li>السرير الواحد يكلّف 100 ألف دولار في المستشفى الخاص و350 ألف دولار في العام
«تركيبة النظام اللبناني الطائفية وأولوية احتساب المصالح والتوازنات الطائفية والمذهبية في تكوين الدولة وحركتها، حالت دون قيام دولة حقيقية، وغيبت ثقافة المواطنة لمصلحة الولاء العصبوي طائفياً كان أم مذهبياً أم سياسياً...وقد حال ذلك، منذ الاستقلال حتى اليوم، دون تنفيذ سياسات مركزية وطنية لمختلف القطاعات ومنها الصحي...» هكذا يستهل النائب إسماعيل سكرية تقريره عن الصحة في لبنان

أعدّ النائب إسماعيل سكرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، تقريراً تحت عنوان «الحق في الصحة»، لمصلحة لجنة حقوق الانسان النيابية، يكشف الخلل القائم في جميع المرافق الصحية في لبنان، وأورد التقرير أن التضخم والتورم الحاصل في الفاتورة الاستشفائية هما نتيجة لعوامل عديدة، منها عدم وجود سياسة استشفائية واضحة وانعدام الرقابة الحكومية الفعالة، اضافة الى المخالفات الخطيرة في موضوع فواتير الاستشفاء، ولا سيما أن الأرقام المتداولة حالياً والإحصاءات، وبعد استعمال الكومبيوتر في أعمال الرقابة والإحصاء ولو بشكل متواضع، تدل وبشكل قاطع على أن حالات الاستشفاء على نفقة وزارة الصحة قد تدنّت وأصبحت أقل بكثير منها في الحالات المعلنة لعام 1995، وبالرغم من ذلك، تضاعفت الفاتورة الاستشفائية مما يطرح أكثر من سؤال، وسوف يحاول هذا التقرير أن يبّين أسباب هذه الحالة الخطيرة باستعمال بعض الوقائع الواردة في التقرير الصادر عن هيئة التفتيش المالي الرقم 2651 تاريخ 13/4/1993 بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 6 تاريخ 9/12/1992.

المستشفيات الحكومية

أنشأت وزارة الصحة خلال عقدين من الزمن 27 مستشفى حكومياً، من أهم مزاياها أنها تعاني مشاكل مادية ونقصاً بشرياً وإدارياً وعدم وجود أجهزة متخصصة، في مقابل تخمة موظفين غير مؤهّلين مثل الأطباء الذين لا يداومون إلا في عياداتهم الخاصة او يحوّلون مرضى الوزارة الى المستشفيات الخاصة بهم. وتوزعت هذه المستشفيات على المحافظات والأقضية بهدف تأمين البنية التحتية للخدمات الصحية. لكن بسبب الممارسات الخاطئة وعدم وجود سياسة استشفائية واضحة وضعف الإدارة وانتفاء أي عنصر من الرقابة وغياب الضمير المهني، اضافة الى الحرب الأهلية، أقفل اكثر من نصف هذه المستشفيات حتى إن بقية المستشفيات وعددها 15 فقط تعمل بطاقة 20 في المئة فقط. فمن أصل 1522 سريراً حكومياً تابعاً للوزارة هناك حوالى 300 سرير فقط تعمل بشكل غير منتظم وغير كامل إطلاقاً، مما يؤدي الى نقص كبير في التقديمات الصحية، إضافة الى الهدر الهائل في الأموال العامة وأموال لجان الدعم والمساعدات الواردة والأموال التي يدفعها المريض. ويكفي أن نعرف أن سريراً واحداً في المستشفى الخاص يكلّف 100 الف دولار فيما كلفته في القطاع العام هي 350 ألف دولار أميركي.

المستشفيات الخاصة

أما في القطاع الخاص فهناك أكثر من 175 مستشفى خاصاً فيها بصورة غير منطقية نحو 14500 سرير تعمل بكل طاقاتها (وهو العدد نفسه الموجود في سوريا على الرغم من التفاوت الحاصل في عددالسكان) وقد أدّت الممارسات غير القانونية والشاذة في بعض المستشفيات الحكومية الى الاعتماد كلياً على المستشفيات الخاصة والتعاقد معها بهدف تأمين الوقاية والعلاج للمريض في لبنان. لكن بسبب عدم تطبيق مبدأ الرقابة والرصد المتعلقة بنوعية الخدمة او الكلفة وحجمها (المرسوم 5206/1964) وتناسي الجميع كل ما يتعلق بالشروط والضوابط التي ترعى وتكمل مبدأ التعاقد، كانت النتيجة هدر المال العام بأرقام مذهلة، في مقابل وجود تدنٍّ في الخدمات الصحية والطبية وارتفاع الفاتورة الاستشفائية التي يدفعها المواطن والدولة في آن واحد.

الاستشفاء عام 2006

في عام 2006 بلغت الفاتورة الصحية ما مقداره 600 مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل 400 مليون دولار أمريكي وهذا المبلغ يكفي لإنشاء وبناء ثلاثة مستشفيات جامعية كاملة. فبدلاً من أن ينخفض الاعتماد على المؤسسات الخاصة، كما تروّج له أوساط وزارة الصحة، بموجب مشاريع وسياسات استشفائية ودراسات وبعثات دولية ومحلية غير مجدية، ظاهرها تحسين الوضع الإداري وباطنها صرف الأموال المخصصة والواردة كهبات على رواتب وأجور عالية للمحظوظين والمحسوبين ومصاريف تقنية كاذبة، أخذت الوزارة بتشجيع زيادة هذه الظاهرة سنوياً، إذ كان عدد المستشفيات التي تتعاقد معها الوزارة 14 مستشفىً و460 سريراً عام 1971، وأصبح عام 1983 نحو 84 مستشفىً و1339 سريراً، وارتفعت بذلك الميزانية المرصودة للمستشفيات من 9 ملايين ليرة عام 1971 الى 158 مليوناً عام 1983 الى 172 ملياراً عام 1997، بعدما تعاقدت الوزارة مع 134 مستشفى خاصاً لتأمين 1800 سريراً، وارتفع هذا العدد الى 2026 سريراً عام 2000.

الإحصاءات الطبية

وتبيّن الإحصاءات الطبية عام 2006، ارتفاع الفاتورة الإجمالية للصحة الى 686 مليون دولار أميركي، وأصبح عدد مرضى السرطان 4,100 مريض. وعدد مرضى الكلى 2,700 مريض (وزارة 1200 + جيش 100 + ضمان 400)، وعدد مرضى الكولسترول 83000 مريض. و3 مراكز لغسل الدم من الكولسترول، وعدد مرضى القلب 198,000 مريض. وعدد عمليات القلب المفتوح 5800 مريض (عدد مراكز القلب المفتوح 27)، وعدد عمليات زرع الكلى 95 (عدد المراكز 5)، وعدد مرضى غسل الدم من الكولسترول 170، وعدد جلسات غسل الكلى 196,000.
يشار الى أن معدل كلفة عملية القلب المفتوح في لبنان هو 7,340 دولاراً أميركياً، بينما لا تتجاوز في الأردن وسوريا 3 آلاف دولار.
وبسبب عدم وجود سياسة صحية استشفائية حكومية... وبالتالي انعدام عنصر الدراسة والتخطيط نرى فوضى كبيرة وعدم تنظيم وعدم ترشيد استعمال الأجهزة الطبية الحديثة والمتقدمة، يتنامى الانفلاش وارتفاع فاتورة الاستشفاء التي تعدت العشرة في المئة من فاتورة الدخل الوطني العام. إذ نرى أن القطاع الخاص يملك حالياً 46 جهاز ct -scan و13 جهاز M.R.I و27 مركزاً لجراحة القلب و64 مركزاً لغسل الكلية الاصطناعية، أي جهازاً واحداً من ct -scan لكل 50,000 ألف نسمة، في مقابل جهاز واحد لـكل 250,000 الف نسمة في فرنسا. إضافة الى وجود جهاز M.R.I واحد في لبنان لكل 140,000 الف نسمة، في مقابل جهاز لكل 500,000 الف نسمة في فرنسا. وجهاز واحد لكل مليون نسمة في بلجيكا.

اقتراحات حلول

يجب أن يتم التعامل مع قضية الاستشفاء وصحة المواطن بأسلوب مختلف تماماً عما يجري حالياً، إذ إن التجارة والربح والمصالح الخاصة والهدر الحاصل طغت على المصلحة العامة وصحة المريض، والمطلوب:
1- أن تناط المسؤوليات الرقابية بـ مؤسسات شبه خاصة متخصصة في هذه المواضيع، وتوحّد جميع صناديق الاستشفاء، ويّوضع نظام خاص للاستشفاء تشارك فيه الشركات الوطنية والعالمية.
2- أن الوزير قانوناً هو رأس الهرم الإداري والفني ويناط به تنفيذ سياسة الوزارة التي تصب في المصلحة العامة. وعليه فإن جميع القرارات الصادرة عنه تكون باقتراح الإدارة المختصة بما في ذلك التي تقع عليها مسؤولية إجراء العمل على الأرض، والتدقيق في الأعمال واقتراح القرارات وعرضها على الوزير للتوقيع والتنفيذ. الآن وقد أثبتت التجربة العملية أن فريق العمل الموجود في الإدارة فشل وهو متورط مع المستشفيات الخاصة، وبالتالي أصبح غير مؤهل إطلاقاً للقيام بواجباته الوظيفية وبالتالي التصدي لملفات شائكة مثل الاستشفاء والدواء والمساعدات.
3 - تأليف لجنة خاصة دائمة لتدقيق فواتير الاستشفاء، مع اقتراحنا بأن تضم مفتشاً مالياً ومفتشاً إدارياً وطبيباً مراقباً ومفتشاً صيدلانياً، وأن يصار الى تغيير هذه اللجنة كل سنة كحد أقصى لأسباب كثيرة. واذا تعذّر ذلك، يصار الى تكليف شركة خاصة بالمحاسبة إجراء التدقيق اللازم. واذا تعذّر أيضاً ذلك، يصار الى تغيير الموظفين الذين يقومون بإجراء المحاسبة على فواتير الاستشفاء مرة كل سنة على أبعد تقدير.




ماهيّة التقرير وأهدافه

أعد تقرير «الحق في الصحة في لبنان» النائب إسماعيل سكرية بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمفوضية العامة لحقوق الإنسان. وبحثته لجنة حقوق الإنسان النيابية، بحضور جميع المعنيين بالقطاع الصحي وهم: رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية ميشال موسى، والنواب: وليد خوري، عاصم عراجي ومروان فارس، ونقباء: الأطباء وأصحاب المستشفيات وأطباء الأسنان والمختبرات والتمريض، وممثلو وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية. وتضمن التقرير الطرق الآيلة إلى تحقيق هدف «الصحة للجميع، بعدل وكلفة محمولة».
ويقول سكرية لـ«الأخبار» إن هدف هذا التقرير هو تكوين دليل صحي عن جميع القطاعات الصحية الموجودة في لبنان والخلل القائم فيها، وقد استغرق إعداد هذا التقرير 3 أشهر، وهو يضيء على فكرة أن الصحة حق يجب احترامه خارج أية اعتبارات أخرى. ويجمع التقرير دراسات محلية ودولية عديدة، ويلخّص تطور مفهوم الصحة من نصف القرن الماضي.
ويلفت سكرية إلى أن هذا التقرير أقرّ مبدئياً في اللجنة النيابية، وسيعتمده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ويجب أن يصار إلى مناقشته مرة أخرى، لاعتماده كقاموس صحي عميق ودقيق، يركز على تثقيف الجمهور والأطباء.


الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث