الخرطوم | لم يكن توافق الخرطوم وجوبا على معالجة الديون المترتبة على السودان، قبل أن ينشطر إلى دولتين، بالمهمة السهلة. اتفاق البلدين على تكوين فريق مشترك لبحث التركة الثقيلة، البالغة وقت الانفصال 32.6 مليار دولار، جاء ضمن اتفاقهما على حل القضايا العالقة بين البلدين، الذي وقعه رئيسا الدولتين عمر البشير وسيلفا كير ميارديت الشهر الماضي، لكن الصدمة تخطت حدود مسؤولي البلدين، ووصلت إلى المراقبين، بعدما أعلن صندوق النقد الدولي، أن ديون السودان الحالية والموروثة، قفزت بمقدار 28 في المئة، وتخطت حاجز الـ 41 مليار دولار. ولم يتوقف بيان صندوق النقد عند هذا الحد، بل توقع أن تصل تلك الديون خلال ما تبقى من أشهر العام الحالي إلى 43.7 ملياراً والى 45.6 ملياراً في نهاية العام المقبل.
بالرغم من ذلك، أبدى مراقبون اقتصاديون تفاؤلاً بشأن الاتفاق، الذي وقعته الخرطوم وجوبا في ما يتعلق بحل الديون المستحقة على السودان، بعدما مثلت هذه المسألة واحدة من أعقد الملفات الاقتصادية منذ انفصال جنوب السودان في تموز 2010.
ورأى المحلل الاقتصادي، محمد الناير، أن اتفاق التعاون بين البلدين يعد مؤشراً متقدماً لإمكان التوصل إلى صيغ مع الدائنين، ولا سيما أن الاتفاق «نص على تكوين فرق مشتركة بين الخرطوم وجوبا للتحرك وسط الدائنين والمجتمع الدولي للاعفاء من الديون، في مهمة وضع لها مسؤولو البلدين مدة عامين». أما في حال فشل البلدين في مسعاهما، فرأى الناير «أن الطرفين سيلجآن إلى خيار تقاسم تلك الديون، استناداً إلى نصوص الاتفاق الموقع أخيراً، وهي خطوة لا تخلو من الصعوبة، لارتباط تلك القضية بالأصول الموروثة في البلدين من بنى تحتية وما إلى ذلك».
ويقدر صندوق النقد الدولي أصل ديون السودان الخارجية بنحو 15.5 مليار دولار، بينما يمثل بقية المبلغ، والبالغ حوالى 26 مليار، فوائد تعاقدية وجزائية ناتجة عن تأخر سداد تلك الديون، إضافةً إلى اقتراض جديد دخلت فيه الحكومة السودانية أخيراً بسبب الضائقة المالية التي حلت بالبلاد عقب خروج إيرادات النفط عن دائرة الدخل القومي للبلاد، بعد انفصال جنوب السودان، بعدما فقدت الخرطوم 75 في المئة من عائداتها من النقد الأجنبي، وهو ما أثر في موازنة الدولة بمقدار 36 في المئة.
ويعدّ سد مروي، الذي جرى الانتهاء من تشييده في شمال السودان في آذار 2009، من أكبر المشاريع التي مُوّلت بواسطة قروض خارجية. وبلغت كلفة المشروع 2.4 مليار دولار، أسهمت صناديق التمويل العربية بما يقارب نصف القيمة.
وامتدح صندوق النقد الدولي، الاتفاق الذي وقع بين السودان وجنوب السودان أواخر الشهر الماضي، مشيراً إلى أن ذلك مكسب للدولتين، بسماحه بتدفق النفط مرة ثانية، وبالتالي تعويض ما فقده البلدان من موارد مالية
ونقدية.
وقال الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في السودان، بول جينكينز، عقب اعلان الصندوق عن الرقم الجديد الذي وصلت إليه ديون السودان، «إن صندوق النقد يرى أن أحد المفاتيح والعناصر الأساسية لعملية اعفاء ديون السودان يتطلب توافر الرغبة السياسية للدائنين كافة».
وأضاف «في النهاية، فإن القرار سياسي من الدرجة الأولى، لا اقتصادي». ورأى أن الحوار مع الدائنين، الذي قررت الخرطوم وجوبا الدخول فيه، ربما يؤدي إلى إعفاء الديون المستحقة على السودان من قبل الدائنين التقليديين، مثل دول نادي باريس. ومن المعروف عن هذه المجموعة، أنها تعفي ديونها حسب لوائح وأسس محددة متبعة مع الدول التي تعاني مشاكل الدين الخارجي.
وكان وزير الخارجية السوداني، علي أحمد كرتي، قد طالب بالإعفاء من ديون بلاده، وذلك خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، مشدداً على أن السودان «يطلب المساعدة لعبور هذه المرحلة الحرجة، نحو آفاق أفضل». ورأى أنه «من أجل ذلك، يؤمن السودان بضرورة اسقاط ديونه ودعم اقتصاده».
أما واشنطن، فأعلنت في آب الماضي، عن تخصيصها مبلغ 250 مليون دولار ضمن ميزانية العام المقبل للمساهمة في خفض ديون السودان الخارجية، لكنها ربطت عرضها بتسوية الوضع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وهو ما رفضته الحكومة السودانية في
حينه.