بموكب أمني مؤلف من عدة سيارات بزجاج حاجب للرؤية، يتنقّل الظلّ الأمني لـ«تيار المستقبل». يرافقه مسلّحون على أهبة الاستعداد دوماً، ينتشرون بين يديه ومن خلفه. يرقبون من البعيد خطراً قد يُحدق به. يقف أحدهم قرب مدخل أحد المطاعم في طرابلس، يشدّ انتباهك أثر وشمٍ قديم في يده. يفتح الباب بعد أن يومئ برأسه بأن يفسحوا لـ«ضيف المعلّم». في الداخل، كان ينتظر المسؤول العسكري لتيار المستقبل العقيد المتقاعد عميد حمود. لم يسبق أن خرج الظل الأمني لـ«التيار الأزرق» إلى العلن. يُعرف بالاسم من غير صورة. قلّما تجد معارضاً سورياً لم يسمع به أو يلتقيه. ورد اسمه في العديد من التقارير التي تُعدّها الأجهزة الأمنية الرسمية، مشيرة إلى انخراطه في عمليات تسليح مقاتلين سوريين وتجنيد شبّان وإرسالهم للقتال ضمن الأراضي السورية دعماً لـ«الثورة» القائمة هناك، فضلاً عمّا يتردد عن علاقات واسعة إقليمياً يوظّفها العقيد المتقاعد لصالح مشروعه. يُحكى الكثير عن الضابط الذي تقدّم باستقالته لـ«شعوره بالمهانة من أداء الجيش» أثناء أحداث أيّار 2008.
في أوّل مقابلة صحافية معه، يعيد المسؤول العسكري لـ«تيار المستقبل» ترتيب الأولويات. ينطلق عميد حمود (مواليد 1962) في حديثه من الكلام عن والديه والمنزل المتواضع الذي خرج منه. يحكي عن تديّنٍ مبكر عايشه. يسترجع الأيام التي سبقت دخوله الكلية الحربية، فيذكر أن 44 شهيداً سقطوا خلال الحرب الأهلية من أبناء قريته (راس نحاش في منطقة البترون). يُخبر أن استشهادهم كان دافعه للانضمام إلى الجيش في عام 1983، مشيراً إلى أنه تقلّب في العديد من المراكز في جميع المناطق اللبنانية. تستوقفه حادثة يُعيد سرد تفاصيلها كأنه يراها. يرى أنها محطة مهمة من «تاريخه المقاوم في صفوف الجيش اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي». يذكر أنه في عام 1993 كان آمراً لسريّة الدبابات في قرية شوكين الجنوبية. ويكشف أنّ سريّته كانت السرية الوحيدة التي رمت قذائفها على تلة الدبشة ودمّرت دبابة إسرائيلية، بناءً على أوامره، «بعد استئذان قائد الكتيبة فاروق خريباني». «تلك المعركة كانت أوّل معركة ضخمة إلى جانب المقاومة». يحكي عن اندفاعه وحماسته لخوض «المعركة المقدسة» التي لم يكن ليثنيه عنها شيء، فيذكر أنّه عقب هذه العملية، «أُحرجت قيادة الجيش مني فأرسلتني في مأذونية 5 أيام باعتباري مزعجاً، علماً بأنهم كانوا يستدعون الاحتياط». يُعدد أسماء قياديين ميدانيين في حزب الله في تفاحتا وحومين التحتا باعتبارهم كانوا أعزّ الأصدقاء له. يتحدث حمود عن المقاومة بشغف، فيستعيد أحداث حرب تموز، لكنه لا يلبث أن يستدرك قائلاً: «أعلم أن هناك فتنة شيعية سنّية يُهيّأ لها، لكني لست من ينفخ في نارها».
يُخبر حمود عن مرحلتين في حياته. مرحلة ما قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري، ومرحلة ما بعده. يذكر أن شاغله في المرحلة الأولى كان نهج المقاومة وحدها، لكنه يلفت إلى أن اغتيال الحريري دفعه إلى إعادة حساباته. يتحدّث عن يقين راسخ لديه بأنّ النظام السوري هو من قتل الحريري، وبأن «حزب الله متورط في قتل الحريري حتى أُذنيه». ينتقل إلى أحداث السابع من أيار. محطة انتقالية ثانية في حياته. يُخبر أن «اتخاذ حزب الله قرار اقتحام بيروت وسقوط ضحايا، وإذلال الناس فيما الجيش عاجز و«مكربج» من السلطة السياسية»، هي وقائع أحدثت في نفسه جرحاً لن يندمل. يذكر أنه تقدّم بطلب استقالته مع 120 ضابطاً، فكتب: «أتقدم باستقالتي لشعوري بالمهانة من أداء الجيش أثناء اجتياح الميليشيات لبيروت». يخبر كيف حاول قائد الجيش (العماد ميشال سليمان حينها) ثنيه عن قراره، لكنه بقي مصرّاً. يشير إلى أن جميع الضباط تراجعوا عن الاستقالة باستثنائه: «لن أعود إلى مؤسسة مغلوب على أمرها. لا أرضى أن أكون مذلولاً في أي مكان».
يذكر أنه كان يُفكّر في كيفية العمل «لاستنهاض الساحة السنيّة»، لكنه فوجئ «بأبنائها المرعوبين». بنظره، السبيل إلى تقوية الطائفة يكون عبر جمع كلمتها، لكن «التشتت كان سيّد الموقف». يحمّل المسؤولية هنا إلى ترهل تيار المستقبل وعدم نضج القيادات الناشئة التي «تُهمّش الطاقات». يتحدث عن قيامه بجولات إلى العديد من المناطق ذات الغالبية السنية، فيما كانت الأوضاع تتطور محلياً ودولياً. يتحدث عن «تجمّع «أنصار المستقبل» الذي تتفرّع منه «أفواج المستقبل»». يكشف أن الرئيس سعد الحريري أرسل وراءه عارضاً عليه تسلّم ملف «أنصار المستقبل» (أي القوى المسلحة التابعة لتيار المستقبل). «اعتذرت في البداية، باعتباري لم أكن قد ثبّتُّ قدميَّ بعد، لا سيما أن أعدادهم كانت تصل إلى 15 ألف شخص». لم يكترث الحريري لتبريراته، وسلّمه ملفّهم، طالباً إليه تقديم اقتراح خلال ثلاثة أسابيع. يذكر حمود أنّه أعدّ دراسة شاملة عن المنتسبين، كاشفاً أنه استعان بضبّاط استخبارات. يروي كيف زار الحريري بعد انقضاء المهلة ليقدّم اقتراحه قائلاً: «هؤلاء هم سبب هزيمتك في أيار». يخبر أنه اكتشف أن جميع الأجهزة والأحزاب اللبنانية لها عيون في «أنصار المستقبل أكثر من تيار المستقبل نفسه». ولمّا سأله الحريري عمّا يجب فعله، نصحه بإغلاق الملف للبدء من جديد في بناء تنظيم منظّم ومتماسك. وعن الغاية من ذلك، يجيب حمود بأن الهدف كان «خلق عصب يواجه حزب الله وباقي التنظيمات المسلّحة». يستعيد حمود عبارات من أحد مقالات «الأخبار» عن محاولته إسقاط تجربة حزب الله على الطائفة السنية، قائلاً: «يا ليتني أستطيع إنشاء تنظيم بنفس حرفية حزب الله ومهنيته. تلك أمنية لا أُنكرها، بشرط أن أكون في خدمة طائفتي ووطني فقط وليس المشروع الفارسي أو السوري». يؤكد حمود أنه «لا يعارض أن تكون الطائفة الشيعية قويّة، لأن في قوتها قوة للبنان، لكنه يرفض ارتهانها لسوريا وإيران».
في طرابلس، يُحكى عن عميد حمود كواحد من أبرز قادة المجموعات المسلحة التي تنتشر في الشوارع «في حالات الطوارئ»، أو للقتال على جبهة التبانة ـــ جبل محسن. يرد هو بالقول: «لي مونة عليهم، لكنهم ليسوا لي. أُرسل دوماً بطلب مسؤولي المحاور وألتقيهم. لن أجيب إذا سألتني هل تقدم لهم سلاحاً، لأن من الطبيعي أن أدفع لهم أموالاً وهم يشترون».
ينفي حمود الاتهامات التي تحكي عن تجنيده شبّاناً للقتال في سوريا، مشيراً إلى أنّ معظم اللبنانيين الذين يشاركون في القتال في سوريا خرجوا بدوافع شخصية. يؤكد أنه «مناصرٌ من الطراز الأول للثورة في سوريا»، فيذكر أنه يوفّر المساعدة لأي جريح والمأوى لأي لاجئ سوري. يكشف أنه يتدخّل أحياناً لإطلاق سوريين يجري توقيفهم، مشيراً إلى أنه يقدّم مالاً للسوريين، حتى ولو كان بهدف شراء السلاح. يجزم بأنه لم يتورّط في توزيع السلاح شخصياً، لكنه يكشف أنه يعرف الكثير من تجار السلاح الذين كان يُرشد ثوّار سوريا إليهم. ليس هذا فحسب، بل يؤكد أنه لا يرى اليوم الذي سيقصد فيه سوريا «لقتال بشّار الأسد بعيداً. هذه مفخرة لي».
«ليس لدينا مستودعات سلاح»، يؤكد حمود. يُخبر أنه «لا وجود لمكان للرماية بالمسدس حتى، وأنا أقصد نوادي الرماية المرخصة لاستعمال مسدسي الخاص». في المقابل، يكشف حمود عن توجّه جديد هو ماض فيه. يعلن أنه سيبدأ «بتسليح الطائفة السنية لمواجهة حزب الله إذا لم يضع حدّاً لاستهداف البلد ووقف التفجير والقتل». يحكي حمود عن اعتقادٍ لديه بأن موازاة الحزب في القوة «ستمثّل رادعاً يدفع العقلاء إلى التدخّل». ويتحدث عن تيار داخل الطائفة الشيعية يناشد حزب الله إجراء مراجعة لممارسته باعتبار أن لا أحد منهم لديه مصلحة في معاداة السنّة في العالم العربي.
وعمّا تردد عن إرساله مسلّحين للقتال في بيروت خلال الأيام الأخيرة، يقول حمود إن لديه شباناً في بيروت، «لكن ليس لديه مسلّحون بمعنى المسلّحين». أما مسألة إحضاره السلاح وتوزيعه، فيجيب بأنه وزّع السلاح أثناء موجة العنف في عام 2008، لكنه يلفت إلى أن هذا لم يتكرر. وعن دوره في دعم المعارضة السورية، لا ينفي حمود أن عشرات السوريين قصدوه لمساعدتهم في إدخال السلاح وتهريبه عبر البحر، لكنه يؤكد أنه عملياً لم يحصل من ذلك شيء.
يؤكد حمود أنه لم يدخل سوريا ولم يُدرّب أحداً، لكنه يكشف أنه يدرس هذه الفكرة باعتبار «أننا جزء لا يتجزّأ من الثورة السورية». ومسألة اتهامه بالذهاب إلى ليبيا لإحضار السلاح، يقول إنه ذهب للتهنئة بانتصار الثورة، لكنه يستدرك: «إذا أمكنني جلب السلاح فلن أقصّر. فنحن في خندق معاد لحزب الله. نحن مستهدفون، ومن حقّنا الدفاع عن أنفسنا».



شُبهات وردود

من قتل وسام الحسن؟ سؤال يجيب عنه المسؤول العسكري لـ«تيار المستقبل»، عميد حمود، فوراً: «إسرائيل». تسأله هل أنت مقتنع بهذه الإجابة؟ فيردّ لم أستثنها يوماً. ثم يَسأل: أنت لا تتهم حزب الله؟ يجيب بنفسه قائلاً إنه لا يُبرّئهم، باعتبار أنّ منظومة الأمن عند حزب الله لا يمكن فصلها عن منظومة الأمن لدى النظام السوري. يرى حمود أن وسام الحسن كان صمام أمان للشيعة أنفسهم، لكنه يرى أن «حزب الله قد يكون متورّطاً في القتل، لا سيما أنه ثبت أنه مخروق دولياً وإسرائيلياً».
يرفض حمود تحويل الشمال اللبناني إلى واحة لـ«تنظيم القاعدة» والتشدد، لافتاً إلى أنه يُنسّق مع الأمنيين الرسميين «في كل كبيرة وصغيرة». وعن مقتل وليد البستاني (اللبناني المنتمي إلى فتح الإسلام الذي فرّ من سجن رومية ليقاتل لاحقاً إلى جانب المعارضة في سوريا حيث أعدِمَ على أيدي معارضين) ينفي حمود معرفته به أصلاً، لافتاً إلى أن الأخير كان معقّداً دينياً. ويشير إلى أن البستاني قُتل بفتوى دينية من شيخ في سجن رومية بعد قتله شابين من تلكلخ.