لا تنتهي أخبار سوريا لزائر بعد غياب عمره من عمر الاضطرابات. وأهم ما فيها أنها تأتيك في صيغتها الخام. كأن الأخطار المحدقة تجعل حرفة التجميل من هوايات الترف المحظورة طوعاً هذه الأيام. من تلك الأخبار اعتراف الجميع تقريباً، بالكم الهائل من التشوهات العميقة في الشخصية السورية، التي أظهرتها الأحداث. كثير من الأفكار السابقة، تبين أنها كانت مسبقة، معلبة، أقرب الى الصيغ الإيديولوجية، منها الى الحقائق المجتمعية: العنصر المذهبي ظهر الى السطح بأبشع صوره. تحريض على «حزب الله» خصوصاً وعلى الشيعة عموماً في أوساط سورية واسعة. حتى إن البعض يسأل أين ذهبت صورة «السيد»؟؟ التيار «الإخواني» موجود طبعاً، فاعل بالتأكيد، الأكثر تعبئة مقارنة بكل القوى... صيغ عديدة تقفز الى عيون محدثيك وألسنتهم. حتى العرعور الشهير، نعم بات الأكثر قدرة على تحريك الشارع الغوغائي هذه الأيام، يؤكد البعض، وخاصة بعدما تبين خواء كل الهيكليات والبنى السياسية والحزبية والتنظيمية الأخرى، حتى منها حزب البعث، والبعض يقول، خصوصاً حزب البعث. في أوقات كهذه تكثر الأساطير والخرافات، وتصير ذهنيات الناس ونفسياتها حقولاً خصبة لزراعة الشائعات وحصاد الأوهام وهضم الخيبات. البعض من جهة المعارضة لا يزال يحدثك دوماً عن المؤامرة الأميركية الصهيونية تأييداً للنظام: زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي الى حماه مفبركة بينهما وبين السلطة، من أجل تشويه صورة «الثوار» وتلميع صورة النظام. وإلا كيف لهما أن يصلا المدينة ويجتازا أكثر من خمسين مدخلاً إليها، كلها مراقبة ومسكونة بأعين «الشبيحة»؟؟ يذهب خيال بعض المعارضين أبعد، فيبادرك كأنه يسدد ضربة إليك: هل سألت نفسك عن لائحة الأشخاص الذين فرضت عليهم واشنطن عقوباتها؟ كلهم من الذين كثر الحديث عن تباينات بينهم وبين الرئيس. فجاءت إجراءات واشنطن لتسدّ عليهم أي سبيل ثان للانتقال أو الانشقاق أو التمرد. ولتفرض عليهم البقاء في مركب النظام.
الموالون جاهزون دوماً لتفنيد مسلسل «خرافات» المعارضة. خذ هذا المثل: يحدثونك عن ارتباط عضوي بين دمشق وموسكو، نظراً الى وجود ما يسمونه «القاعدة العسكرية البحرية الروسية في طرطوس». هل تعلم حقيقة هذه الكذبة؟ ما هو تعريف أي قاعدة عسكرية؟ أليس في عنصري البشر والحجر؟؟ هل تعلم أن لا غرفة واحدة عائدة لما يسمّونه تلك القاعدة في طرطوس؟ كل ما في الأمر أن هناك اتفاقاً يعود الى عام 1993، بين دمشق وموسكو، تسمح بموجبه الأولى للثانية باستخدام سبعين متراً من رصيف مرفأ طرطوس، لرسو البواخر الروسية. لكن، ماذا تعني الأمتار السبعون في مفهوم العلوم العسكرية البحرية؟ لا شيء. مجرد سفينة صغيرة، لا بارجة ولا مدرعة ولا فرقاطة ولا غواصة. ثم، هل تعلم أن ما من عسكري روسي واحد موجود في تلك المدينة السورية الساحلية؟ أصلاً، كل المواطنين الروس المقيمين في كل سوريا لا يتعدّون 250 شخصاً، وهم بين موظفين وأساتذة وتجار...
إنه مجرد مثل من تجارة الأساطير والأضاليل الرائجة هنا هذه الأيام. لكن على سيرة روسيا، ولأن الشيء بالشيء يذكر، يقول أهل دمشق: صحيح أن ثمة مماثلة دقيقة قائمة بين ما يحصل في سوريا اليوم، وما حصل في روسيا قبل أكثر من عقدين. يومها كان غورباتشوف زعيماً لما كان أشبه بروسيا الكبرى. وكان أيضاً وريثاً لتركة ثقيلة من نظام عقود سبعة مضت. أدرك غوربي ضرورة التغيير، واستحالة الاستمرار. وبدأ يعدّ العدة لذلك، بشفافية الغلاسنوست وعزم «إعادة البناء». غير أنه، كما كل مشروع تغيير عبر التاريخ، سرعان ما وجد نفسه عالقاً بين الحرس القديم المحافظ المتجمد من تغيير مجهول، وبين الغوغائيين المزايدين بمقولات الثورة والانقلاب وإسقاط النظام، فيما هم في الواقع ليسوا غير أبنائه الأبرار طويلاً، قبل أن يفقدوا حظوتهم فيتحولوا بذلك ثواراً. هكذا عاش غوربي أعواماً بين جمود نائبه السوفياتي ياناييف، وجموح «نائبه الروسي» يلتسين. في لحظة من آب 1990، بدا كأن الاثنين تآمرا عليه، أو تقاطعت حساباتهما ضده. نفذ الأول انقلاباً فاشلاً، فربح الثاني سلطة فاشلة، وسقطت دولة كبرى، وانتهت روسيا الى عقد كامل من حكم المافيا لشعبها، وتحكم الفودكا برأسها.
لن يكون ذلك في دمشق، يقول أهلها. لجنة الدستور بدأت فعلاً. ويقال إن فيها خبيراً لبنانياً وآخر بريطانياً، إضافة الى سوريين. والعارفون بتلك البلاد، يعرفون أنها محكومة بالتغيير التدريجي، في ظل تركيبة موزعة بين مذاهب وعرقيات وجغرافيا دمشق وحلب، وبين أكثر من أربعين في المئة من سكانها من أصول بدوية، حيث يمكن عشيرة واحدة أن يربو أهلها على ستة ملايين. بين الستار الساقط، والسكر المفرط، يجزم أهل دمشق بأن بشار سينجح حيث سُحق غوربي.
10 تعليق
التعليقات
-
عزيزي جان، انت كتبت: "يومهاعزيزي جان، انت كتبت: "يومها كان غورباتشوف زعيماً لما كان أشبه بروسيا الكبرى. وكان أيضاً وريثاً لتركة ثقيلة من نظام عقود سبعة مضت. أدرك غوربي ضرورة التغيير، واستحالة الاستمرار. وبدأ يعدّ العدة لذلك، بشفافية الغلاسنوست وعزم «إعادة البناء». غير أنه، كما كل مشروع تغيير عبر التاريخ، سرعان ما وجد نفسه عالقاً بين الحرس القديم المحافظ المتجمد من تغيير مجهول، وبين الغوغائيين المزايدين بمقولات الثورة والانقلاب وإسقاط النظام، فيما هم في الواقع ليسوا غير أبنائه الأبرار طويلاً، قبل أن يفقدوا حظوتهم فيتحولوا بذلك ثواراً.... الخ" واريد ان اؤيدك في ان من ادعوا الثورة لانفسهم لم يكونوا سوى ابناء النظام... نعم، ولكنهم لم يفقدوا حظوتهم ابدا، وانما راوا ان النظام لا يؤمن لهم الا احتياجاتهم الشخصية البسيطة ويمنع عنهم الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وامكانية استغلال الافراد لمصلحتهم الخاصة من خلالها... لذلك هم انقلبوا على النظام عندما اصبحوا اكثرية فيه
-
لا مقارنة بين سوريا والاتحادلا مقارنة بين سوريا والاتحاد السوفييتي سابقا فسوريا دولة صغيرة الحجم وتملك أوراق سياسية هائلة تجعلها من أبرز الدول في الشرق كله ويتميز جيشها بالولاء المطلق للدولة ولا صحة لأي انقسام أو انشقاق يحكى عنهداخل صفوف الجيش ؛ ثم إن الرئيس بشار الأسد رغم عمره الصغير إلا أنه خلاف غوربي إذ أثبت حنكة سياسية هائلة ولديه المزيد و المزيد جدا خلاف ما يعتقد البعض من المعارضين في الداخل والخارج ومن يقرأ تاريخ سوريا بعد الاستقلال يدرك أن الذراع الطولى كانت وستبقى للجيش في سوريا؛ ولا ينفع ولن ينفع أي معارض سوري استقواءه بالخارج لأن هذا سيؤدي ويعني ما لا يحتمله الغرب كله وهو زوال إسرائيل من الوجود ودمار سوريا وسحق كل القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج العربي وتركيا والعراق........ باختصار هي الحرب العالمية الثالثة إذا تعاظمت حماقات الغرب وأعتقد أن الغرب يعي ذلك ولا يريده أبداإلا أنه يسعى لإضعاف الموقف الخارجي والسياسة الخارجية لسوريا وتحويلها إلى صفر القيمة من خلال إنهاكها بالوضع الداخلي وسحب المفاتيح الإقليمية من يدهاوهذا ما لن يحصل أيضا نتيجة الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها الرئيس الأسد والتي ظهرت جليا في 21/6/2011 من خلال مسيرات تأييد حاشدة في كل المحافظات السورية ؛ وقد قرأت الادارة الأمريكية ذلك جيدا وبدأت بالتفاوض مع الدولة السورية بناء على هذا المعطى المستجد
-
الشخصية السوريةسأبدأ من حيث انتهى المقال، دمشق لم تقل بشار سينجح فلا تقولوها ما لم تقل وأما اعتراف الكل بتشوه الشخصية السورية فلا أعرف من هو هذا الكل الذي اعترف ومن الذي حقق؟! ومن الذي طلب طبيبا نفسيا كي يحلل الشخصية السورية؟! أما الطائفية وانفجارها فهذا غير صحيح والترويج لهذا الكلام أحلام تضحضها مظاهرة المثقفين فلمن لا يعلم مي سكاف المسيحية وريما فليحان الدرزية ونضال حسن العلوي والأخوين ملص السنيان ورفاقهم نزلوا الى الشارع ليقولوا لا للنظام. أما عن صورة "السيد" وأنا ممن يجله فصورته اهتزت ليس بسبب السوريين بل بسبب الوصاية التي يريد أن يفرضها الحزب على السوريين من أجل راحة حزب الله بينما في الوقت نفسه يعتبر ما يجري في البحرين ثورة والدولة تقمع الشباب أما في سورية فلا شيء يجري ولم يمت حوالى 2000 شخص ولم تعتقل المخابرات ما يقارب 15000 شخص في النهاية السوري هو هكذا وليس مضطرا لتغيير نفسه من أجل الآخرين وليس من حق أي أحد أن يعترض على الشخصية السورية حتى لو كانت مشوهة فالسوريون معجبون بتشوههم ولا يريدون علاج الأسد ولا دواء حزب الله
-
تعلق الجزءالثانيرابعا:قولك ما من عسكري روسي واحد موجود في المدينة الساحلية مضحك جدا وستدهش حين أقول لك ان العسكريين الروس ضحكوا اكثر مني على كلامك بعد ترجمته. من اين لك برقم250 وما مدى صدقيته ؟ الحقيقة صدقيته صفر.وتقول ان منهم موظفين فكيف ذلك وموظفون اين وما عملهم؟ وهم اساتذة ولم تقل اساتذة بماذا وان قصدت انهم يدرسون في الجامعات أقول لك ان الجامعات العربية السورية هي الوحيدةفي بلاد العرب التي تدرس حصرا باللغة العربية في كل فروعها واختصاصاتها.لقد صدقت بواحدة فقط في انه لن يكون ذلك في دمشق لان دمشق لا يشبهها احد من المدن على مر العصور فكاره العروبة والفينقي العتيدأطال الله في عمره الشاعر العملاق سعيد عقل لأنه انصف دمشق حين قال عن أهلها "ان ضاقت بهم الحقوا الدنيا ببستان هشام".خامسا:40 بالمئة من سكان دمشق وحلب من اصول بدوية والله عيب يا رجل عيب ليس لوصفك لنا بالبدو فنحن بصراحة لا نبلغ مبلغ البدو بالشهامة والامانة والصدق وكل الاخلاق الحميدة المفقودةاليوم ولكن لان اكبرمؤرخي العصر مدير متاحف مامتك فرنسا قال"على كل انسان متحضر ان يعترف ان له وطنان الاول حيث ولد والثاني سو ريا يعني دمش وحلب وبقية عقد اللؤلؤ من المدن السورية.واخيرا انصحك ان تدقق بما تكتب فانت تكتب بمطبوعة مقروءة من غيرالفينيقيين.يا فينيقي.يا متحضر وارجو أن تسامحني على قلة أدبي فأنا بدوي لم أتحضر بعد أليس كذلك يا سيدي؟.
-
تعليق الجزءالأولالسيد جان عزيز سقطت بالضربة القاضيةمع الموضوعية المطلوبةمن اي كاتب محلل للاسباب التاليةاولا:الاتحاد السوفيتي المرحوم كنظام سياسي لم يحوي منصب نائب رئيس.ثانيا:ياناييف كان وزيرا للدفاع وكان ضمن مجموعة نفذت الانقلاب على غورباتشييف حين كان اجازة خار ج موسكو أما يلتسيين فقاد حركة مضادة لجماعة الانقلاب وضمنها الجنرال ياناييف.كيف تختارمصطلح (التشوهات العميقة) لتوصيف الشخيصية السورية,ألا تلا حظ عنصرية فاقعة في هذا التوصيف خاصة وانك اردفت في مكان آخر في مقالك أنه يقال ان خبيرا لبنانيا في لجنة الدستور أليس هذا ايحاءا فوقيا معطوفا معنوياعلى مصطلح (التشوهات العميقة)ياسيدي لدى سورية من الخبراء والفقهاءالدستوريين والقانون الدولي مايعادل نصف سكان بيروت اللاشرائع بدليل الحروب الأهلية المستمرة منذ قرن ونصف أليست هذه حقيقة كالشمس الساطعة فأي غباء بعد هذه الحقيقة بان يستعان بخبير قانوني من بلد اللا قانون.ثالثا: انا بعثي وافتخر ومضطهد من الحزب يعني مواطن بسيط لا حول ولا قوة لي في الدولةوأريد أن اقول لك أن البعث لوكان خاويا كبقية القوى السياسية المدعية المعارضة صدقني لكانت الدولة سقطت بعد شهر على الأكثر من الأحداث اذا اخذنا بالاعتبار اسطورية الحقد والكراهيةوامكانيات التخريب والتدمير الممنهج لمؤسسات بلدي معقل البعث والعروبة التي انت منها براء لانك فينقي ومامتك فرنسا أليس كذلك يا أستاذ جان الذي ماعاد عزيزا وبالرغم من كل شئ لك منا فائق الا حترام وهذا لا اعتبره عيبا فأنا احترم عدوي ايضا لشجاعته مثلا
-
من تمك لأبواب السماءنرجو أن تتحقق الجملة الأخيرة من مقالك يا أستاذ جان ، و أن يبعد عنا الكأس المرة كما في سورية ، وفي لبنان ،لأن المصير المقبل أشد إسوداداً و ظلماً علينا و على كل المنطقة العربية في هذه المرحلة ما دامت غرف المخابرات السرية هي التي تتحكم فينا و تحركنا كأحجار الشطرنج المعروف عن الروس خبرتهم فيها !
-
سوريا ستغدو أقوى من أي وقت مضىلا يا سيدي لا يمكن مقارنة سوريا الأسد بالإتحاد السوفييتي قبل انهياره و الفرق شاسع كما تعرفون فالتطوير و التحديث و الإصلاح بقيادة الرئيس بشار حافظ الأسد و الالتفاف الجماهيري الكبير حوله و الإلتزام الكامل لكل مؤسسات الدولة بما فيها الجيش العربي السوري بتوجيهاته الحكيمة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر و أفضل النتائج العملية لا يمكن أن يوقفه حرس قديم - بات غير موجود عملياً كما يظن البعض - أو مظاهرات (سلمية) بأهداف أجنبية مستوردة أو أعمال تخريب و إرهاب أو قطاع طرق أو دعاة الفتنة و التكفير أو محطات التحريض الفضائية و شهودها الزور أو تقارير منظمات دولية ساقطة أو سفراء لدول أفلست و هي تحاول بكل الوسائل زعزعة صمود سوريا المقاومة و جرها لتقديم أية تنازلات عن حقوقها و دورها التاريخي في المنطقة
-
الشخصية السوريةالصهيونية السلاح المسمومة للإمبريالية . الدين هو العكازات للضعفاء (عمدا لم استخدم الجملة المعروفة الأخرى) ، ومن المستحيل ألا تكون "دولة بوليسية" مع كل الفساد والركود التي تجلب معها للبقاء في معسكر "المقاومة". في "العالم الحر" الدولة البوليسية تستخدم بطاقات الائتمان والرهن العقاري ، والتأمين على السيارات ، التأمين الطبي وغيرها لتكبيل اليدين والعقل. الشيء المحزن هو انهم يستخدمو مواردنا الطبيعية للحفاظ على "قطعانهم" في وئام و "سعيدة" الحرية ليست مطلقة ولا حرية لأولئك الذين هم ضد الحرية وهذه هي المشكلة!! ويكيليكس واختراق حزب الله يؤكد افكاري.