لم تنتهِ بعد فصول «الإهانة» التي تعرّض لها ممثّلون عن الفصائل الفلسطينية في بيروت على لسان مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني السبت الفائت. فمسؤولو الفصائل في لبنان يرون أن الإهانة وُجِّهَت إلى كل أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان. وقد تصاعد السجال، أمس، بعد صدور بيان عن دار الفتوى ينفي ما نُسِب إلى قباني، ما أثّر سلباً على مساعي الحل.وكان من المفترض أن يتجه أعضاء الوفد الفلسطيني الذي اجتمع مع المفتي السبت الفائت إلى دار الإفتاء ظهر أمس. هناك كانوا سيلتقون قباني، على أمل أن يعتذر منهم الأخير عمّا بدر منه تجاههم قبل أربعة أيام، حين غضب سماحته ووبخ وفد الفصائل الفلسطينية، متوعّداً بطرد الفلسطينيين، ومتّهماً إياهم بالاعتداء على أرض للأوقاف قرب مخيم شاتيلا («الأخبار»، العدد الصادر أمس).
وكان من المنتظر أن يتجه الجميع إلى منصة بباب الدار، حيث كان سيلقي المفتي بياناً أمام الإعلام، يشيد فيه بتضحيات الشعب الفلسطيني. وكان هذا الأمر كفيلاً بإنهاء الخلاف.
هذا كان الحل الذي حمله الأمين العام للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، الشيخ خلدون عريمط، لمسؤولي الفصائل في السفارة الفلسطينية يوم الثلاثاء. عريمط الذي كان قد ترأس وفداً اجتمع مع أمين سر حركة فتح في لبنان فتحي أبو العردات، بالإضافة إلى بعض مسؤولي الفصائل واللجان الشعبية، اعتذر خلال اجتماعه بهم عمّا بدر من المفتي، وحدد يوم أمس للقاء الأخير لإنهاء الأزمة، وطلب من المسؤولين الفلسطينيين أن يكونوا على استعداد ليتصل بهم لتأكيد موعد اللقاء عند الساعة الثانية بعد الظهر. لكن بسبب ظهور الخلاف في وسائل الإعلام، تغيّر كل ما كان مخططاً له. فدار الإفتاء «لم تتصل بنا للاعتذار عن تأجيل اللقاء، كذلك فإننا لم نتصل بها لتأكيد الموعد»، يقول أحد المشاركين في الاجتماع بعريمط في السفارة. وبالنسبة إلى بعض المسؤولين الفلسطينيين، المطلوب من المفتي هو «الاعتذار أمام وسائل الإعلام، وذلك ليس لضرب هيبة الرجل، بل لأن ذلك سيمثّل ضمانة لنا أنه لن يتم جرف «تجمع الداعوق»، بالإضافة إلى أن اعتذاره سيكون رادعاً للقوى الأمنية إن قررت القيام بعملية الجرف».
قبْل الحلّ الذي حمله الشيخ عريمط للفلسطينيين، كانت الاتصالات قائمة بين الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري والأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري من جهة، وأمين سر حركة فتح في لبنان فتحي أبو العردات، من جهة أخرى، بهدف تخفيف التوتر. «إشكالنا مع المفتي وحلّه هو بيد الأخ أبو ماهر (أبو العردات)؛ لأنه على تواصل مباشر مع الرئيس أبو مازن (محمود عباس) الذي أصدر توجيهاته بحلحلة الأمور، وعدم تصعيد الأزمة، وخصوصاً أنه لا غطاء سياسياً لما قاله المفتي»، يقول أحد متابعي الملف في السفارة الفلسطينية. وكان الطرف الفلسطيني قد عرض حلاً طموحاً الأحد الماضي، يقضي بأن «يأتي المفتي إلى السفارة الفلسطينية يوم الاثنين وأن يعتذر من داخل السفارة»، يقول الرجل. لكن ذلك لم يحصل. «انتظرنا الاثنين ولم يأتِ، إلى أن زارنا الشيخ عريمط الثلاثاء معلناً عرضه للحلّ، فوافقنا عليه؛ لأن دار الإفتاء ليست ملكاً لشخص، بل هي ملك لكل المسلمين. كذلك فإننا لا نريد تأزيم الموقف، التزاماً بقرارات رئيس السلطة»، يقول أحد من التقوا عريمط.
أما دار الفتوى، فقد أصدرت بياناً أمس أعلنت فيه نفيها ما نشر من «كلام منسوب إلى مفتي الجمهورية في هذا الصدد، وهو عار من الصحة ويتضمن الكثير من المغالطات المشوهة وغير الصحيحة ويفتقد إلى الأمانة وصدق العلاقة الأخوية بين مفتي الجمهورية والإخوة الفلسطينيين في لبنان».
من جهتها، عقدت حركة فتح اجتماعاً على مستوى الإقليم في مخيم الرشيدية، أمس. وانقسم الفتحاويون في الاجتماع إلى قسمين: منهم من لم يرضَ بتوجّهات أبو مازن بتهدئة الأمور، ومنهم من طالب بأن يعتذر المفتي من داخل السفارة الفلسطينية. انتهى الاجتماع على ضرورة تأكيد التهدئة، وخصوصاً أنّنا «لا نريد أن ندخل في نزاعات مع أحد في لبنان. لكن عتبنا على المفتي لأنه هو ممثل الطائفة، فإذا كان هو نفسه ينعتنا بهذه الصفات، فلا عتب على غيره مهما قالوا في حقنا»، يقول أحد الفتحاويين. وفي السياق ذاته، أصدر تحالف القوى الفلسطينية بياناً استغرب فيه «ما صدر عن مفتي الجمهورية بشأن الوجود الفلسطيني في لبنان». وبحسب مسؤول في التحالف، لم تصدّق الفصائل «ما ذُكر على لسان المفتي حتى تأكّدنا من ذلك، وعملنا على تهدئة قواعدنا الشعبية التي لا تلتزم بقرارات السلطة، لأنّ الإهانة لم تكن لحركة فتح وحدها، بل لأبناء المخيمات عموماً». وماذا لو لم يعتذر المفتي؟ يجيب أحد مسؤولي فتح بالقول: «يجب عليه ذلك قبل الجمعة؛ لأنه يؤمّ المصلين في أحد المساجد، ونحن لن نستطيع منع من قد يتوجّه إلى هناك للتظاهر ضدّه». أما بالنسبة إلى فصائل التحالف، فيقول أحد مسؤوليها: «أجمعَ أئمّة المساجد الفلسطينيون على أنهم سيوجّهون إليه انتقادات خلال صلاة الجمعة غداً. حاولنا أن نثنيهم عن ذلك لكننا لم ننجح».