فقد العدو الإسرائيلي، ذات مرة، جندياً على الأراضي اللبنانية. الجندي كان محارباً. آلة قتل على قدمين. هذا العدو «خرب الدنيا» من أجل جنديّه المفقود. جعله قضية رأي عام دولي. سنوات طويلة مرّت واسم رون آراد أصبح محفوراً، عنوة، في أذهان العالم. هكذا يتصرّف عدو لبنان مع حملة جنسيته الهجينة.
ماذا عن شعب «الحمّص والكبّة النيّة والمعاليق؟» من يحفظ هنا أسماء اللبنانيين التسعة في سوريا؟ وزير الداخلية لا يعرف. إنهم تسعة. إنهم رقم. كأنهم «تسعة عبيد صغار». لكل واحد منهم قصة إفراج خاصة. أين أصبحت قضية هؤلاء؟ إليكم أجوبة المسؤولين والمعنيين والمتألمين.
البداية مع وزير الداخلية مروان شربل. الرجل «الحنون» جداً. «القرفان» من البلد وما فيه. المتحسّر على أمن «شبه مهزوز». القضية عنده «ما زالت قيد المتابعة». كيف ولماذا وأين ومتى... كلها أسئلة يجيب عنها بصيغة واحدة: «إن شاء الله خير». من جهتها، الأجهزة الأمنية، المعنية وغير المعنية، لا تريد الحديث عن الموضوع. هؤلاء أيضاً لا يحفظون أسماء المخطوفين. إنهم تسعة أيضاً. لا يمكن «البوح» الآن بأي معلومات. هل يسعهم، أصلاً، أن يقولوا: «ليس لدينا معلومات»! أما أهالي المخطوفين، فهؤلاء، وهم من جنس البشر، لا يعلمون شيئاً. يقول أحدهم: «بعد الإفراج عن عوض إبراهيم، لم يتواصل معنا أحد. مثلنا مثل الجميع». الأهالي لديهم خوف الآن. وصلهم أن «أبو ابراهيم» منزعج من تصريحاتهم للإعلام. أوصل إليهم، بطريقة ما، أن «بعض التصريحات العنفوانية تزعجه، ويمكن أن يؤذي المخطوفين، إذا استمر يراها في الصحف». الرجل يقرأ إذاً. إنه حساس أيضاً. كيف أوصل «حساسيته» هذه إلى الأهالي؟ الجواب: «جهات سياسية في الشمال». هذه الجهات، نفسها، التي تظهر في الإعلام كمعارضة للنظام السوري، قالت لبعض الأهالي: «الخاطفون ليسوا من الثوار. إنهم من مهربي المخدرات». هذا على ذمة الأهالي. ذمة هؤلاء، حتماً، أوسع من ذمة «أبو إبراهيم». وأبعد من هذا الرجل، ثمة كنية جديدة أطلت على القضية حديثاً... «أبو محمد». يقال إن هذا أعلى من الأول. إنه «كبير القوم». بعض أصحاب «السواطير» يقولون إنه يحمل جنسية هولندية، وإنه متضلع في الدبلوماسية، ولهذا فهو يمثل خط التواصل مع بعض الشخصيات السياسية اللبنانية.

الأهالي والأتراك

ثمة اقتناع لدى بعض أهالي المخطوفين، بأن تركيا، بنحو أو بآخر، هي «المسؤولة الأولى عن عملية الخطف». أحدهم سأل المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، عن كيفية تسليم تركيا مواطنها المخطوف في لبنان، من دون الحصول على ضمانات بالإفراج عن اللبنانيين؟ أجابه اللواء: «لدينا معطيات وكل شيء سيكون على ما يرام». كان يومها السفير التركي حاضراً. من جهته، يقول دانيال شعيب، شقيق المخطوف عباس، إن «الأتراك ضحكوا علينا جميعاً. لقد أفرجوا عن اثنين من المخطوفين، في مقابل التركيين، ربما كان يجب أن يخطف لهم 11 تركياً حتى يفرج عن كل المخطوفين اللبنانيين». الأهالي علموا أخيراً أن تركيا تلقت لوماً من الاتحاد الأوروبي. لهذا، بادر عدد من هؤلاء إلى إعداد ملف يثبت وجود رابط بين الخاطفين والسلطات التركية. ويتضمن الملف وثائق وصوراً وتسجيلات فيديو تثبت الصلات العميقة بين الخاطفين وأجهزة الأمن التركية. وبعد الانتهاء من هذا الملف، سيرفع معدّوه دعوى على تركيا أمام محاكم أوروبية، وسيبحثون إمكان اللجوء إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.

المساعي السلفية

كان للشيخ السلفي سالم الرافعي، المقيم في طرابلس، دور في الإفراج عن كل من حسين عمر وعوض إبراهيم. فبحسب الشيخ، حصل ذلك بـ«دافع إنساني ومن خلال علاقتي ببعض المرجعيات الإسلامية في سوريا وفي تركيا». لكن أين أصبحنا اليوم؟ يجيب الرافعي: «لا جديد في القضية. أنا نفسي لا أعرف شيئاً. بل لا أعد الأهالي بأي شيء الآن. لكن طبعاً سنستمر في السعي».
أحد المتابعين للقضية، ذكر أن «أبو محمد» أخبره بتشكيل لجنة للتفاوض، يكون أحد النواب اللبنانيين عضواً فيها، وكذلك «أحد الإعلاميين في قناة تلفزيونية محلية». «أبو محمد» أخبر المتابع بذلك عبر رسالة نصية على الهاتف. إنه كزميله «أبو إبراهيم» إذاً، يستخدم تقنية الـ«SMS». لا تنافر بين السلفية وهذه التقنية. «الواتس آب» أيضاً وسيلة يستفيدون منها. إنه مما لا يبطل الوضوء طبعاً، وهو مفيد، حتى لو لم يكن مستخدماً في زمن «السلف الصالح».
من جهته، طالب الشيخ عباس زغيب، المكلف من جانب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الحكومة التركية بـ«الإسراع في إنهاء ملف المخطوفين التسعة، الذين ما زالوا قيد الاختطاف في منطقة أعزاز على الحدود السورية التركية». ولفت زغيب إلى أن «القصف المتبادل الذي حصل على الحدود، بين سوريا وتركيا، يشكل خطراً على حياة المختطفين التسعة، لأنهم موجودون في تلك المنطقة». وحمّل الشيخ الدولة التركية «مسؤولية النتائج المترتبة على استمرار احتجاز اللبنانيين، والأهالي يطالبونها بالإسراع في إنهاء هذه المأساة».
إلى ذلك، برز موقف للشيخ السلفي، إبراهيم الزعبي، أعلن فيه: «ما نسمعه من تدخل لحزب الله عسكرياً وقصفه بعض القرى السورية أمر خطير، ونحن بدورنا نتحقق مما تناقله بعض الأخوة من الثوار ووسائل الإعلام، وإن صح ما يقال فعندها يبنى على الشيء مقتضاه». الزعبي، وهو رئيس «حزب الأحرار السوري» المسلح، كان يعرّف عن نفسه بأنه أحد الوسطاء في قضية المخطوفين. ها هو اليوم يغمز طائفياً. طبعاً، وبعد حديثه عن المشروع الصفوي، ختم قائلاً: «نذكّر حزب الله بأن غداً لناظره قريب».