ورد في تقرير السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان، إلى واشنطن، أن «رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة قلق بشدّة من أن الأدلة التي اعتقل على أساسها الضباط الأربعة قد لا تكون كافية لتبرير استمرار اعتقالهم. إن إطلاق سراح الضباط سيكون له تأثير مزلزل على الساحة السياسية في لبنان» (برقية رقم 06BEIRUT2034). كان ذلك عام 2006، ولم يطلق سراحهم إلا بعد نحو 3 سنوات (2009). نعرض بعضاً مما نقل في برقيات دبلوماسية أخرى صادرة عن السفارة الأميركية في بيروت بهذا النموذج من التلاعب المحلي والدولي المشترك في العدالة.
قلق أممي من ترشّح السيّد

المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز، كشف لنائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى دايفد هايل يوم 9 أيار 2009 أنه «أوصى لرئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي أنطونيو كاسيزي تأجيل زيارته للبنان، المفترضة في منتصف شهر أيار، لتجنّب حساسيات موسم الانتخابات. وعبّر ويليامز عن قلقه من تأثير استقالة رئيس قلم المحكمة روبن فنسنت بسبب علاقاته الكارثية بالمدعي العام دنيال بلمار على تقدم عمل المحكمة». (البرقية رقم 09BEIRUT541 تاريخ 14/5/2009). أما بشأن إطلاق سراح الضباط الأربعة، فقال وليامز بحسب نصّ البرقية نفسها، إن ذلك «كان يفترض أن يحصل في آذار 2008 للحد من التأثير السلبي على قوى 14 آذار بسبب قرب موعد إطلاق سراحهم من موعد الانتخابات».
المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قال للسفيرة الأميركية في بيروت ميشال سيسون في 26 كانون الثاني 2009 إنه «يشتبه في أن المدعي العام اللبناني سعيد ميرزا يريد إحالة الضباط على المحكمة الخاصة بلبنان» في لاهاي. وعبّر بلمار عن «قلق» بشأن احتمال أن «يترشّح أحد الضباط الأربعة، المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد للانتخابات النيابية، وهي فكرة يدعمها القيادي في المعارضة سليمان فرنجية وحزب الله» بحسب بلمار (راجع النصّ الكامل للبرقية رقم 09BEIRUT109 تاريخ 27/1/2009).

جنبلاط يهاجم القضاة

فكّ احتجاز الضباط الأربعة سبقه، على ما يبدو، توتر في صفوف قوى 14 آذار ومن يساندهم. عبّر الزعيم وليد جنبلاط لمساعد وزير الخارجية الأميركي كايفد ولش عن ذلك التوتر بحضور السفيرة سيسون، فتحدّث عن «قلقه من عدم تقدّم عمل المحكمة الدولية بالسرعة المطلوبة، وعبّر كذلك عن خشيته من حملة حزب الله وسوريا لإطلاق سراح الضباط الأربعة الذين كانوا قد اعتقلوا عام 2005 لارتباطهم باغتيال الحريري» (برقية رقم 08BEIRUT548 تاريخ 22/4/2008). «وانتقد جنبلاط بشدّة عدم كفاءة المدعي العام سعيد ميرزا، ووصفه بالرجل الضعيف الذي لا يستحقّ مركزه». إلى ذلك، قال «إن القضاة اللبنانيين ضعفاء، لا جرأة لديهم للمواجهة. وحذّر من أن إطلاق سراح أحد الضباط أو ضابطين سيؤثر على صدقية المحكمة. وأضاف أن الروس قد يؤدون دوراً غير بنّاء في مجلس الأمن الدولي. ورداً على تعليق حمادة بأن السفير الكندي أكد له أن رئيس لجنة التحقيق الدولية دانيال بلمار لديه خلفية ممتازة، قال جنبلاط: هذا ما قالوه لنا عن براميرتس».

ضغوط لإقالة القاضي صقر

وعشية صدور أمر قاضي الإجراءات التمهيدية، الدولي دانيال فرانسين، إلى القضاء اللبناني بفكّ احتجاز الضباط الأربعة، اجتمعت السفيرة سيسون بالوزير نجّار (البرقية رقم 09BEIRUT500 تاريخ 5/5/2009) فـ«قال إنه كان متوتراً بعد إطلاق سراح العمداء بشأن كيفية تعامل المعارضة السياسية مع هذا الأمر. لكنه يعتقد الآن أن المعارضة تريد الهدوء قبل انتخابات 7 حزيران النيابية». ويضيف نصّ البرقية أن نجّار «كان مهتماً بتصرفات المدير العام السابق للأمن العام جميل السيد، أحد الذين أُطلق سراحهم، الذي يعمل مع «دميتين لسوريا» الوزير والنائب السابق ميشال سماحة والنائب السابق ناصر قنديل، بحسب تعبير نجّار. وقال إنه يتوقّع استمرار هجمات المقربين من السيد على (المدعي العام القاضي سعيد) ميرزا و(المحقق العدلي القاضي صقر) صقر».
وأعلم نجّار سيسون، في ما بدا استباقاً لانعقاد اجتماع مجلس القضاء الأعلى، بأن «اليوم سيصدر بيان عن مجلس القضاء الأعلى يدعم القضاء، وأنه متحمّس لمراقبة ردود الفعل على هذا البيان. وقال إن انتقادات المعارضة تتركّز على القاضيين ميرزا وصقر، لا القضاء بحدّ ذاته. وشدّد على أن رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ليس على علاقة جيدة بالسيد ـــ بحسب نجار ـــ سيدعمان القضاة بقوّة. لكن نجّار عدّ إجبار صقر على التنحي أمراً ممكناً، مشدداً على أن ذلك لا يمكن أن يحصل فوراً. وأشار إلى أن الحكومة وحدها يمكنها طرد القضاة، ولن يحصل ذلك؛ لأن الأكثرية لن تسمح به. لكنه لم يغفل احتمال استقالة صقر تحت الضغط».

تهريب «الشاهد الملك»؟

أما بشأن الشاهد محمد زهير الصديق الذي نقل أنه بمثابة «الشاهد الملك» والذي استند القضاء إلى إفادته لسجن الضباط الأربعة، فكان محور نقاش بين وزير العدل والسفيرة الأميركية. الوزير إبراهيم نجّار أكد للسفيرة الأميركية سيسون خلال اجتماعهما يوم 22 نيسان 2009 (الوثيقة رقم 09BEIRUT463 تاريخ 24/3/2009) أن الحكومة اللبنانية ستحذو حذو المحكمة الدولية الخاصة بما يخصّ الصدّيق؛ إذ جاء في محضر الاجتماع: «أشار نجّار بحذر إلى أن الإمارات العربية المتحدة لم تؤكد رسمياً توقيف ضابط الاستخبارات السوري السابق محمد زهير الصديق في 18 نيسان. والصديق مطلوب في لبنان لعلاقته باغتيال الحريري. واستخلص نجّار أن الإمارات العربية المتحدة لا تتعامل رسمياً حتى الآن مع قضية الصديق، وبالتالي هي ليست جاهزة للتعامل مع طلبي لبنان وسوريا بتسليمه إليهما. أضاف نجار أنه سيحذو حذو المحكمة الخاصة بلبنان في جميع القرارات بشأن الصدّيق. وقال إن لبنان لن يضغط باتجاه تسليمه الصديق إلا إذا أمرته المحكمة بذلك. ولو كانت المحكمة تريد الصديق، لكانت قد طلبت من لبنان السعي إلى تسلّمه، بما أن المحكمة لا يمكنها التقدّم بطلب كهذا، بحسب نجار».
أما بشأن مذكرة التفاهم بين الحكومة اللبنانية والمدعي العام في المحكمة الدولية التي كانت قد عرضت على مجلس الوزراء، فنقل نجّار لسيسون «عدم إحراز أي تقدّم» بهذا الشأن. وأشار وزير العدل السابق إلى أن «مساعد بلمار اتصل به أمس للاستفسار عن وضع المذكرة، وقال نجار إن الرئيس سليمان ورئيس الحكومة السنيورة أرادا منع مناقشة الموضوع؛ لأنه أثار اعتراضات من عضو الحكومة الوحيد التابع لحزب الله الوزير محمد فنيش. ونقل أن فنيش لم يعدّ مذكرة التفاهم ضرورية، وطلب من نجّار التوقف عن إثارة هذا الشأن في وسائل الإعلام».

فرانسين «على كوكب آخر»

وتابع محضر الاجتماع بين سيسون ونجّار (البرقية رقم 09BEIRUT500 تاريخ 5/5/2009)على النحو الآتي: «من دون أن يسأله أحد عن الموضوع، اشتكى نجّار من المدعي العام بلمار قائلاً إنه تصرّف من دون الالتفات لمشاعر اللبنانيين، واشتكى كذلك من قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين وقال عنه إنه صغير السنّ وعلى كوكب آخر. ولدى سؤاله عن أسباب انتقاداته، وبما أن أفعال بلمار وفرانسين لإطلاق سراح الضباط لم تكن مفاجئة، انتقد نجار نوعية قرار فرانسين الخطي، وقال إن بلمار وآخرين في المحكمة الخاصة بلبنان يخشون حزب الله».
أضافت السفيرة سيسون في ختام المحضر «تعليقاً» جاء فيه: «سنستمرّ بمراقبة ردود الفعل على إطلاق سراح الضباط. سعد الحريري كان محبطاً خلال نقاش بينه وبين السفيرة في 4 أيار، لكنه شعر بأن تعليقات السيد الإعلامية تؤدي إلى حجب التعاطف العام مع الضباط الأربعة. الزعيم في قوى 14 آذار سمير جعجع، قال للسفيرة في 5 أيار إنه لا يتوقّع ردّ فعل سياسياً جدّياً. وقال عون في بيان صدر عنه في 4 أيار إنه قرّر سحب دعمه للمحكمة، لكنه أضاف أنه وزملاءه في المعارضة لا يريدون خرقاً أمنياً قد يؤثر سلباً على الانتخابات». ويتابع تعليق السفيرة سيسون: «إن الكراهية بين رئيس حركة أمل نبيه بري واللواء المطلق سراحه جميل السيّد أخذت حيزاً من النقاش. وعلى الرغم من أن لوائح المرشحين للانتخابات النيابية باتت حالياً مغلقة، هناك حديث عن أن حزب الله قد ينتظر حتى ما بعد انتخابات شهر حزيران لجعل أحد المرشحين الفائزين يستقيل، ومن ثم الانتقال إلى انتخابات فرعية (ربما في بعلبك الهرمل) لانتخاب السيد. النائب عن حركة أمل، ياسين جابر، لفت السفيرة إلى هذه الشائعة خلال محادثة دارت بينهما في 4 أيار. وأشار كذلك إلى أن الجميع يتحدّثون عن هدف السيّد إلى تولي دور برّي رئيساً لمجلس النواب».



عرض عازوري: رحيل السيد

ورد في البرقية الرقم 06BEIRUT2034(تاريخ 20/6/2006) أن الوكيل القانوني للواء الركن جميل السيّد، أبلغ المسؤولين في السفارة الأميركية في بيروت يوم 16 حزيران 2006 أنه «بصفته محامي السيّد سيجتمع قريباً برئيس الحكومة فؤاد السنيورة وبزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وبزعيم حزب الكتائب أمين الجميّل ليقدم عرضاً. والعرض هو أن جميل السيّد سيغادر البلاد خلال مهلة 24 ساعة بعد إطلاق سراحه الفوري. والدافع المزعوم لقبولهم هذا العرض هو أنهم سيتخلصون قريباً من السيد، بدل أن يغامروا بأن يُطلق سراحه بسبب نقص الأدلة، وبالتالي تحرّك أصدقائه الموالين لسوريا لمعاداتهم».