شهدت سوريا، أمس، سباقاً حقيقياً بين المعارضين الرافضين لجلسة الحوار الوطني المقررة غداً في دمشق، والساعين إلى إنجاحه. السفيران الأميركي والفرنسي لدى سوريا قضيا يومهما الحافل في حماه، المركز الحالي للاضطرابات، ليظهر كأنهما الزعيمان الفعليان للمعارضة مع حصانتهما الدبلوماسية، ولتتهم دمشق واشنطن بأن سفيرها يتصل بـ«المخربين» ويعمل لعرقلة الحواربدت الصورة من سوريا، أمس، شديدة الغموض. من جهة، تظاهرات «جمعة لا للحوار» كانت، وفق تقارير إعلامية متعددة، الأكبر منذ بدء الاحتجاجات في منتصف آذار الماضي، حيث شهدت تظاهرة ضمت نحو 400 ألف شخص. ومن جهة ثانية، بدا أنّ سفيري الولايات المتحدة وفرنسا لدى سوريا، روبرت فورد وإريك شوفالييه، يتصرفان كزعيمين للمعارضة السورية، مع انتقالهما إلى حماه لقيادة المعركة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، ما استدعى ردّاً سياسياً سورياً قوياً على التدخل الأجنبي في الأحداث الداخلية.
أعداد القتلى في مختلف المدن، وخصوصاً في حمص وحيّ الضمير في ريف دمشق وحيّ الميدان وسط العاصمة، تفاوتت كالعادة بحسب المصادر، وراوحت بين صفر في صفوف المتظاهرين، بحسب وكالة الأنباء السورية «سانا»، إلى 16 وفق المعارضين وبعض الفضائيات العربية. في المقابل، خرجت تظاهرات لأنصار الرئيس بشار الأسد ونظامه، في عدد من المدن أيضاً.
جميعها تطوّرات تنتزع أهميتها من واقع أنّها تسبق يوم الحوار المنتظر بين النظام والمعارضة المقرر انطلاقه غداً، من دون أن تكون نتائجه مضمونة؛ لأن عدداً من الشخصيات سبق لها أن أعلنت مقاطعتها للجلسات بحجة استمرار الحملات الأمنية في مناطق متعددة من البلاد.
وكان السفيران الأميركي والفرنسي، فورد وشوفالييه، قد تصدّرا مشهد احتجاجات حماه، بعدما انتقلا، كل منهما على حدة، إلى المدينة منذ يوم الخميس، من دون أن تخفي إدارتاهما الهدف الحقيقي من زيارتيهما؛ فقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، إن مهمة فورد تمحورت حول «إيضاح على نحو تام، من خلال وجوده الشخصي، أننا نقف مع هؤلاء السوريين الذين يعبرون عن حقهم في الحديث عن التغيير»، بما أن إدارة الرئيس باراك أوباما «قلقة للغاية تجاه الوضع في حماه». كذلك تمثّلت مهمّة فورد بـ«إجراء اتصال» مع المعارضة؛ «لأننا نريد معرفة من هم هؤلاء الناس وإلى أي نوع من العملية السياسية ومستقبل البلاد يتطلعون. ينبغي أن نجري اتصالاً معهم، وهذا ما سيقوم به هناك»، على حد تعبير مسؤول أميركي رفيع المستوى.
كلام نسخة طبق الأصل صدر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية في باريس برنارد فاليرو الذي اعترف بأن سفير دولته في سوريا زار حماه «لإظهار وقوف فرنسا إلى جانب الضحايا»، حتى إنه زار أحد مستشفيات المدينة حيث التقى الفرق الطبية وعدداً من الجرحى ومن أهاليهم خلال جولته في المدينة، وليعبّر عن «التزام فرنسا بالوقوف إلى جانب الضحايا»، وهو ما فعله فورد الذي التقى عدداً من الناشطين والمعارضين، إضافة إلى عدد من الجرحى في المشافي.
خطوة ردّت عليها السلطات السورية بهجمة سياسية عنيفة، توزعت على وزارتي الداخلية والخارجية ومستشارة الرئيس السوري بشار الأسد بثنية شعبان. وتمحورت الحملة حول اتهام فورد بالعمل على «تقويض محاولات الحكومة السورية لنزع فتيل الاحتجاجات»، بدليل أنه «متورط بإقامة صلات مع المسلحين».
وقالت المستشارة الرئاسية، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، إن «الزيارة غير المرخصة التي قام بها فورد لحماه تزامنت مع اجتماع لأئمة مساجد وقادة المجتمع المدني» في المدينة. وأضافت: «إن الزيارة تنتهك الأعراف الدبلوماسية»، و«لا بد من أن تكون للسفير صلات بالمجموعات المسلحة التي تحول دون استئناف الحياة الطبيعية في سوريا». وتساءلت شعبان: «كيف وصل السفير الأميركي إلى حماه في مناطق يقطع طرقها المخربون والمشاغبون وحملة السلاح؟ ومن أوصله إلى جامع السريجة في المدينة في الساعة السادسة من مساء أمس (الخميس) من دون أن يتعرض له أحد من المسلحين الموجودين في الشوارع والذين منعوا الموظفين في المدينة من الوصول إلى وظائفهم لليوم الرابع على التوالي؟». ولفتت إلى أن دمشق «لا تريد قطع شعرة معاوية مع الإدارة الأميركية، ولكن هناك احتجاج واستياء شديدان من الشعب السوري بسبب بيان الخارجية الأميركية عشية التوجه إلى الحوار الوطني بين كل شرائح المجتمع السوري، وهذا يعطينا رسالة أن الولايات المتحدة تقول لا للحوار».
كلام سبق أن أعلنته وزارة الخارجية السورية، في بيان، رأت فيه أن «وجود السفير الأميركي في حماه من دون الحصول على الإذن المسبق من وزارة الخارجية وفق التعليمات المعممة مراراً على جميع السفارات، هو دليل واضح على تورط الولايات المتحدة في الأحداث الجارية في سوريا، ومحاولتها التحريض على تصعيد الأوضاع التي تخلّ بأمن البلاد واستقرارها».
وأضاف البيان أنّ دمشق «تنبه إلى خطورة مثل هذه التصرفات غير المسؤولة وتؤكد تصميمها على مواصلة اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة باستعادة الأمن والاستقرار في البلاد». وفي السياق، ذكر مصدر رسمي سوري أن السفير الأميركي التقى «مخربين» في المدينة، وحضّهم على التظاهر. كذلك نقلت وكالة «سانا» بياناً لوزارة الداخلية أكدت فيه أن السفير «التقى بعض المخربين وحضهم على التظاهر والعنف ورفض الحوار»، معربةً عن استغرابها «وصول فورد إلى حماه، بما يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية، رغم وجود الحواجز التي يسيطر عليها المخربون وقطع الطرقات ومنع المواطنين من الوصول إلى أعمالهم ووظائفهم». وجزمت وزارة الداخلية بأن السفير «التقى بعض الأشخاص تحت غطاء زيارته بعض المشافي»، واضعة خطوته تلك في خانة «التحريض على استمرار العنف وعدم الاستقرار ومحاولة لتخريب الحوار الوطني». غير أن الإدارة الأميركية عادت لتعرب عن «استيائها» إزاء انتقاد النظام السوري لزيارة فورد، لافتة، على لسان فيكتوريا نالاند نفسها، أن واشنطن أبلغت دمشق مسبقاً بهذه الزيارة. وأقرت المسؤولة الأميركية بأن فورد ترك المدينة عائداً إلى دمشق بعد ظهر أمس، «بعد لقائه عدداً من المتظاهرين»، واصفةً رد الفعل السوري بأنه «بلا معنى».
ميدانياً، كشف موقع «سيريانيوز» عن أن عدد المتظاهرين في حماه ناهز الـ 400 ألف في ساحة العاصي وسط المدينة، إضافة إلى تظاهرات مناهضة للنظام وأخرى مساندة له في حلب ودرعا وباب توما وساحة الحجاز في دمشق، إضافة إلى مدن وأحياء أخرى. ونقل الموقع عن ناشط لـ«سيريانيوز» أن «ما يقارب أربعمئة ألف شخص تجمعوا في ساحة العاصي بالتزامن مع وصول عدة تظاهرات من قرى ريف حماة (حلفايا وخطاب وكفرمبودة وطيبة الإمام)، مرددين هتافات تطالب بالحرية وتحيي الشهيد، بالإضافة إلى العديد من المطالب السياسية التي تطال النظام، من دون أن يلحظ أي وجود أمني»، بالتزامن مع «وجود السفير الأميركي في التظاهرة بمرافقة مجموعة من الأشخاص الذين يلتقطون الصور».
وأوضح أن «أهالي المدينة لا يزالون يقيمون الحواجز الشعبية على مداخل المدينة ويفتشون أي شخص يدخل إليها خوفاً من إدخاله أي قطعة سلاح، ويدققون في هويته»، كاشفاً أنهم «فتّشوا السفير الأميركي نفسه، وعناصر موكبه المرافق ودقّقوا في جوازات سفرهم».
وأوضحت مصادر حقوقية أن «5 متظاهرين قتلوا في حيّ الخالدية بحمص، وقتل اثنان آخران في حيّ الميدان وآخر في بلدة الضمير بريف دمشق»، إضافة إلى مقتل أحد رجال الأمن في مدينة تلبيسة بحمص، على حد تعبير مصادر المعارضة، بينما نقلت فضائية «الجزيرة» عن مصادرها أن 16 قتيلاً على الأقل سقطوا من صفوف المعارضة.
وتمحورت مطالب الحمويين، وفق مصادر منظمي تظاهراتهم الذين تحدثوا لوكالات الأنباء، إضافة إلى رفض الحوار، حول «عودة المحافظ أحمد عبد العزيز الذي أقيل الأسبوع الماضي ورفض عودة رئيس جهاز الأمن العسكري محمد مفلح إلى المدينة، بعد إدانته من لجنة تحقيق مؤلفة من عضو قيادة قطرية».
وبحسب مصادر المعارضة، شهدت أحياء ركن الدين والقابون ومساكن برزة والحجر الأسود والقدم وسقبا والكسوة، وداريا ومعضمية وجديدة عرطوز وقطنا والزبداني ومضايا والضمير تظاهرات تضامنية مع حماه. في المقابل، لفتت وكالة «سانا» إلى مقتل أحد عناصر قوات حفظ النظام برصاص مسلحين في مدينة تلبيسة بمحافظة حمص، وتعرض النادي الرياضي في الرستن لهجوم مسلح وتدمير مركز الشرطة في المدينة وإحراقه. وأضافت أنّ «عنصرين من قوات حفظ النظام أصيبا برصاص مسلحين في الضمير بريف دمشق، واعتُدي على عنصر آخر بالساطور وأُلقي القبض على المهاجم. كذلك أطلق قناصة الرصاص على أحد عناصر حفظ النظام من أحد الأبنية في حيّ الميدان وحالته خطرة»، فيما سقط مدنيان برصاص قناصة وإصابة اثنين آخرين في حي الخالدية بحمص، بحسب «سانا».
وفي محافظة دير الزور، خرج آلاف بتظاهرة قال شهود عيان عنها إنها «كانت أكبر تظاهرة تشهدها المدينة، حيث شارك أبناء المدينة والريف دون أي مواجهات مع قوات الأمن»، إضافة إلى أنباء عن تظاهرات في مدن القامشلي والدرباسية وعامودة بمحافظة الحسكة وإدلب وبانياس واللاذقية ودرعا.
ومن جهة المؤيدين للنظام، شهدت مدينة حلب «محاولات تحرك من العشرات في مناطق مختلفة من المدينة، دامت لفترات قصيرة جداً قبل إيقافها من عناصر الأمن وما بات يعرف باللجان الشعبية»، بحسب «سيريانيوز» التي قالت إن جامع آمنة شهد محاولة عدد من الأشخاص للتجمع، قوبل بتدخل عناصر الأمن، وتوقيف 7 منهم، فيما فتحت مجموعة من الأشخاص علماً طويلاً أمام الجامع فور انتهاء الصلاة، وإطلقت هتافات مؤيدة للرئيس الأسد». كذلك خرج المئات عقب صلاة الجمعة في كل من دوار قاضي عسكر وباب الحديد في مسيرات سيارة رافعين الأعلام السورية وصور الأسد. وفي السياق، شددت «سانا» على تظاهرات وتجمعات مؤيدة للنظام، أشارت إلى أنها حصلت في محافظات الحسكة والسويداء مثلاً.
في هذا الوقت، انخفض عدد اللاجئين إلى تركيا لـ9182 شخصاً.
أجواء من غير المعروف ما ستكون تداعياتها على مؤتمر الحوار المنتظر غداً الأحد. وبالإضافة إلى الأسماء المعارضة التي سبق أن أعلنت مقاطعتها للجلسات قبل توقف الحل الأمني، حذّر الحقوقي أنور البني من أنه «لا جدوى من الحوار الآن، إذا لم يتوقف الحل الأمني وتُسحب القوى العسكرية والأمنية من الشوارع ويجري التخلي عن استخدام الحل الأمني والقوة لقمع الشعب».
بدورها، أشارت بثينة شعبان إلى أن هناك «عدداً كافياً من المعارضين الوطنيين من كل شرائح المجتمع التي ستحضر هذا الحوار، لكن لم نسمع كلمة من الغرب تشجع الحوار بين أبناء الشعب الواحد». ورأت أن «مَن رفض الحوار هم بعض الأشخاص، وهذا شأنهم، لكن هناك الكثير من المعارضين الوطنيين وكل شرائح المجتمع السوري ستحضر». ورداً على سؤال قالت شعبان بأن «الذين وافقوا على المشاركة لهم تمثيل فعلي في الشارع السوري أكثر بكثير ممن رفضوا القدوم إليه، وهذا واقع، والذين رفضوا القدوم إلى الحوار لا ينكرون أنه ليس لديهم تمثيل كبير في الشارع السوري».
(الأخبار، سانا، أ ف ب،
رويترز، يو بي آي، أ ب)



«أمان»: عصابات تهاجم الجيش السوري

قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، اللواء أفيف كوخافي، إن سوريا تخوض حرباً دموية ضد مجموعات مسلحة، وإن الاقتصاد السوري أخذ يضعف في أعقاب الاحتجاجات ومواجهة المسلحين. ونقل المحلل السياسي في صحيفة «معاريف» بن كسبيت أمس عن كوخافي قوله خلال اجتماعات عدة هيئات إسرائيلية: «تدور في سوريا حرب دموية، والتظاهرات مندلعة في 20 إلى 30 مدينة سورية، وفي قسم منها تجول مجموعات عنيفة ومسلحة، وبينها مجموعات جنائية، تهاجم الجيش».
وأضاف كوخافي قائلاً إنه «منذ بداية الاحتجاجات قُتل 600 جندي سوري، وهذا عدد هائل، ونحو 1600 مدني».
وقال كوخافي: «عندما يصف النظام السوري عصابات تهاجم الجيش، فإنه دقيق في ذلك هذه المرة». وأضاف أن الرئيس السوري بشار الأسد «نفذ إصلاحات مهمة للغاية، لكنه لا ينجح في وقف الاحتجاجات التي تواصل المطالبة برحيله، ويجري التعبير عن الإصلاحات بالأساس من خلال رصد الأموال لمصلحة السكان لخلق أماكن عمل وخفض سعر الوقود ورفع الرواتب في القطاع العام المنتفخ». وتابع قائلاً إن ثمن الإصلاحات غالٍ؛ «فالأسد استخدم حتى الآن ثلث احتياطي العملات الأجنبية وبقي لديه ما بين 12 إلى 14 مليار دولار، والاقتصاد السوري ينهار بوتيرة هائلة من أسبوع إلى آخر، ولا توجد سياحة ولا استثمارات ولا نمو اقتصادياً. لا يوجد أفق». وتوقع كوخافي أنه «لن يكون بالإمكان الاستمرار على هذه الحال لوقت طويل، لكن رغم ذلك في ضوء الولاء الكبير له من جانب الجيش، حتى الآن، الأسد قادر على الاستمرار في هذه الحرب على وجوده لمدة سنتين أو ثلاث».
لكنه أشار إلى أن «الجيش السوري منهك، وهذه المرة الأولى التي يواجه فيها الجيش السوري حالة طوارئ بهذا الحجم، وهو منتشر انتشاراً واسعاً وكأنه في حالة حرب، منذ حرب يوم الغفران» في عام 1973. وخلص كوخافي إلى وجود «حالة تململ حاصلة في الدائرة الداخلية القريبة من الأسد، وهو لا يزال يدير الحدث، لا أي أحد آخر، ولا حتى الشقيق الذي توجه إليه الانتقادات، ماهر. ليس هناك أحد غير الأسد يدير الأمور، حتى الآن».
(يو بي آي)