لبنان، بالتعاون مع الجهادي السوري محمود أ.
السوري محمود أ. نفسه يعرف المناطق اللبنانية جيداً، وكان يتردد دائما إلى القرى والبلدات السورية الحدودية في الشمال، وبقي على اتصال دائم مع مجموعات وخلايا فلسطينية داخل مخيم البارد، وهو من أنصار الشيخ الجهادي السوري الكردي محمود غ.، الملقّب بـ«أبو القعقاع».
كما أشرف قدور على عمل الجهادي اللبناني أحمد أ. س. الساكن في وادي خالد في عكار، الذي قام بعمليات تهريب لمقاتلين من الحدود السورية نحو لبنان عبر طرقات فرعية غير شرعية، ونقلهم إلى مخيمات البارد والبداوي وعين الحلوة وبرج البراجنة.
وكان قدور بداية هو من تابع العمل مع ناصر إ. الذي سيكتسب لاحقاً ثقة شاهين شاهين، ويعمل عبره. وفي المرحلة الأولى، وفّر ناصر إ. العديد من شحنات الأسلحة، ثم تحول إلى العمل على توفير زوارق مطاطية وزوارق من نوع زودياك لمصلحة فتح الإسلام، وُضعت في استراحة البارد التي يملكها الفلسطيني خالد ل. الملقّب بخالد الوحش. وكان وضْعُ هذه الزوارق في عهدة خالد الوحش لتجنّب أعين الفضوليين. فمن المعروف أن مخيم نهر البارد يعيش على تجارة التهريب، وأن الوحش نفسه أحد أهم المهرّبين هناك، ومن الطبيعي لمهرّب معروف امتلاك الزوارق، وهو يعمل في تهريب الدخان علناً. إلا أن تعاونه مع فتح الإسلام تحوّل إلى تسهيل دخول الجهاديين إلى المخيم عبر البحر، كما تكفّل بنقل العديد من المتطوعين من مخيم البارد إلى مخيم عين الحلوة، حيث خضعوا لدورات قتالية تدريبية.
في منتصف نيسان من عام 2007، وصلت إلى مخيم عين الحلوة مجموعة لوجستية من تنظيم القاعدة، تنحصر مهمتها في إدارة الموارد البشرية، وتنظيم دورات تدريبية على فنون التزوير والتزييف، بعد أن أصبحت عملية نقل الوثائق المزوّرة عبر الحدود محفوفة بالمخاطر. وكانت المجموعة اللوجستية تدير الخلايا القاعدية في لبنان وعدد من الدول في المنطقة.
درّبت المجموعة عدداً من المتخصّصين اللبنانيين والفلسطينيين على فنون تزوير الهويات وجوازات السفر، وضمّت المجموعة:
ــ الفلسطيني بلال ز. الملقّب بـ«أبو الفاروق»، وهو قائد المجموعة.
ــ اللبناني جهاد ض.، وهو شارك في معارك أفغانستان إلى جانب حركة طالبان، وتلقّى دورات أمنية في مزرعة في منطقة القريتين قرب حمص في سوريا على أيدي قاعديّين.
ــ سليم ح.، وهو يتنقّل بجواز سفر سعودي مزوّر باسم فهد اليماني (وهو الاسم المزيف الذي استخدمه أيضاً السعودي المسجون ضمن شبكة الـ13 فيصل أكبر). كما يحمل سليم هوية مزوّرة خاصة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان باسم حسن ع.، وقد زار سوريا عدة مرات، والتقى في تركيا المسؤول الأصولي في القاعدة علي ح.، الملقّب بـ«أبو بكر عقيدة».
ــ السوري أحمد ع. وهو يشرف على عمليات التواصل بين هذه المجموعة ومهندس الكمبيوتر والاتصالات السوري فيصل ع.، الذي يتحرك بأسماء مستعارة، وهو من وضع أنظمة اتصالات مشفّرة لضمان سرية الاتصال بين المجموعة والتنظيم الأم. ويتلقّى فيصل ع. الرسائل الإلكترونية التي تصل من خلال مجموعات القاعدة في العراق والأردن والسعودية والكويت والدنمارك وألمانيا والسويد، ويقوم بتحويل الرسائل إلى الجهات المحددة، وفق ألقاب وعناوين وهمية مشفّرة واستخدام لغات ولهجات ومصطلحات متعارف عليها.
وقد زوّد التنظيم المجموعات المتدرّبة على التزوير معدات تقنية متقدمة وأجهزة طباعة ليزر، لتمكينها من القيام بمهماتها دون الحاجة إلى مساعدة خارجية. وعُزّزت كل الوحدات بالأجهزة اللازمة من أجل تمكين كل خلية قاعدية من التصرف وتوفير أوراقها المزيّفة بمفردها.
غداً: الجهاديّون يصابون بحمّى التسلّح وتهريب الذخائر


الجهاديّون في البقاع
تصاعد نشاط الجهاديين في بلدات: لالا، المرج، كامد اللوز، مجدل عنجر، حيث كان يقود الخلايا وينسّق أعمالها اللبناني أحمد ص. وكانت هذه المجموعات تتحرّك وتعقد اجتماعاتها في مساجد المناطق التي تعيش فيها، وتنسّق نشاطها مع أئمّة مساجد. كما أقامت هذه المجموعات عبر منسّقها أحمد ص. علاقات عمل مع مجموعات جهادية داخل سوريا، معروفة تحت اسم «جند الشام»، وهي المجموعات التي اعتقل جزء منها في عملية الضنية على الجانب السوري عام 2000. وقد أنشأ الجهاديون في البقاع شبكة واسعة، وخزنوا بعض السلاح والذخائر في جرود منطقة السلطان يعقوب، وارتبط بعضهم على سبيل التمويه بعدد من التنظيمات اللبنانية، كتيار المستقبل وحركة لبنان العربي. ونشط في تلك الفترة أيضاً خط التهريب من سوريا إلى لبنان، إذ بدأت عناصر جهادية من حركة الإخوان ومن قوى جهادية من مختلف الجنسيات تدخل إلى لبنان بمعية اللبناني عبد الله ح.، المرتبط بالقاعدة، وتسهيل منه، الذي تولّى التنسيق مع المجموعات القتالية القريبة من الإخوان في سوريا، كما ساعد هذه المجموعات على توفير وثائق وجوازات سفر مزوّرة.