هل كان رودجر ووترز، أحدُ أبرز أعضاء فريق بينك فلويد، يشوّه رسالة الفنّ حين قرّر أن يَجْهر بتأييده لحركة مقاطعة إسرائيل وسحْب الاستثمارات منها وفرْضِ العقوبات عليها (بي. دي. أس)، أو حين أعاد غناءَ نشيد حركة الحقوق المدنيّة الأفريقيّة ـ الأميركيّة ("سننتصر") من أجل إنهاء حصار غزّة؟ هل كان ألفيس كوستيلّو، المغنّي البريطانيّ الحائزُ جائزةَ غرامي، متعدّياً على حرمة الفنّ حين صرّح بأنّ "ضميره لا يسمح له بالغناء في إسرائيل" بعد مجزرة أسطول الحريّة ربيع العام 2010؟
هل كان إلغاءُ فريقيْ كلاكسونز، وغوريلاز ساوند سيستيمز، عروضَهما في "إسرائيل" استنكاراً لتلك المجزرة إقحامًا للسياسة في الفن؟

مناسبةُ هذه الأسئلة قرارُ ردْ هوت تشيلي بيبرز إحياءَ حفل في تل أبيب (10 أيلول) بعد بيروت (اليوم). ورسالتنا اليوم موجّهة إلى الفرقة نفسها، والمنظّمين اللبنانيين، والجمهور اللبنانيّ، بعدما انسحب "مشروع ليلى" الذي كان يُفترض أن يفتتح عرضَ الفرقة الأميركيّة. وحسنًا فعل؛ فتقديمه لها لم يكن سيُعتبر من متطلبات "الفنّ البديل" وإنما مشاركةً في تعقيم الاحتلال في الأذهان، وتجاهلاً لمئات الرسائل التي ناشدته الامتناعَ عن تسهيل التطبيع، ومن أهمّها رسالةُ "الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة لإسرائيل".

■ ■ ■


لقد تجاهلت الفرقة الأميركيّة نداءَ المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ في 9 تموز 2005 إلى العالم لمقاطعة إسرائيل لأنّ عدم المقاطعة يشكّل تغاضياً عمّا ترتكبه من إجرام وتهجير وعنصريّةٍ مُمأسسة. والواضح أنّ إسرائيل تستفيد من زيارات الفنّانين، بشكل خاصّ، لكي تعقّم صورتَها في أعين العالم، بحيث تبدو محجّة للفنّ والحضارة.

والفرقة تجاهلتْ آلافَ الناس الذين دعوْا إلى مقاطعة إسرائيل بسبب احتلالها أراضيَ عربيّةً، وبسبب عنصريّتها داخل "فلسطين 48"، وبسبب منعِها عودةَ اللاجئين الفلسطينيين بمقتضى القرار رقم 194.
ولم تكتفِ الفرقة بذلك، بل عمد أعضاؤها إلى اصدار فيديو دعائيّ لحفلهم العتيد في تل أبيب يُعْربون فيه عن "فرحهم الهائل، ومتعتِهم، وحماسِهم، ولهفتِهم، للقدوم إلى إسرائيل لأول مرة"، ويؤكّدون أنهم "كانوا دوماً يكنّون لإسرائيل حبّاً عظيماً"، وأنهم "لا يطيقون صبراً على القدوم... إلى بلدكم الجميل".
إسرائيل جميلة لمن، أيتها "الفليفلة الحمراء"؟ لأطفال جنين وقانا وغزّة والشيّاح...مثلاً؟

■ ■ ■


حين علمنا، في ربيع هذا العام، بأنّ الفرقة ذاهبة إلى تل أبيب بعد بيروت، اتصلنا بمنظّمي الحفل اللبنانيّ، وقلنا لهم إننا لا نعتبر الفرقة (التي لم تزرْ إسرائيلَ من قبلُ) معاديةً لحقوق شعبنا عداءَ لارا فابيان أو جولي زيناتي اللتين غنّتا في الذكرى الستّين لتأسيس إسرائيل قصيدتين صهيونيّتين. وقلنا لهم إننا سنعتبر أنّ الفرقة "لا تعلم الكثير" عن ممارسات إسرائيل، وإننا نرجو منهم أن يتيحوا لنا فرصة لقاء أعضائها واصطحابهم إلى قانا، وأن نشرحَ لهم مغزى مقاطعة إسرائيل، علّهم يُحْجمون عن تقديم أيّ عرض فيها في المستقبل، على أساس أنّ الأوان ربّما فات لفسخ عقدهم في تل أبيب (تردّد أنّ قيمته مليونا دولار!).
وعدَنا المنظّمون بتأمين هذا اللقاء، ثم بادرْنا قبل أسبوع إلى الاتصال بهم، ففوجئنا بقولهم إنّ اللقاء قد لا يكون متاحًا بسبب ضيق وقت الفرقة في لبنان. كنّا نتمنى أن يتمّ اللقاء، ولعلّه يتمّ هذه الليلة، علماَ أننا طلبناه قبل أن تنهمر الدعواتُ العالميّة على الفرقة تناشدها عدم الذهاب إلى تل ابيب.

■ ■ ■


الرسالة الأخيرة موجّهة إلى الجمهور اللبنانيّ الذي ندعوه إلى استنكار الحفل الذي ستقيمه الفرقةُ في تل أبيب، وإلى المشاركة في توزيع قصاصات في دعم مقاطعة العدوّ، وذلك الليلة، الثامنة مساءً، أمام الواجهة البحريّة (ووترفرونت)، بيال.
إننا ندعوه إلى الوفاء لدماء شهدائه وجرحاه، وعذاباتِ مهجّريه ومعتقليه، وذلك بأن يرفض أن يلعب لعبة "فصل الموسيقى عن السياسة" وخصوصاً حين يتعلّق الأمرُ بدولةٍ كإسرائيل. إنّ التنصّل من المسؤوليّة الوطنيّة والأخلاقيّة بذريعة "حبّ الحياة والفنّ" عملٌ سياسيّ. فالسياسة ليست بياناً أو تظاهرةً فحسب، بل هي أولاً وأساساً أن نعيشَ بمسؤوليّة، وأن نَشعر بالمسؤوليّة تجاه مواطنينا. والفنّ ليس غناءً جميلاً فقط، بل هو أيضاً انخراطٌ مبدعٌ في تحسين نوعيّة الحياة ورفعِ الألم عن الناس.
أن تشتروا بضاعةً إسرائيليّةً أو داعمة لإسرائيل، وأن تصفّقوا لفرقةٍ تغضّ النظرَ عن الجريمة، فعلان سياسيّان بامتياز. ومقاطعتهما الواعية فعلٌ سياسيّ بامتياز. الفارق بين الفعلين أنّ المقاطعة عملٌ أخلاقيّ ووطنيّ أيضاً!