يبدو المسؤولون الأتراك شديدي الثقة عندما يُسألون عن سرّ موقفهم الحالي من الأحداث السورية. ثقة تنبع من قدرتهم على الإجابة من دون تردُّد، بأنّ موقفهم كان هو نفسه من تونس ومصر واليمن وليبيا فالبحرين وصولاً إلى سوريا: رياح التغيير حتمية في المنطقة، ولا بديل من الاستجابة لطموحات الشعوب. أكثر من ذلك، فإنّ تركيا غير قلقة من التغيير الذي قد يحصل في دول صديقة جدّاً، حتى لو كانت سوريا، ببساطة لأن أنقرة تدرك أنّ الشعوب العربية «تتقدم حكّامها من ناحية النظرة الإيجابية إلى تركيا وإلى دورها»، بالتالي فإنّ تغيُّر الأنظمة لن يعني انهيار العلاقات مع تركيا.وعن السجال حول الموقف التركي من الأحداث السورية، رأى كبير مستشاري الرئيس التركي، أرشاد هرمزلي، في حديث مع «الأخبار»، أنه «كان من الطبيعي أن تدعم تركيا مطالب الشعب السوري، مثلما فعلنا في جميع الدول العربية التي حصلت فيها انتفاضات شعبية. كذلك كان من الطبيعي أن نخاطب السلطة السورية بأنه يجب الإصغاء للمطالب المحقّة والعادلة للشعب السوري. هذا كل ما قلناه لقيادة الرئيس بشار الأسد، ونحن مقتنعون بأنّه إذا كان الشعب يرضى بالإصلاحات التي أعربت السلطات عن استعدادها للقيام بها، فإنّ هذا يخصّه وليس لدينا رأي في ذلك». وأضاف أنّ القيادة التركية أبلغت نظيرتها السورية أكثر من مرة «أننا لسنا ضدّ أي نظام ولا مع أي نظام، بل نحن دائماً مع الشعوب؛ هناك حاجة إلى التغيير في المنطقة، وبدل أن يُفرَض هذا التغيير من الخارج، فليحصل من الداخل، والحل لا يكمن باستخدام القوة والعنف، بل بأن يتقدّم القادة والزعماء على شعوبهم من خلال الإسراع في تنفيذ الإصلاحات».
وردّاً على اتهامات النظام السوري وإعلامه لتركيا بأنها تحتضن قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» السوريين وتفتح لهم المنابر، أجاب هرمزلي بأنّ أنقرة «لا تحتضن أحداً، وكل ما في الأمر أنّ الديموقراطية تلزمنا بالسماح لأي أحد بالاجتماع بحريّة، ما دام لا يحرّض على العنف والإرهاب والتطرف». ولدى سؤاله عن إعلان السلطات السورية أنّها تنظر إلى «الإخوان المسلمين» على أنه تنظيم إرهابي، تماماً مثلما تنظر تركيا إلى حزب العمال الكردستاني، وبالتالي فإنّ احتضان تركيا لـ«إخوان» سوريا سيُنظر إليه كما يُنظر إلى احتضان سوريا لـ«العمال الكردستاني»، أشار كبير مستشاري الرئيس التركي إلى أنّه «لا مجال للمقارنة بين الإخوان المسلمين السوريين والعمال الكردستاني؛ فمن جهة، هناك مؤتمر سلمي ضمّ عشرات الأشخاص في فندق، ومن ناحية ثانية لدينا تنظيم إرهابي مسلَّح»، لافتاً إلى أن مؤتمر المعارضة السورية في إسطنبول في نيسان الماضي «لم يكن للحكومة التركية أي علاقة به». وهنا ذكّر المسؤول التركي بتجارب عديدة شهدتها تركيا مع المعارضات العربية التي تنشط على الأراضي التركية، منها «المعارضة العراقية والتنظيمات الفلسطينية ممن عقدوا لقاءات علنية على الأراضي التركية، عبّروا فيها عن رأيهم بحرية من دون الدعوة إلى العنف»، مشدّداً على أنّ تركيا «لا تدخل إلى الدول إلا عبر أبوابها الشرعية»، أي من خلال العلاقات النظامية مع حكوماتها.
أما عن الاتهام السوري لتركيا بأنّها تستضيف على أراضيها محطّة إذاعية تابعة لـ«الإخوان المسلمين»، فأجاب هرمزلي «لا علم لي بوجود هذه المحطة الإذاعية في تركيا». وعن أسباب الغضب السوري من الموقف التركي إزاء الأحداث، رأى أنّ هناك سوء فهم كبيراً من الجانب السوري لحقيقة الموقف التركي. وأعطى مثالاً عن سوء الفهم السوري للموقف التركي، ما حصل حين رأى رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان أنّ تركيا تتعامل مع التطورات السورية كأنها شأن داخلي تركي، موضحاً أن أردوغان «قصد من كلامه هذا الشعب التركي لا الحكومة، بهدف تفسير مدى الأهمية التي توليها تركيا للوضع السوري، وهو ما فهمه البعض في النظام السوري على أنه تدخّل في الشأن السوري الداخلي». وهنا، فضّل عدم الردّ على الحملة المناهضة لتركيا التي تخوضها بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري بنحو مباشر أو غير مباشر، موضحاً أنّ وسائل الإعلام في أي دولة، «غير ملزمة لحكوماتها، وبالتالي فإننا غير ملزمين بالرد عليها ولا باعتبارها تعبّر عن وجهة نظر النظام»، معرباً عن أمله أن يفهم أركان النظام السوري أيضاً أن الحكومة التركية غير مسؤولة عما ينشر في وسائل الإعلام التركية.
كذلك رفض رفضاً قاطعاً مناقشة الرواية التي تحدثت عنها وسائل إعلام سورية عن وجود خطة منسَّقة بين أنقرة وواشنطن للتمهيد لإيصال «الإخوان المسلمين» إلى الحكم في سوريا على قاعدة أنهم ينتمون أيديولوجياً للخط الذي ينتمي إليه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، وهو خط «الإسلام المسالم»، بما أنّ عبارة «الإسلام المعتدل مرفوضة بالنسبة إلينا». وجزم بأنّ السياسات التركية «تُطبَخ» في المطبخ التركي وليس في أي مكان آخر، «لذلك لا مجال للكلام عن تنسيق بين واشنطن وأنقرة في هذا الشأن». وهنا، لم يتردّد هرمزلي في نفي وجود أي تنسيق تركي ـــــ قطري مشترك بشأن الأحداث العربية، بدليل أنّ فضائية «الجزيرة» انتقدت الموقف التركي من الشأن الليبي، عندما اعترضت أنقرة على قرار حلف شمالي الأطلسي وبعض الدول العربية بشن الحملة العسكرية على ليبيا. وفي إطار تشديده على ضرورة أن يحصل الإصلاح والحوار الوطني سريعاً في سوريا، أعرب هرمزلي عن عدم خشية أنقرة من تغيير أنظمة، حتى ولو كانت صديقة لها في المنطقة، «لأن الشعوب العربية تتقدم حكامها من ناحية النظرة الإيجابية إلى الدور التركي في المنطقة، وبالتالي لا نخاف أن تحل أنظمة جديدة بدل تلك الموجودة حالياً، لأن علاقاتنا سوف تكون جيدة مع أي نظام كان».