لنحاول قليلاً الدخول في عقل من قرر ونفذ اغتيال وسام الحسن؟ بالتأكيد هو (شخص أو جهة أو دولة) يصنّف الحسن على أنه عدو وجب التخلص منه. وأن الخطوة قد تعني معاقبته على فعل ما، أو منعه من القيام بأمر ما، أو تحويل اغتياله إلى رسالة ذات أبعاد أمنية وسياسية إلى جهات يرى القاتل أنها تقف خلف الحسن. وبالتالي، فإن من قرر العملية، كان عليه إلى جانب البحث اللوجستي والتقني في كيفية التنفيذ، أن يدرس انعكاسات الفعل وردوده على خطوة من هذا النوع إن فشلت، وانعكاسات الفعل وردوده عليها إن نجحت.
أي عاقل، أو رجل في رأسه عقل، وبعد التجارب التي عاشها لبنان خلال العقد الأخير، يعرف أن اغتيال شخصية بحجم الحسن سوف تترك آثاراً مدوية. ولكن هذا العاقل، قد يقرر السير في مخططه إن هو حسب جيداً ردود الفعل المتوقعة. ويتضح من نوع العملية أن الجهة المنفذة محترفة للغاية، ما يعني أننا أمام احتمالات محدودة:
الأول: تورط جهات لبنانية على تنسيق مع جهات خارجية، لأن النتائج السياسية المباشرة لعملية بهذا الحجم يفترض أن تصبّ في خانة فريقه السياسي. ومن شأن الاغتيال أن يستنهض التيار الذي ينتمي إليه الحسن. وبالتالي، من المفترض أن تكون النتائج سلبية جداً على هذه الجهة، إذا كانت من خصوم 14 آذار.
الثاني: أن تكون الجهة المنفذة ذات ارتباطات سياسية خارجية تتيح التقدير بأن الاغتيال لن يحدث تحولاً كبيراً في المشهد السياسي الداخلي، ولا حتى في المشهد الإقليمي أو الدولي حيال لبنان. وبالتالي، تكون هذه الجهة قادرة ليس فقط على تنفيذ خطة تستهدف التخلص من عدو، بل إنها تكون ضامنة أن الأمر سيظل في إطار محدود.
الثالث: أن تكون الجهة معادية لكل شيء في لبنان، مثل إسرائيل. وسبق للحسن أن تلقّى تحذيرات من قبل أجهزة استخبارات عربية، مفادها أن إسرائيل منزعجة منه بسبب تعاونه مع حزب الله في كشف شبكات تجسس تابعة لها في لبنان .
الرابع: أن يكون تنظيم «القاعدة» قرر استباق مواجهة مرتقبة بينه وبين الحسن، حيث تظهر معطيات كثيرة، بينها نتائج آخر اجتماع عقده الحسن مع مدير الاستخبارات المركزية الأميركية ومعاونين للأخير، أن الحسن كان شريكاً في عملية جمع معطيات مباشرة عن عمل المجموعات التابعة للقاعدة في لبنان والمنطقة. وجرى الاتفاق على تبادل المعطيات بين الحسن والأميركيين بشأن عمل هذه المجموعات في لبنان وسوريا.
هل من إمكانية لشطب احتمالات مطروحة في التداول الآن؟
نعم، وربما بما لا يعجب جهات كثيرة اليوم. حيث هناك ألف سبب وسبب لاستبعاد سوريا من دائرة الاتهامات. والضالعون في العمل الأمني يقرّون بأن من الغباء الاعتقاد بأن اغتيال الحسن جاء رداً على كشف قصة ميشال سماحة، وذلك لأسباب كثيرة، بينها أن الأزمة السورية كشفت عن ترهّل كبير وخطير في المؤسسة الأمنية السورية، وأن أبسط الإجراءات الأمنية لم تكن متخذة لمواجهة ما تعرض له رجال النظام في أكثر من مكان، إذ كيف يمكن جهة أن تنفذ عملاً فائق الدقة والاحتراف، بينما هي لا تعرف كيف تحمي مراكزها من الاختراق البسيط؟ هل يتذكر الجميع كيف نجح المعارضون في تسميم كبار ضباط مكتب الأمن القومي، ثم عادوا ونفذوا عملية اغتيال بعد إدخال متفجرات إلى قاعة الاجتماعات؟
كيف يمكن دولة ينشق رئيس الحكومة فيها ويبقى في البلاد ثم يغادر إلى بلد آخر، ولا تقدر على كشفه أو اعتقاله، أن تظهر فجأة عالية الاحتراف في عملية أمنية يتطلب الجهد الأمني الممهّد لها عملاً دؤوباً ومحترفاً؟
كيف يمكن من تبيّن أنه غبي إلى أبعد الحدود، خلال إعداد خطة ميشال سماحة لمواجهة معارضي النظام في لبنان، أن يكون فائق الدقة بعد أسابيع، وينفذ عملية اغتيال كالتي تعرض لها الحسن؟ سابقاً، كان البعض يتندر بأن النظام السوري مسؤول عن محاولات اغتيال مروان حمادة والياس المر ومي شدياق، والدليل هو فشل هذه العمليات!
الآن، يتابع فريق متخصص أعمال التحقيق. والمعطيات المتوافرة حتى الآن تقتصر على صور لعملية ركن السيارة المفخخة، وتوقيته، وصور بعيدة وغير واضحة للأشخاص الذين نقلوا السيارة إلى هذا المكان. ثم هناك تحقيق سيبقى مكتوم القيود إلى فترة طويلة، يتعلق بكيفية تثبّت الجهة المنفذة من وصول الحسن إلى بيروت أولاً، ومن ثم قراره الانتقال إلى شقة الأشرفية التي باتت مكشوفة منذ فترة، ومن هم الأشخاص الذين أتيح لهم التعرف إلى هذه المعطيات، وهل هم على علاقة بالجهة المنفذة أم أنهم كانوا محل مراقبة مكّنت الجهة المنفذة من الوصول إلى الحسن؟ ثم ماذا عن آلية التفجير، وطبيعة العبوة، وثقة الجهة المنفذة بالقدرة على تحقيق الهدف بهذه الدقة والسهولة، وأي آثار تركها المنفذون خلفهم؟ وهل يمكن داتا الاتصالات أن تفيد في الكشف أم لا؟ وما هي طبيعة الحركة التي قامت في هذه المنطقة أخيراً، وكيف يتصرف الجناة براحة كبيرة؟
بينما يتلهى تافهون في لعبة استثمار الدم، ثمة عائلة مصابة بنكبة كبيرة. وتكفي مراجعة صور نجلي وسام، لنعرف حجم المأساة الشخصية، وهي وحدها التي تبقى في الذاكرة.