ليست أول قصة من نوعها، وخصوصاً في لبنان، الذي يتجاوز عدد من هم من أصل لبناني يعيشون خارجه عدد المقيمين فيه. لكن استمرار حصولها، يمنح اللبنانيين مشاعر بالفخر والاعتزاز. تماماً كما كانت حال أبناء شقرا أول من أمس، خلال استقبالهم ابن بلدتهم وزير البيئة السنغالي حيدر العلي. اجتمعوا معاً، مغتربين ومقيمين، وأصدقاء وأقرباء. احتفاؤهم به كان مناسبة ليستعيدوا حكايات الكثير من مغتربي بلدتهم، ونجاحاتهم.
كثيرون من الذين شاركوا في استقبال الوزير المغترب عادت بهم الذاكرة إلى اليوم الذي هاجر فيه والده، مع عدد من أصدقائه. يروي أحد أقرباء الوزير، أبو أكرم العلي، حجم المعاناة التي عاشها الوالد «الذي عمل بداية لدى تجار القماش، وتمكن في وقت لاحق من الاستقلال عن غيره وتأسيس مهنه له».
والد الوزير، محمد خليل العلي، الذي عرف بتديّنه وعشقه لبلدته شقرا، أنجب ثمانية أولاد تعلموا جميعاً وحققوا نجاحات مختلفة، كلّ في اختصاصه. كان بينهم الوزير الجديد، الذي ولد في السنغال عام 1951، وعرف بعشقه لهواية الغطس في الماء، إضافة إلى حبّه للبيئة واهتمامه بالثروة الحرجية، فأقام نادياً للغطاسين وخرّج العديدين، وذاع صيته في بلده الجديد، فعرف عنه أنه «الوحيد الذي استطاع إنقاذ عدد من الفرنسيين بعد غرق باخرة فرنسية في السنغال»، لكن ذلك لم يسعفه في إنقاذ ولده الأكبر من الغرق، وإن أصرّ على انتشال جثته بعد ثلاثة أيام من البحث والغطس.
يعدّ العلي أهم غطاس بحري في السنغال، ولديه خبرات واسعة في الأمور البيئية، ولا سيما البيئة البحرية والحياة المائية، وكانت له اقتراحات عدة في قضايا البيئة في السنغال، وقد أسس جمعية بيئية أصبحت من أهم الجمعيات البيئية، وكان يخصص لها ميزانية تقارب 25 مليون دولار أميركي. وبعد انضمامه إلى حزب المعارضة وتولي مناصب بارزة فيها، اختير وزيراً للبيئة، وعيّن أحد أبناء شقرا أيضاً، ويدعى علي صالح، مستشاراً برتبة وزير، فكان ذلك مفيداً جداً لجميع اللبنانيين المقيمين في السنغال.
وبحسب مصدر في القنصلية السنغالية في لبنان، فإن «الجالية اللبنانية في السنغال التي يزيد عددها على أربعين ألف نسمة، كانت ترى أن الرئيس الجديد قد لا يوليها الاهتمام، نظراً إلى قرب بعض رجال الأعمال من الرئيس السابق، لكن تعيين حيدر العلي وزيراً للبيئة، وعلي صالح مستشاراً برتبة وزير، حقق دعماً معنوياً وسياسياً لافتاً للجالية اللبنانية». وفي احتفال استقبال الوزير السنغالي الذي نظمته بلدية شقرا ودوبيه، وكان مناسبة لافتتاح قصرها البلدي، بحضور النائبين علي بزي وعلي فياض والقنصل السنغالي في لبنان أحمد مخدّر وعدد من رؤساء البلديات والأهالي، رأى رئيس البلدية رضا عاشور أن «بلدة شقرا ترتبط مع السنغال ارتباط عاطفة ومودة؛ لأنها تحضن المئات من أبناء شقرا الذين هاجروا وأسسوا حياة جديدة. يكفي الوزير أن ينتمي بالهوية والدم إلى هذه القرية لتكون له معزّة فينا». ورأى بزي أن «هذه المناسبة تؤكد أن كل القرى الجنوبية تتشابه في صناعة الوحدة والدعم والإنجازات، والاغتراب شكّل ثروة لبنان الحقيقية في الوحدة قبل الاقتصاد». أما فياض، فرأى أن «الوزير المحتفى به يمثّل نموذجاً للبناني المغترب الناجح على المستوى الفردي والجماعي، والخبير هو خبير في الإنسان والإنسانية». ولفت فياض نظر الوزير العلي إلى أن «أحد أكبر التحديات التي يعانيها لبنان هو مواجهة التدمير الممنهج لبيئته، ومن بين ذلك محمية وادي الحجير التي لا تزال تتعرّض للإهمال وتهديد الجشعين، رغم أهميتها البيئية المميزة».
وتحدث الوزير العلي عن تأثره وفخره بالحفاوة التي حظي بها في لبنان، وقال إنه سينقل هذا الاهتمام إلى المسؤولين في السنغال، مشيراً إلى «ضرورة الاهتمام بالبيئة وزراعة الأشجار التي تعطي الإنسان بعيداً عن أي انتماء أو لون أو دين». وقدّم عاشور درعاً تكريمية للوزير العلي، بعد جولة على أنحاء البلدة وقلعتها التراثية وقصرها الثقافي. كذلك أقيم حفل غداء على الشرف الضيف. يذكر أن عدد المهاجرين من شقرا إلى السنغال يزيد على 2500 نسمة، من أصل أربعين ألف لبناني.