الدعم الدولي الذي تلقّاه الرئيس سعد الحريري في الولايات المتّحدة الأميركيّة كبير فعلاً. لقاء مع الرئيس باراك أوباما. لقاء مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وزيرة الخارجيّة الأميركيّة هيلاري كلينتون تزوره في مقرّ إقامته، ويسمع منها عبارات مؤيّدة للمحكمة الدوليّة ولشخصه بالذات. في المحصّلة، سار الحريري في الهوى الأميركيّ، ربّما على طريقة «الهوى هوايَ».لكن، من المفيد الانتباه إلى أنّها ليست المرّة الأولى التي يحصل فيها الحريري وفريقه السياسي على هذا الدعم الخارجي، الأميركي خصوصاً. فقد سبق لسعد الحريري نفسه أن أمضى أوقاتاً سعيدة مع ديك تشيني، صرّح من بعدها لصحيفة «واشنطن بوست» بأنّه سيمضي في نزع سلاح المقاومة في لبنان. وفؤاد السنيورة لم يغسل بعد البذلة التي ربَّتَ جورج بوش كتفها. أمّا سندويشات عوكر التي طُلبت على عجل لسدّ جوع كوندوليزا رايس خلال حرب تمّوز 2006، فلا يزال طعمها تحت أضراس أركان 14 آذار. أضف إلى ذلك رسائل الـ«أس. أم. أس» التي أدمن جيفري فيلتمان إرسالها إلى بيادقه على رقعة الشطرنج اللبنانيّة.
كان لبنان آنذاك شديد الأهميّة بالنسبة إلى الإدارة الأميركيّة. فهو ليس مجرّد ورقة ضغط على سوريا، بل أيضاً نموذج صالح لتعميم الرؤية البوشيّة في المنطقة. ثورة «غوتشي» مليئة بالحيويّة تمدّ أغلفة المجلات العالميّة بصورة مشرقة عن الشرق الأوسط الجديد. شرق أوسط سيبنيه الجيش الأميركيّ مكان العالم العربي القديم الذي غالباً ما يُختزَل بصورة جمل أو لقطة «ظلاميّة». كان لبنان آنذاك صورة الإنجاز الذي يهوى المحافظون الجدد تقديمه كصورة معاكسة لمجازر الفلّوجة وفظائع أبو غريب.
تدفّق الكرم الأميركيّ سخياً، وصولاً إلى حثّ إسرائيل على الإسراع في شنّ حرب على لبنان لتخليصه من «الأشرار». كرم قابله الحريريّون بتقديم درع «ثورة الأرز» إلى جون بولتون.
قصّة الغرام السعيد انتهت هنا. ذهب الزعماء اللبنانيّون إلى الدوحة. وعاد فيلتمان إلى بلاده التي امتلأت صحفها بتحليلات تحت عنوان: «لماذا خسرنا لبنان؟».
نفهم أن يستغلّ «جيف» فرصة جديدة ليعود إلى الزمن الأوّل، ليحسّن موقعه الوظيفيّ عبر إثبات أنّ استعادة لبنان ممكنة، وإن من دون محافظين جدد أو أيّ مشروع آخر سوى استخدام الوطن الصغير في البازار المفتوح في المنطقة.
نفهم ذلك تماماً. ما لا نفهمه هو أن يظنّ الحريري أنّ لبنان 2011 أكثر أهمية للإدارة الأميركيّة من لبنان 2005، وأنّ القرار الظنّي أقوى من القرار 1559، وأنّ «ثورة الأرز» لا تزال تلهب قلوب الجماهير.