الاتهام السياسي الذي سارع فريق 14 آذار إلى إطلاقه ضد سوريا في جريمة اغتيال العميد وسام الحسن له وظيفته المحصورة في التعبئة الشعبية. وهو اتهام لا يخرج عن السياق السياسي لعمل هذا الفريق الذي كان يراهن ولا يزال على سقوط النظام في سوريا، لاعتقاده أن ذلك سيسهّل سيطرته على البلاد. ومع جريمة اغتيال الحسن، لم يجد هذا الفريق سوى العودة إلى هذا الاتهام، لكن الخطوة الفعلية كانت ولا تزال في تأمين عودته السريعة إلى السلطة، بعدما أظهرت المعطيات الإقليمية أنه قد يطول وقت انتظار سقوط النظام في سوريا.
لكن هل ما تقوله التحقيقات في الجريمة، أو ما يقوله الأقطاب الأمنيون، أو حتى بعض رموز 14 آذار، هو ذاته في الحلقات المغلقة؟
الواضح أن التحقيقات الفعلية في الجريمة تركز الآن على ثلاثة جوانب من المعطيات:
الأول يتصل بالعناصر الجرمية الحسّية، وهنا يجري البحث عن سبل للتعرف إلى هوية أشخاص شوهدوا في شريط مصور لكاميرا تابعة لإحدى المؤسسات في المنطقة. ويكشف الشريط أن سيارة كانت تقف في الشارع حيث جرى التفجير، ثم أزيلت من المكان لتُركن في مكانها، فوراً، سيارة «تويوتا راف 4» قبل ساعات من حصول التفجير، فيما انسحبت السيارة الأولى إلى جهة مجهولة. ويجري التحقق من إمكان أن تكون السيارة الأولى مزروعة في وقت سابق من قبل الجهة المنفذة، وأن وظيفتها كانت حجز مكان للسيارة المفخخة التي زنّرت بعبوات كبيرة، جرى تفجيرها لحظة وصول سيارة الحسن، التي بدت تعبر جانباً من سيارة التويوتا قبل وقوع الانفجار. ويُرَجّح حتى الآن أن تكون كمية المتفجرات هادفة إلى تدمير كامل لسيارة الحسن، مع احتمال أن تكون الجهة المنفذة وضعت عبوة كبيرة على خلفية أن الحسن قد يكون في سيارة مصفّحة. وبالتالي، فإن التحقيقات جارية الآن لمحاولة التعرف إلى هوية الأشخاص الذين ظهروا في الشريط، كذلك جمع معلومات مفصلة عمن كان يستعمل السيارتين: تلك التي اختفت، وسيارة التويوتا التي انفجرت.
الثاني، وهو يتعلق بجانب عملي وله طبيعة الدليل، لكنه ليس دليلاً حسياً يمكن الحصول عليه من مسرح الجريمة. ويتعلق بمحاولة استنتاج هوية ما للمنفذين، من خلال العودة إلى داتا الاتصالات التي تكشف نوعية المكالمات التي حصلت في هذه المنطقة قبل التفجير وبعده، إضافة إلى أرقام ونوعية الهواتف التي كانت في هذه المنطقة خلال مدة زمنية معينة، ومحاولة إجراء عملية تقاطع لإبعاد المعطيات الخاصة بناس عاديين، وحصرها بعناصر لم يسبق أن تحركت هواتفها في هذه المنطقة. كذلك يجري البحث عن نوع الهواتف التي قد تكون استعملت، وبالتالي محاولة الوصول إلى هوية من استعملها سابقاً أو أنها جديدة ومشغلة للمرة الأولى كما هي حالة أرقام هواتف قد تكون من ضمن دائرة الأرقام المشتبه فيها.
الثالث، يتعلق بأعمال المراقبة، إذ إن التحقيقات في شأن كيفية تعقّب العميد الحسن، تأخذ في الاعتبار ليس فقط المرحلة الممتدة من لحظة وصوله إلى لبنان، ولحظة مغادرته مكتب الأشرفية السري قبل لحظات من حصول التفجير، بل أيضاً اتصالاته التي أجراها بعد مغادرته برلين حيث كان برفقة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، والوفد الأمني.
وتشمل عملية التدقيق هذه لائحة الذين اتصل بهم الحسن، سواء من أرقام هواتف معلومة من قبل فريقه أو المقربين منه، أو من هواتف أخرى قد تكون استخدمت من قبله. وفي هذا المجال، وردت إلى الجهات القضائية المعنية بالتحقيق معلومات عن أن الحسن كان قد تواصل مع إعلامية لبنانية واتفق معها على لقاء في مكتب الأشرفية السري صباح يوم الجمعة، وأن العودة إلى داتا هاتف الإعلامية نفسها، ستسمح بالتدقيق في آلية الاتصال ومدته وتوقيته وربما مضمونه أيضاً أو مضمون أي رسالة نصية قد يحتمل حصولها بين الحسن وبين هذه الإعلامية. وسيطلب القضاء من المحققين الاستماع إلى إفادة هذه الإعلامية التي كانت مصدر معلومات للحسن، لأجل التثبّت من عدة أمور، بينها:
ـــ هل كانت هناك وسائل تواصل بينها وبين الحسن غير الهاتف الخلوي؟ وهل كانت الاتصالات تحصل من أرقام هاتفية غير تلك المعروفة ملكيتها للاثنين؟
ـــ هل جرى الاتصال بينهما قبل وصوله إلى لبنان أم بعد وصوله، لا سيما أن المعلومات المتداولة تشير إلى أن انتقال الحسن من المطار إلى شقة الأشرفية جرى من خلال آلية يستعملها هو عادة لناحية حصر العارفين بها بواحد أو اثنين على الأكثر؟
ـــ هل أبلغت الإعلامية المذكورة أحداً من دائرة معارفها، شفهياً أو عبر الهاتف أو عبر اتصالات إلكترونية عن موعدها المقرر مع الحسن؟ أو هل تحدثت عن مكتب الأشرفية الذي كان يستخدمه الحسن للقاء مصادر يفضّلون عدم اللقاء به في مكتبه المعروف أو في أماكن عامة؟
ـــ هل حصل أن تحدثت هي عن لقاءات سابقة جمعتها بالعميد الحسن في مكتبه العلني أو في مكتب الأشرفية أمام أصدقاء لها؟ وهل أشارت إلى الأمر عبر اتصالات هاتفية أو إلكترونية؟
ـــ هل أجرت الإعلامية اتصالات بعد مغادرتها شقة الأشرفية قبل وقت قليل من مغادرة الحسن وحصول الانفجار؟ وهل يمكن التأكد من أنها لم تكن تحت مراقبة الجهة المنفذة؟
ما تقدم أسئلة يريد القضاء الحصول على إجابات عنها، من أجل التوسع في التحقيق في هذا الجانب، أو إقفاله نهائياً.