يوم أمس، رُقي وسام الحسن إلى رتبة لواء. ربما يكون أصغر ضابط برتبة لواء في الجمهورية، لكنه حمل رتبتين: لواء وشهيد. كان منتظَراً أن يحمل الرتبة الأولى وحدها في العام المقبل، ويصبح مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي. وعندما كان يسمع مزاحاً من يستخدم تلك الرتبة في مخاطبته، كان يرد مبتسماً: لا تضعني في صراع مع القدر. ما أقوم به مصيره واحد من ثلاثة. إذا كان حظّي جيداً، فالمنفى أو السجن، وإلا فالقبر. لم يختر وسام الخيار الثالث بإرادته. فاجأه الموت وهو قاصد مكتبه. غادر ذلك المنزل المشؤوم في الأشرفية. وهذا المنزل لم يحمل لوسام سوى سوء الطالع. قبل أشهر، عرف الحسن أن منزله السري في الأشرفية قد انكشف. صار البيت «ساقطاً أمنياً»، لكنه لم يغيّره. ولم يبدل عاداته اليومية. قال له كُثر: المنزل مكشوف. اتركه، لكنه لم يكن يعير هذه النصائح أي اهتمام. ويوم أمس، وبعد عودته (في اليوم السابق) من زيارة عمل إلى العاصمة الألمانية، خرج من منزله وحيداً. لم يسر قبله موكب وهمي. ولا استقل سيارته المصفحة. اكتفى بسيارة وحيدة، فيها مرافقه الشهيد أحمد صهيوني. وفي نقطة موت محتوم، خطفه قاتل لئيم. لم يُجد وسام الحسن، الصياد الماهر، التعامل مع كونه في الجانب الآخر من منظار القناص. بدا أمس في موقع الغزال الذي حنّطه ووضعه إلى جانب أسد وفهد في مكتبه. هناك، حيث يظهر جزء من دور الرجل. الضابط الشاب حمل بين يديه ملفات لم يحملها أحد أبناء سلكه في لبنان. من مقر الاستخبارات الأميركية في لانغلي، وصولاً إلى قصر المهاجرين في دمشق. وبينهما، صلات لا تنقطع مع البريطانيين والفرنسيين والروس والأتراك، وبالتأكيد، مع الدول الخليجية والعربية كلها. كان وسام الحسن الابن الشرعي لنظام ما بعد الانسحاب السوري من لبنان. لم يُخفِ يوماً موقفه السياسي وموقعه. هو في صلب الفريق الاستشاري المحيط برئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لكنه ليس من أولئك الذين يطأطئون الرأس قائلين «أمرك شيخ». ربما كان أكثرهم عقلانية. في حرب تموز 2006، رفع الصوت مطالباً بعودة الحريري إلى لبنان. وقبل السابع من أيار، عارض «مسخرة» الشركات الأمنية وتسليح بعض تيار المستقبل، ثم نصح بألا تأخذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى قراريها الشهيرين (تفكيك سلاح الإشارة التابع للمقاومة، وإقالة العميد وفيق شقير من رئاسة جهاز أمن المطار). وعندما اندلعت المواجهات العسكرية في ذلك اليوم المشؤوم، سعى قدر الإمكان إلى تحييد مناطق عن الصراع، بعدما تحول مع اللواء أشرف ريفي وصديقه العقيد حسام التنوخي إلى قناة التواصل الوحيدة بين الحريري وحزب الله. ورغم الثقة المفقودة بين الحسن والحزب، لم يتوقف التنسيق الأمني بينهما، في مكافحة التجسس الإسرائيلي، وفي غيره. وكما التنسيق، كذلك تضاعف الإعجاب المتبادل بالأداء الأمني للطرفين. في إحدى خزائن مكتبه، يعرض وسام بندقية كلاشنيكوف ذهبية اللون. سئل عنها بقصد المماحكة يوماً: هل هي من صدام حسين؟ أجاب بابتسامة طفل بعد فترة صمت: هي هدية من سماحة السيد. لا يتحدّث عن الأمين العام لحزب الله إلا ويستخدم هذه الصفة.
فكما الرئيس رفيق الحريري، لم يكن وسام الحسن يقطع صلته بأحد. يحفظ جيداً عن الأخير ما قاله له عن «لبنان الذي يطحن التاريخ وصانعيه». الرجل مطبوع بالحريري الأب. أدار مكتبه منذ عام 1995. وعندما خرج الحريري من الحكم عام 1998، نفي الحسن إلى معهد قوى الأمن الداخلي، قبل أن يعيده غازي كنعان إلى إدارة مكتب الحريري، بناءً على طلب الأخير. وعندما خرج الأخير من الحكم في المرة الثانية (عام 2004)، استقال الحسن، قبل أن يعود عن استقالته ليتعامل مع التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري كما لو أنها قضية شخصية إلى أبعد الحدود. وانطلاقاً من هذه القضية، بنى الحسن الجهاز الأمني الأقوى في دولة ما بعد الطائف. كان يمكن زوار الحسن الدائمين أن يصادفوه أحياناً قليلة في اجتماعات مع مجموعة من الشبان الذين لا يربطهم أي شبه بالصورة النمطية لرجال الاستخبارات. يبدون من أولئك الذين يقضون وقتاً طويلاً خلف كيبورد الكومبيوتر. علاقتهم به تلقائية. هم في ذلك كضباط رفيعي المستوى، لكنهم في الحقيقة مجندون. منح الحسن أعضاء فريق عمله ثقة وحماية كبيرتين، وخلق لهم «عصبية» جعلتهم فخورين بأنفسهم وبما يُنجزون. كان يعرف مكامن الخلل في جهازه، وخاصة خارج دائرة القرار الضيقة. سعى إلى إصلاحها، «لكن الجود من الموجود».
في علاقاته الأمنية الخارجية، لا يخفى موقعه على أحد، لكنه لم يعتد أيضاً الانحناء امام استخبارات الرجل الأبيض، كعادة معظم رجال الاستخبارات العرب. وأحياناً، لم يكن يفكّر مرتين قبل أن يرفض ما كان يريد بعض «أصدقائه» أن يفرضوه عليه.
لوسام الحسن أعداء كثر. ليس هذا القول ذريعة لإضاعة دمه بين القبائل، لكنه كان يعرف أن رأسه مطلوب من دوائر كثيرة، وهو الذي «لم تترك له هالشغلة صاحباً»، لكن الرجل لم يعد يعير أي اهتمام عملي للخطر الأمني خلال السنتين الماضيتين. «قول الله». عبارة ينهي بها أي كلام حريص بشأن استهتاره الأمني. أراد وسام الحسن أن يعيش حياة شبه طبيعية. والحياة كانت تليق به.