لا تتشدّد أميرة أبو الحسن في توفير أقصى ما يمكن من الكثافة والتوتر والصقل في قصائد مجموعتها الرابعة «رجل أضاع النوم في سريري» (الغاوون). بل تكتفي بلغة ميسّرة تستثمر السرد العادي واستيهامات السيرة الشخصية والمفارقات المتحصلة منهما. شعرية التفاصيل متأتية هنا من تأريخ وقائع الحياة ومشهدياتها الزائلة، وتحويل ذلك إلى مادة أكثر ديمومة. ثمَّة رغبة شخصية وشعرية في كتابة الأشياء، من دون التفكير مطولاً برفع أدائها اللغوي والتصويري. كأنّ الشاعرة السورية تراهن على قارئ تنتقل إليه عدوى موضوعات قصائدها بسرعة. وهي موضوعات يحتل الحب المساحة الأوسع فيها. أغلب الصور الشعرية التي يمكن أن تعلق في بالنا تؤرّخ للرغبة والشوق والانتظار والوحدة والهجر. تتأرجح هذه الصور بين المدهش والعادي وما بينهما.
نقرأ مقطعاً مؤثراً مثل: «تعبتُ/ وأنا أدلّ الرجال إلى بيتي/ ما من واحد منهم/ عرف الطريق بقلبه»، إلى جوار مقطع مثل: «المضحك/ أننا ــ أنا وأنت يعني ــ/ كنا مجرد توليفة أخرى/ تشبه ما سبقها وما سيأتي بعدها/ وتشبه …/ إلى آخر ما هناك مما سيرسمه لنا الفشل/ ومما سترميه في وجوهنا… الحياة».
الحب غالباً ما يتسبب في حدوث هذا التفاوت، إذْ يُخيَّل للشعراء أحياناً أن كتابة السعادات أو الآلام التي ترافقه كافية وحدها لجذب القارئ وإقناعه. بينما يحتاج الحب ـــ مثل أي موضوع آخر ـــ إلى ممارسات معجمية واستعارية عميقة ومتنوعة، قبل تركه بين يدي المتلقي. تحتاج قصص الحب إلى «عناءٍ» مثل الذي تنجح الشاعرة في السؤال عن جدواه: «كلما فكرتُ بأننا سننتهي إلى عدم/ أو في أحسن الأحوال إلى قصيدة/ أتساءل/ لماذا كل هذا العناء؟».
على أي حال، التفاوت ليس مدخلاً وحيداً لقراءة وتقييم المجموعة كلها. هناك حد معين من الذكاء اللغوي والمهارات التي تحصِّن قصائد المجموعة ضدَّ الركاكة والميوعة. وهو ما تمكن ملاحظته في سطور متفرقة مثل: «القابضةُ على يديها/ كي لا تفرّ واحدة منهما إليك»، و«ينفضُّ الحفلُ/ ولا تنفضّ اشتهاءاتي»، وفي مقاطع كاملة مثل: «في الحب نقع بسهولة ويُسر/ لا يعيق وقوعنا عائق/ ولا يُسمع لارتطامنا دويٌّ/ سوى صوت البهجة/ تتهشم أرواحنا ونظن أننا/ في غاية السعادة»، و«هكذا/ بجناحين متعثرين/ وفجوة كبيرة/ مكان القلب تماماً/ أطير».