ظهرت شركة «نور» في لبنان لأول مرّة عام 2006. حينها كان مؤسس هذه الشركة محمد صالح، يحاول التقرّب من رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية لتشجيع الاستثمارات «إيدال»، نبيل عيتاني، زاعماً بأنه يعمل على مشروع عقاري ضخم يتوقع أن يضخّ فيه عدد من المستثمرين بقيادة «نور» مبلغ مليار دولار لردم البحر مقابل ساحل خلده، وإنشاء مبان ومنتجع سياحي على شكل أرزة. في عام 2008 دخل صالح، يرافقه أحد أبناء كبار رجال الدين في بيروت، مكتب عيتاني بعدما أسّس معه شركة «نور للتطوير العقاري» وترأس مجلس إدارتها مع شركائه (زوجته، ووالد إحدى زوجاته) وقدّم عرضاً تسويقياً عن مشروعه «أرزة لبنان».لم تمضِ أشهر على مشروع «أزرة لبنان» إلّا كرّت سبحة المشاريع العقارية وغير العقارية التي تنفّذها شركة «نور الدولية القابضة»؛ مجلّة عقارية، تلفزيون، مجمّعات سكنية في عرمون، بصاليم، خلده، قبّ الياس، مجد لبعنا، دوحة الحص... وترافق هذا الأمر مع حملة دعائية وتسويقية ضخمة كشفت وجود مشاريع تنفذها الشركة خارج لبنان. ففي العراق، كان هناك مشروع «نور الحسين»، وفي الإمارات «نيو دبي» و«لولو غيت» و«شارقة غيت»، وفي المغرب أيضاً...
اضطرت شركة «نور للاستثمارات» إلى تمييز نفسها عن «نور الدولية» بعدما أطلق صالح عمليات بيع على الخريطة من مركز عملياته في وسط بيروت التجاري. هناك استأجر طابقاً بكامله في أحد المباني، إضافةً إلى صالة عرض في المبنى نفسه تملكها الأوقاف الإسلامية بمبلغ 400 ألف دولار سنوياً، ثم اشترى سيارات جديدة لموظفيه، واستقبل زواراً كثُراً في مكتبه الفخم، حيث تعاطى معهم بتواضع وباعهم شققاً بأسعار أقل مما كان متفقاً عليه مع شركائه. مظاهر الثراء على صالح كانت بالغة الدلالة، فهو كان يتحدّث بلهجة خليجية، ويسهب في الحديث عن معارفه في دول الخليج، فيما كان يقود سيارة من نوع «بورش»، تبيّن لاحقاً أنه باعها.
على أي حال، كان حجم المشاريع التي يتحدّث عنها «خيالياً»، ما دفع البعض إلى التعاطي معه بصدقية، فيما عدّه آخرون من بين المغالين في تضخيم الأحجام والقدرات، غير أن البعض لم يثق بالرجل، وأعرب عن قلقه من مبالغاته ومشاريعه «الصاروخية»، لكن حجم الحملة الدعائية التي نفّذها، مكّنه من بيع أكثر من 90% من مشروع القرية الكندية في عرمون، وبيع عشرات الشقق في مشاريع أخرى لم يُنجَز منها حجر واحد بعد.
في مطلع السنة الجارية تسرّبت الشكوك إلى الزبائن، لأنّ كل ما أُنجز من البناء في القرية الكندية، لا يتجاوز 5% من الأعمال. يومها زعم صالح أن التأخر في التشييد يعود إلى تعرقل الحصول على رخص المشاريع بسبب «البيروقراطية» التي من شأنها الضغط عليه لسداد «رشى» لبعض المعنيين، الذين طمعوا في ثروته. لم تكن هناك حاجة إلى بذل جهد بهدف إقناع زبائنه بحجّة كهذه، فهذا النوع من الضغوط يُمارس كثيراً في لبنان، إلّا أن الآثار السلبية بدأت تظهر شيئاً فشيئاً، حيث تبيّن أن فواتير الإعلانات لم تسدَّد، وأنّ ثمن السيارات الجديدة لم يُستكمَل تسديده، وإيجارات المكتب وصالة العرض تتراكم... أما أعمال البناء، فمتوقفة بصورة كاملة.
سرعان ما ظهرت رواية ثانية عن هذا المشروع تحديداً؛ كان صالح يطوّر العقار الرقم 2343 ومساحته 26870 متراً مربعاً، الذي يملكه رجل الأعمال الأردني سامي الزينات، بموجب عقد بيع ممسوح ومسجّل لدى كاتب بالعدل. اشترى الزينات هذه الأرض بـ1.1 مليون دولار، لكنه لم يسجّلها في الدوائر العقارية، إلّا أنه وقّع عقد شراكة في تموز 2009 مع صالح بنسبة 55% له و45% لـ«نور».
قبل أشهر تبادل الطرفان التهم؛ فالزينات يقول إنه باع الأرض لصالح الذي لم يسدد ثمنها البالغ 6 ملايين دولار، فيما يقول محامي «نور»، عبد الله عيتاني، إن الزينات باع الأرض لسامر أبو سعيد، وبالتالي لم يعد بإمكانه استكمال المشروع على أرض لا يملكها. ثم توجّه كل من الزينات وصالح إلى الزبائن برسائل نصية، فطلب الأول وقف التعامل مع صالح، فيما طلب الثاني سداد الدفعات في حسابه الخاص لدى بلوم بنك، بدلاً من الحساب المشترك لكليهما لدى بيت التمويل العربي.
ومنذ أسابيع، تبيّن أن صالح غادر الى السعودية لحضور مؤتمر ومعرض «ما»، فيما كان الزينات يعرض على «سكان» القرية الكندية «المفترضة»، أن يستكمل المشروع ويعترف بالمبالغ المدفوعة (يملك نسخاً عن الإيصالات التي دفعوها للشركة) بسعر 1300 دولار للمتر الواحد، علماً بأن أسعار المبيع راوحت بين 800 دولار و950 دولاراً، لكن المشترين رفضوا العرض، وبدأوا يعدون العدّة لاتخاذ الإجراءات القانونية.
أما في إحدى قرى الاصطياف، فقد تمكّن أصحاب الأرض من وقف التعامل مع صالح بعد أكثر من سنة على توقيع عقد شراكة معه، لأن المشروع لم يشهد أي أعمال تنفيذية على الأرض. اندفع الشريك صاحب العقار إلى استكشاف الوضع، فتبيّن له وجود عمليات «تخبيص» تشبه ما جرى في القرية الكندية، عندئذ انبرى للبحث عن شريك جديد لإعادة ترميم الوضع، ثم وقّع مع رجل أعمال إماراتي ورجل أعمال محلي اتفاقية لإنجاز المشروع وتسليم الشقق، واشترطوا جميعاً في العقد الجديد أن تكون حصّة «نور» موازية لقيمة المبالغ التي تضخها في المشروع، لكنها لم تحصل على أيّ حصّة حتى الآن.
هناك أكثر من رواية واستنتاج لما قام به صالح؛ بعض المراقبين يرى أن توقعاته السابقة بحصول إفلاسات في قطاع العقارات بسبب «الفورة» التي ضربت لبنان خلال الفترة الماضية، بدأت تصبح واقعاً، لذلك يرى أن هذه مجرّد بداية لتعثّر يصيب القطاع، بعدما بلغت الفورة ذروتها، وأوّل المتعثّرين هم الوافدون الجدد إلى سوق العقارات، وبينهم صالح. لكن هناك رواية أخرى، تشير إلى حصول عملية احتيال، جمع صالح بموجبها مبالغ لا تقلّ عن 10 ملايين دولار، وهرب من لبنان تاركاً الشركاء يتخبّطون مع الزبائن، ولدى هؤلاء روايات عن أن صالح نفّذ الأمر نفسه، أي البيع على الخريطة بعد حملة تسويقية ضخمة، في العراق والمغرب والإمارات.
رغم ذلك، فإن شركاء صالح السابقين ليس لديهم أدنى دليل على حصول عملية احتيال، إذ هناك أموال كثيرة أنفقت لم يكن لها داع، ويعتقدون أن سوء إدارة صالح أدّت به إلى حالة من الإفلاس، مما دفعه إلى الهرب قبل انفجار الأمور.



4.8 ملايين دولار

هي قيمة المبالغ المدفوعة لـ111 شقة بيعت في مشروع القرية الكندية كدفعة أولى وعدد من الأقساط الشهرية

5 ملايين دولار

هي كلفة الحملة الإعلانية التي نفذتها «نور» لتسويق المجمّعات السكنية في لبنان والخارج، لكن تبيّن أنها لم تسدّد كل الفواتير




الإعلان الخادع

مع بداية الحملة الإعلانية التي أطلقها محمد صالح، وتضمن بعضها مشاريع لمجمعات سكنية تنفّذها شركة «نور الدولية» في العراق بعنوان «نور الحسين» و «ذور الفقار»، عمّم حزب الله على كوادره عدم وجود أي رابط أو أي علاقة تربطه بصالح أو بهذه الشركة. فعلى ما يبدو، كان الحزب حذراً في التعاطي مع مثل هذه الظواهر، ولا سيما أنها تأتي مباشرة بعد قصّة مرابي الأموال، صلاح عز الدين.