سارعت واشنطن في 20 أيلول الجاري إلى اصدار رخصة تتيح للمحامي الأميركي جون جونز، وهو أحد المحامين المكلفين الدفاع عن مصطفى بدر الدين في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القيام بمهماته، بعدما كانت قد أصدرت قراراً بمعاقبة كلّ من يمكن أن يأتي بأي منفعة لبدر الدين، بما في ذلك تبرئته من جريمة اغتيال الحريري.
ولكن تبين لـ«الأخبار» أمس أن هذه الرخصة تخضع لشروط فرضتها الإدارة الأميركية على المحامي، حيث يجب عليه إعلام واشنطن بكل ما بحوزته من معلومات عن بدر الدين. وبالتالي، يجب على جونز مساعدة السلطات الأميركية في القبض على رجل قرّرت المحكمة الدولية السير بمحاكمته غيابياً، بعدما تعذّر تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة في حقه. بكلمات أكثر وضوحاً، فرضت واشنطن على جونز، خلافاً لكل الأصول والأعراف المتعلقة بحقوق المحامين ومهنيتهم، أن يكون مخبراً أو جاسوساً يعمل لمصلحتها. وكانت واشنطن قد وضعت حزب الله وكلّ من ينتسب إليه على لائحة التنظيمات الإرهابية، وأدرجت اسم بدر الدين على لائحة المطلوبين لوزارة الخزانة الأميركية، كذلك أورد الإنتربول (الشرطة الدولية) اسمه على القائمة الحمراء للمطلوبين دولياً.
جاء في نصّ الرخصة التي منحتها السلطات الأميركية لمحامي بدر الدين أنّ «على المرخص له (المحامي جونز) أن يزوّد وزارة الخزانة الأميركية أو أي جهاز أو وكالة أخرى، بناءً على طلبها، التقارير والمعلومات ذات الصلة بطلبها». وبالتالي فإن السلطات الأميركية تفرض على المحامي جونز انتهاك أمانة السرية المهنية، علماً بأنه كان قد أدلى باليمين الرسمية التالية أمام رئيس قلم المحكمة الدولية لدى تعيينه، عملاً بأنظمتها: «أتعهد رسمياً أن أقوم بواجباتي وأمارس مهنتي أمام المحكمة الخاصة بلبنان بكل نزاهة ومثابرة، وبشرف وحرية ومن دون إبطاء ووفقاً لما يمليه ضميري، وأن أحترم بكل أمانة السرية المهنية والواجبات الأخرى التي تفرضها مبادئ سلوك المحامين أمام المحكمة». ووقع على نسخة خطية من هذا القسم حُفظت لدى قلم المحكمة. وجاء في نصّ «مبادئ سلوك المحامين» الصادر في 28 شباط 2011، الذي وقع عليه الرئيس السابق للمحكمة الدولية القاضي الراحل أنطونيو كاسيزي: «يحافظ المحامي على السرية المهنية التي تحيط بالمعلومات التي يزوده بها موكله ويحمي سرية الأدلة والإجراءات التي تعطيها المحكمة هذه الصفة. وما لم تنصّ الغرفة المعنية على خلاف ذلك، لا يجوز للمحامي أن يكشف عن أدلة سرية إلا لمن يكون ملزماً أخلاقياً، أو بموجب عقد بحماية سريتها، وعندما تقتضي ذلك ضرورات التحقيق أو تحضير قضية» (الفقرة 5).
المحامي الرئيسي المكلف الدفاع عن بدر الدين، أنطوان قرقماز، أكّد، رداً على سؤال وجهته إليه «الأخبار» عبر الهاتف، وضع السلطات الاميركية شروطاً على عمل زميله، لكنه رفض التعليق عليها. ولدى سؤاله عمّا اذا كان المحامي لا يزال يقوم بعمله حالياً، أجاب بأن جونز قررّ تجميد عمله، وأن ذلك سيؤخر التحضيرات لبدء المحاكمة. وكان قاضي الإجراءات التمهيدية، دانيال فرانسين قد حدد يوم 25 آذار 2013 موعداً أوّلياً لانطلاق المحاكمة. لكن يبدو أن القرار الأميركي سيؤخر هذا الموعد؛ إذ إن المحاكمة تقتضي منح الدفاع الوقت الكافي والموارد البشرية المناسبة لردّ التهم الموجهة إلى بدر الدين وزملائه، بعد أن منح المحققون الدوليون ومكتب المدعي العام أكثر من سبع سنوات من التحضيرات. وعلمت «الأخبار» أن فريق الدفاع في صدد تقديم طلب إلى قاضي الإجراءات التمهيدية بتأجيل موعد المحاكمة، وأن المحامين يدرسون خيارات تحرّكهم في الأيام المقبلة؛ إذ إن الاجراءات الاميركية بحق زميلهم تشكل انتهاكاً فاضحاً لمبدأ المحاكمة العادلة وتجاوزاً مرفوضاً لاصول مهنتهم. وبينما لا يوجد أي مبرر مهني لتنحي المحامي جونز، ولم تكن لديه النية للتنحي، بل كان والمحامي قرقماز على ثقة بأنهما سيتمكنان من إثبات براءة بدر الدين، يبدو أن السلطات الاميركية تسعى الى منعهم من تحقيق ذلك. وفي هذا الاطار، لا يمكن تحديد موعد لبدء المحاكمات الا بعد حسم هذه القضية، فلا مبررات قانونية لشلّ عمل الدفاع عن أحد المتهمين، بل إن ذلك يعدّ تدخّلاً في الإجراءات القضائية من خلال الشروط التي فرضتها على المحامي جونز.
الناطق باسم المحكمة الخاصة بلبنان مارتن يوسف، الذي كان قد صرّح لصحيفة «النهار» بأن «اعتبار اميركا ان مصطفى بدر الدين ارهابي، لا يؤثر على المحاكمات امام المحكمة، وبالتالي لا علاقة لقولهم بهذه المحاكمات»، اوضح لـ«الأخبار» أمس أنه لم يطّلع على الرخصة الأميركية، وبالتالي لم يكن على علم بأنها تتضمن شروطاً. وفي اتصال لاحق من لاهاي قال يوسف: «القضاة الدوليون محصنون بوجه ضغوط كهذه. وأذكر أن السيد ناصر أوريك، الذي أدرج اسمه على لائحة وزارة الخزانة الاميركية، ثبتت براءته أمام المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، رغم تصنيفه مجرم حرب. وكان جونز وكيله». غير أن يوسف لم يوضح ما اذا كان جونز قد خضع للشروط الاميركية نفسها آنذاك.