لا ضير في إعادة التأكيد أنّ المشروع الاستعماري الاستيطاني للكيان الصهيوني في المشرق العربي لا يكتمل بالهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية. إن الهدف الأعلى لهذا المشروع هو تحوله من كيان غير شرعي وغير مقبول إلى كيان «طبيعي» ومقبول شعبياً. ولعل الخطورة تتضاعف إذا قُدِّم هذا الخطاب عبر العمل الإبداعي الذي يحفر عادةً في الوجدان العام للناس، ويشكّل خلفياتهم وأساساتهم الثقافية. هذا بالضبط ما يفعله مشروع «موزاييك» الذي أسّسه الأردني جميل سرّاج والإسرائيلية لي زيف ويتألّف من موسيقيين من الأردن
، وفلسطين، و«إسرائيل»، ولبنان. بعد تسجيلين، قدّمت الفرقة ورشة عام 2009 بعنوان «الموسيقى كأداة للتصالح والتواصل غير العنيف» لمشاركين من العراق، ولبنان، و«إسرائيل»، والأردن، وفلسطين، والجزائر، ومصر، والمغرب و... دبي!
«الموسيقى كأداة للتصالح والتواصل غير العنيف» هكذا كان عنوان الورشة، وهكذا نفهم بوضوح أن الفعل الإبداعي مجرد أداة للتطبيع المباشر والواضح. لا تخفي ذلك لي زيف الذي تدير أيضاً مبادرة «صُلحة» المخصصة لـ«جمع قلوب أبناء إبراهيم في أرض إسرائيل». تقول في إحدى المقابلات «لقد قررنا أننا لن نعمل مع موسيقيين محترفين. نحن نريد أناساً يحبون الموسيقى فقط». وتصف الصحافية كارين كلوستيرمان فرقة «موزاييك» في موقع «اسرائيل القرن الحادي والعشرين»، بأنها «أول فرقة متعددة الأديان ومتعددة القوميات في الشرق الأوسط ستضع تركيزاً أكبر على الجزء الصانع للسلام من الموسيقى، بدلاً من حرفية الموسيقى». ونجد ضمن أهداف «موزاييك» مواضيع مثل نقل «رسالة الوحدة والتصالح والسلام» للمجتمعات المحلية في المنطقة. كذلك فإن تجمعاتها تأخذ شكل حلقات حوار حول «النزاع» وما الى ذلك! ونشاط «موزاييك» يشمل أفراداً من بلدان في حالة عداء مع «اسرائيل» مثل لبنان وإيران، وبالتالي، فهي تمثّل اختراقاً سياسياً وأمنياً لهذه البلدان. أما التزوير الموسيقي الذي يمارسه المشروع بتقديمه «الموسيقى الشرق أوسطية» وعزف ما يسمّونه «أغاني قديمة تم توارثها من آلاف السنين بالعبرية والعربية»، فيجعل الكيان المغتصب «إسرائيل» جزءاً أصيلاً من المنطقة لا سياسياً فحسب، بل تاريخياً وتراثياً وثقافياً أيضاً.
www.musaique.org
* ناشط وكاتب أردني