عدن | عند الحديث مع القيادات الجنوبية في داخل اليمن أو حتى في خارجه، المحسوبة على أنها ضمن الحراك الجنوبي، تكون الخلاصة واحدة: الجميع مقتنع بضرورة استعادة دولة الجنوب. لكن الاتفاق على سبيل أفضل يتبناه الحراك بمختلف مكوناته للوصول إلى هذا الهدف تحول دونه رؤى متعددة. هذه الرؤى المتباينة تعود بالدرجة الأولى إلى اختلاف القوى السياسية الجنوبية في قراءة الواقع السياسي اليمني وتعقيداته، في بلد يملك موقعاً استراتيجياً وتفرض مجموعة من الدول الإقليمية والدولية وصايتها عليه.
كذلك، فإن الخلاف غير بعيد أيضاً عن كيفية تأمين «الخروج الآمن» للعبور إلى دولة الجنوب المنشودة. لكن الأهم يبقى ما تخفيه هذه الرؤى بين ثناياها من أزمة ثقة تزداد تعمقاً بين الشخصيات الجنوبية الرئيسية وآخرها التشكيك بصدقية تبني بعض هذه القيادات لشعار استقلال الجنوب وتحريره.
المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال واستعادة دولة الجنوب، إلى جانب مكونات أخرى يجري العمل حالياً على جمعها في جبهة موحدة لصياغة استراتيجية عمل موحدة يتبنى شعار «فك الارتباط» مدعوماً من نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض. قوة هذه المكونات مستمدة من نقمة شعبية في الشارع الجنوبي ترى أن التحرير والاستقلال هدف لا إمكان للمساومة عليه.
ويؤكد هذا التيار في برنامجه السياسي أن «الحوار مع نظام الاحتلال لإصلاحه عبارة عن صيغة مضللة لتصفية القضية الجنوبية. وأن أي حوار مع المحتل يجب أن يرتقي إلى مستوى التفاوض من أجل فك الارتباط واستعادة الدولة والاستقلال تحت اشراف دولي».
ضمن هذا السياق، لا يتردد صالح يحيى، نائب رئيس المجلس الأعلى للحراك والقائم بأعماله، في القول لـ«الأخبار»، إن «ما يسمى الحوار الوطني في الشمال قضية لا تهمنا كثيراً ولن نشارك فيها لأن الاشتراك فيها يعني الاعتراف بالنظام الحالي الموجود في الشمال». أما «المقبول فهو فقط تفاوض شمالي ــ جنوبي». كذلك إن «أي طرح ما دون التحرير والاستقلال لا يعني مكونات الحراك التي تمثل القضية الجنوبية، بما في ذلك طرح حق تقرير المصير» على اعتبار أن اجراء أي استفتاء في ظل الاحتلال والتأثير العسكري والأمني والارهاب مرفوض.
والأهم بالنسبة إلى يحيى أن «القيادة للقضية الجنوبية تنقسم إلى قسمين: الأول سياسي موجود بشكل رئيسي في الخارج يتقدمها الرئيس الشرعي للجنوب علي سالم البيض وقيادة أخرى تقود الميدان»، فيما «القيادة الميدانية هي التي غالباً ما تقرر مصير الشعوب». وحذر من أن كل الخيارات ستكون مطروحة في المرحلة المقبلة؛ فإلى جانب تصعيد النضال السلمي، لن يكون خيار الكفاح المسلح مستبعداً في حال انسداد الأفق. كذلك نبه إلى أن «المرحلة المقبلة سيصر فيها على تجسيد مبدأ التصالح والتسامح، لكن من دون السماح لأي عناصر تتعاون مع السلطة اليمنية بأن تضيع قضية الجنوب، لأننا سنفضحهم مع الدلائل».
هذا التحذير يأتي في وقت تشهد فيه الساحة السياسية تباينات حادة. فالقيادة الميدانية للحراك الجنوبي، كان حتى الأمس القريب القيادي حسن باعوم، يصنف لدى المجلس الأعلى للحراك بأنه من ضمن وجوهها البارزة ويوصف بـ«الزعيم الشعبي»، وها هو قد تحول اليوم إلى «شخص خلقته جهات أخرى، بينها السلطة»، وفقاً لأحمد سالم فضل، رئيس المركز الإعلامي للمجلس الأعلى للحراك، الذي تساءل أيضاً: «هل من المعقول أن يكون هناك سجين ومعه مرافق؟»، قبل أن يؤكد أن هذا الرجل «انتهى». أما محمد علي شايف، رئيس المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستقلال الجنوب، الذي كان باعوم في السابق من بين مؤسسيه، فيرى أن باعوم «شخص يعمل مع منظومة دول الإقليم ودولة الاحتلال لإيجاد حل في اطار الاحتلال».
هذه النقمة على باعوم ليست مقتصرة على عقده مؤتمراً قبل أكثر من شهر، مخالفاً بذلك رأي قطاع واسع في المجلس الأعلى للحراك. فالمشاورات كانت جارية لحل هذا الخلاف، وفقاً لما كانت تؤكده شخصيات سياسية محسوبة على الطرفين. لكن الشعرة التي قصمت ظهر البعير من الواضح أنها مرتبطة باللقاءات التي أجراها باعوم أخيراً في القاهرة مع القيادات التي تتبنى خيار الفدرالية وحق تقرير المصير. وعلى الرغم من عدم تنازله عن خيار استعادة الدولة، بات ينظر إلى باعوم من قبل مؤيدي تيار فك الارتباط على أنه «ذهب في الخط الثاني».
وعند الحديث عن «الزعيم الشعبي»، لا بد أن يحضر اسم علي هيثم الغريب، مستشار باعوم الأكثر تأثيراً. الغريب يتلاقى مع يحيى في رفض الحوار الوطني على اعتبار أنه «لا يهدف إلا إلى لملمة (أوضاع) الأطراف السياسية الشمالية من جديد بدعم دولي، ولمحاولة تثبيت الاحتلال الجنوب ولذلك نريد تفاوضاً شمالياً جنوبياً».
أما التباين مع بعض قوى المجلس الأعلى للحراك السلمي فلا يكمن، من وجهة نظر الغريب، فقط في الخلاف على توقيت انعقاد مؤتمر باعوم، فالمشكلة الحقيقية، تكمن من وجهة نظره في كيفية قيادة «الخروج الشعبي غير المسبوق» لأبناء الجنوب، نظراً إلى أن الحراك الشعبي يحتاج «إلى قيادة سياسية لا تعبّر عن حزب أو جبهة، بل الشعب الكامل بطموحاته وآماله».
ويضيف الغريب: «نحن اخترنا القيادة المجتمعية لا الحزبية لربط القيادة بالمجتمع، وعندما حاولنا في المجلس الأعلى للحراك السلمي أن نسير وفق هذه الرؤية كان الانشقاق الأخير، بعدما قالوا إنه لا بد أن تكون هناك قيادة وممكن أن تكون قيادة حزبية أو شعبية، وهو ما نرفضه الا اذا كان حزبية جنوبية خالصة»، متهماً صالح يحيى والسفير قاسم عسكر وعدداً آخر، منهم منضوون في الحزب الاشتراكي اليمني والإصلاح وينخرطون في الحراك بالوقوف وراء الدفع بهذا التوجه، وهو ما رأى فيه صالح يحيى «أسلوباً غير انساني هدفه توجيه اتهامات غير صحيحة إلى المناضلين الحقيقيين في محاولة لإثارة الرأي العام ضدهم».
ولمحاربة الغريب للحزبية في قيادة الحراك مبررات اضافية تظهر سريعاً بقوله: «الإصلاح يعد أكبر قوة حزبية اليوم في الجنوب». أما الاشتراكي فيراه القيادي المقرب من باعوم بأنه «يريد أن يعود إلى الجنوب تحت أي أجندة حتى التحرير والاستقلال». وإن كان الغريب يرى ضرورة تحييد أي مشاركة حزبية في الحراك، فإن الفدرالية بالنسبة إليه أمر غير وارد لأنها «فشلت شعبياً في الميدان».
لكن أصحاب هذا الطرح الذي قدم رسمياً في المؤتمر الجنوبي الأول، الذي عقد في القاهرة اواخر شهر تشرين الثاني 2011، يتمسكون به أكثر من أي وقت مضى، على اعتبار أن أي حل للقضية الجنوبية لا بد في نهاية المطاف أن يمر بفترة انتقالية لن تكون سوى الفدرالية حاضنة لها.
والفدرالية التي قدمت في المؤتمر، الذي يعد كل من رئيس الوزراء اليمني السابق حيدر أبو بكر العطاس والرئيس السابق علي ناصر محمد من أبرز الداعمين له، تقوم على فكرة إعادة صياغة الوحدة في دولة اتحادية ــ فيدرالية «لفترة انتقالية من خمس سنوات يليها إجراء استفتاء لأبناء الجنوب لإعطائهم الحرية الكاملة في تحديد مستقبلهم».
أصحاب هذا الطرح يقرون بأن التسويق لمشروعهم في الشارع الجنوبي قد فشل، لكنهم لا يعتبرون أنهم يتحملون المسؤولية المباشرة عن ذلك. فهم يدركون خطورة الخطاب المرتفع الذي يسيطر في الجنوب، وجعل البعض في الشارع يفهم أن الفدرالية تعادل الإبقاء على الوحدة ويتغاضون عن تضمنها شرط تقرير المصير. كذلك، يضعون في اعتبارهم عدم قيام السلطات بأي خطوات حقيقة تقنع الشارع بأنها جادة في معالجة مظالم الناس من جهة ثانية.
مع ذلك، الفدرالية بالنسبة إليهم الأكثر منطقية وغير مستعدين للتخلي عنها، على اعتبار أنه لا يمكن الجنوب أن يخرج اليوم من وحدته دفعة واحدة. كذلك، هذا الطرح يعبر من وجهة نظرهم عن الركون إلى الديموقراطية من خلال منح القرار لأبناء الجنوب لتحديد مصيرهم بعيداً عن ادعاءات احتكار التمثيل التي تصدر عن بعض فصائل الحراك.
ضمن هذا السياق، يرى القيادي في الحراك، عمر جبران، أن «حق تقرير المصير هو حق مكفول للجنوبيين لن يكون باستطاعة أحد انكاره مستقبلاً»، ولذلك فإن الواقعية مطلوبة عند التفكير جدياً في كيفية تحقيق خيار استعادة الدولة. وهو ما دفع جبران للقول إنه «لا بد من مرحلة انتقالية، على اعتبار انها ستكون كفيلة بضمان العبور الآمن والسلمي إلى دولة جديدة تحقق للشعب في الجنوب طموحاته».
هذه المرحلة الانتقالية لا بد من الحوار للتوصل إليها من دون أن يعني ذلك استعداد قيادات القاهرة للدخول في الحوار الوطني المزمع إجراؤه بصيغته الحالية. وانطلاقاً من هذا التوجه، لم تتردد قيادة مؤتمر القاهرة في تقديم ورقة قبل عام من الآن تتضمن رؤيتها للتهيئة للحوار الوطني والإجراءات الكفيلة بضمان مشاركة الجنوب فيه. وعادت إلى طرحها قبل أيام خلال اللقاء الذي جمع المبعوث الدولي جمال بن عمر بمجموعة من القيادات الجنوبية، على اعتبار أنه من دون تحقيق هذه الاجراءات لن يكون بمقدور أي جنوبي المشاركة.
واقتناعاً لدى قيادات القاهرة بأن أي دخول في الحوار بعيداً عن التوافق الجنوبي لن يكون ذات مغزى، شهدت القاهرة خلال الأيام الماضية سلسلة اجتماعات بين قيادات القاهرة وباعوم إلى جانب عبد الرحمن الجفري رئيس حزب رابطة ابناء اليمن «رأي»، جرى التوصل في ختامها إلى أن السقف لدى هذه القيادات «هو التحرير والاستقلال، مع التعامل مع كل الأساليب والاتجاهات السياسية والنضالية السلمية المحققة لطموحات شعب الجنوب في حياة حرة كريمة وفق خياره الحر».
ووسط الاصطفافات الجنوبية الجديدة، برز طرح اضافي قدمه القيادي الجنوبي محمد علي أحمد، الذي عاد إلى الجنوب قبل أشهر معدودة بوصفه إحدى القيادات المؤيدة لمؤتمر القاهرة قبل أن يفاجئ الجميع بالتحول الذي طرأ على موقفه حتى بات ينادي بـ«الحرية وحق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية كاملة».
أحمد، الذي يجمع في شعاره مختلف الطروحات، شرح لـ«الأخبار» أسباب هذا التحول بقوله: «عندما دخلت وقمت بالتواصل مع الشخصيات والفعاليات لشرح مشروع القاهرة، كنت أرى الغضب يلوح على وجوه الحاضرين عندما أطرح موضوع الفدرالية؛ لأنهم تعودوا نمطين من النشاط السياسي، هو فك الارتباط والحرية والاستقلال، ما جعل الشارع متشدداً لا يقبل بأي مشروع آخر».
ومضى أحمد، المتهم اليوم بأنه اصطف إلى جانب الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، يقول: «شعرت بأن لا امكانية لتسويق مشروعنا، فإما أن نفقد القاعدة التي ستذهب لأطراف جنوبية أخرى، وإما أن أفكر بمشروع مختلف، يضمن الحفاظ على هذه القاعدة». لهذه الأسباب اختار أحمد الإعداد لما يطلق عليه «مشروع مؤتمر وطني جنوبي ليضم كل شرائح المجتمع الجنوبي بما يضمن مواجهة الشمال والمجتمع الدولي بوحدة صف جنوبي تمثل شرعية لجنوب في الحوار الوطني».
لكن هذا السقف الجديد لأحمد، لا يحجب بالنسبة إليه حقيقة الأوضاع في اليمن ووجود قوى اقليمية ودولية وضعت البلاد تحت وصايتها، ولن يكون بالإمكان التوصل إلى حل بعيد عنها. من هذا المنطلق، يفاجئك أحمد بقوله إن التوجه لديه يميل إلى المشاركة في الحوار الوطني. ويضيف: «لن نعارض الحوار، ولكن لنا شروط من بينها معرفة أسس الحوار ومبادئه والمشاركين فيه». كذلك تحدث عن مبادئ جديدة طلب أن تضاف إلى النقاط الـ٢٠ التي قدمتها اللجنة الفنية للحوار الوطني، من بينها «الاعتراف السياسي والتاريخي بالقضية الجنوبية، لا بالجانب الحقوقي فقط، الاعتذار للجنوب بعد فتوى تكفيرهم، ضمان تمثيل الجنوب في الحوار بنسبة 50 في المئة، إخراج المؤسسات العسكرية من الجنوب، الاعتراف بالقرارين 924 و ٩٣١»، مؤكداً أن هذه الشروط اذا ما لُبّيت «سندخل الحوار وسندخل في اللجنة الفنية».
أما إذا لم تقبل هذه النقاط، فذلك لن يبدل الكثير لأحمد الذي قال «سندخل مبدئياً الحوار من دون قيود وشروط وسنطرح ما نريد وسنطالب بحق شعب الجنوب بدولته وممتلاكته وثروته بالتعويض عما لحق من أضرار». لكنه مع ذلك يبدي تفضيله أن يدخل الحوار على «اسس محددة كي لا يفشل الحوار وندخل في حرب أهلية».



التنوع مطلوب

يرى رئيس شبكة صدى عدن الإخبارية، محمد صالح ناشر، أن لقاء القيادات الجنوبية في القاهرة تكمن أهميته في أنه «أفصح لأول مرة وبنحو علني وغير متوقع عن الاتفاق على التحرير والاستقلال كهدف للاصطفاف الجنوبي المنشود»، واصفاً ما جرى بأنه «تغير نوعي في المواقف المعلنة لبعض الكتل الجنوبية التي لم تكن قد أعلنت رسمياً وجلياً هذا الهدف».
ورأى أن هذا التطور يمكن أن يؤدي إلى إنهاء فصول من الخلافات الجنوبية ويسهم في المضي نحو الخطوة اللاحقة المتمثلة بمؤتمر للحوار الجنوبي لقيادة نضال أبناء الجنوب نحو الحرية.
وعن الاتفاق على أن يكون السقف موصولاً بضرورة «التعامل مع كل الأساليب والاتجاهات السياسية والنضالية السلمية المحققة لطموحات شعب الجنوب وفق خياره الحر»، رأى أنه بمثابة إقرار بأن «التعامل مع كل الاتجاهات السياسية والنضالية هو حالة لضرورة التنوع في أساليب النضال والتعاطي مع كل الوسائل التي تضمن تحقيق هدف التحرير والاستقلال».



... وللأحزاب في الجنوب رؤيتها: لا مفر من الحوار



تقدم قوى الحراك الجنوبي نفسها على أنها الحامل السياسي للقضية الجنوبية. وترى أنها الوحيدة المكلفة البحث عن حلول والتفاوض في شأنها، وهو ما يثير امتعاض قوى أخرى في الجنوب ترفض فكرة استثنائها من أي حوار يطاول القضية الجنوبية.
القيادي في حزب الإصلاح، إنصاف مايو، يرفض التوقف عند الأصوات التي ترى أن الإصلاح حزب شمالي لا يحق له التحدث باسم الجنوب، محذراً من «استعادة سياسات الماضي وممارساته». وبعدما اعتبر أن «هذا الوضع هو الذي جعل الجنوب في وضع ضعيف مكن علي عبد الله صالح من أن يلتهم خيار الجنوب»، شدد على أن رفض المشاركة في الحوار ليس من مصلحة القضية.
وللمشاركة في الحوار أسبابه المنطقية من وجهة نظر مايو، «فالجنوبيون حققوا ما كانوا يصبون إليه وخصوصاً أن الحوار سيتم من دون سقف، وبرعاية دولية وإقليمية، ولذلك لا مبرر لوضع شروط للمشاركة في الحوار الوطني بعدما حققت لهم الثورة هذا المكسب». أما من يرفض الحوار، فهو «الطرف الذي يسير وفق بقايا النظام العائلي لعلي عبد الله صالح».
وعن موقف حزبه من الحل للقضية الجنوبية، يؤكد مايو أنه «سنكون مع خيارات شعبنا». ويضيف: «اذا خرج الجميع برؤية تهدف إلى حل واستقرار اليمن فسنكون معها، سواء كان ذلك من خلال فك الارتباط أو أي حل آخر»، من دون أن يمنعه ذلك من القول: «نحن سنبحث صيغة جديدة نضمن فيها شراكة حقيقية لكل اليمن وبينها دولة لامركزية ومدنية تضمن استقرار اليمن والمنطقة عموماً».
على المقلب الآخر، في حديث الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، ياسين سعيد نعمان، إدراك واضح لحجم الصعاب التي ستواجه حل هذه القضية وارتباطها بالوضع «غير المستقر شمالاً وتحديداً لدى القوى المتنفذة الشمالية غير القادرة على انتاج موقف واضح ازاء الدولة المدنية».
حديث نعمان لا يخلو من أسف على فشل الحراك الجنوبي في أن يكون جزءاً من العملية الثورية في اليمن، على اعتبار أنه لو استمر الحراك في ما بدأ فيه من تناغم مع الثورة في أشهرها الأولى لكانت تغيرت أشياء كثيرة، متوقفاً عند ما حققته الثورة للحراك، بما في ذلك الحرية في التحرك بعيداً عن القمع الذي كان سائداً في ظل النظام السابق.
ياسين يرى أنه لا بد من حل واقعي للقضية الجنوبية على اعتبار أن «الوحدة ليست ايديولوجيا. هي مصالح، وتصبح بلا معنى اذا لم تحقق مصلحة الناس».
ويقر نعمان بأن «الحوار لن يحل قضية الجنوب، لأنّ من الصعب أن يصنع وضع جديد في الجنوب بقرار». لكن الحوار من وجهة نظره «سيضع القضية الجنوبية على طريق الحل»، ولذلك لا بد من مشاركة جميع قوى الجنوب فيه.
ضمن هذا السياق، تحدث نعمان عن آلية لضمان تمثيل الجنوب بمختلف مكوناته بشكل عادل، مشيراً إلى ضرورة تمثيل الجنوب في الحوار بنسبة 50 في المئة، على أن يشكل الحراك 60 في المئة من هذه النسبة ليمتلك الثلث المعطل بما يضمن عدم اتخاذ اي قرار دون الحراك. أما قوى الجنوب الأخرى، فتمنح نسبة تمثيل 40 في المئة.
ومن هذا المنطلق يبدي نعمان رفضه للطرح القائل بضرورة ارتباط الفدرالية بحق تقرير المصير على اعتبار أن «في ذلك تقريراً مسبقاً لمستقبل الجنوب» من جهة، ولأن استمزاج رأي الناس يتطلب أولاً «اخراجهم من حالة الضيق التي يعيشون فيها كي لا يكون عامل الضيق هو السبب الرئيسي في اتخاذهم القرار» من جهةٍ ثانية.
وفي هذا الإطار، يعتبر نعمان أنه «يجب اعطاء الوقت للدولة الفدرالية حتى تنتج حالة اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة في نفسية الناس، وبعدها، اذا تبين أنها فشلت في انتاج هذا الوضع، يُبحث الخيار الآخر». أما عبد الرب السلامي، رئيس حركة النهضة السلفية، فيرى أن «الوحدة لا يرفضها أي عاقل»، لكن اليوم لا «يوجود شريك شمالي يستحق الوحدة معه». وفيما يرى السلامي أن الحوار المطروح بصيغته الحالية سيؤدي إلى محاورة أحزاب الوفاق الوطني لفروعها في الجنوب، يعتبر أن الأزمة في الجنوب هي أزمة شرعية التمثيل. لذلك فإنه «لا بد من اجراء استفتاء شعبي لابناء الجنوب ليحددوا خيارهم، على اعتبار أن نتيجة التصويت ستكون بمثابة حجة على كل القوى السياسية الجنوبية لن يكون بإمكان أحد تخطيها». وعندها اذا كان التصويت لمصلحة فك الارتباط، سيمتلك الحراك الشرعية للتفاوض باسم الجنوب بوصفه حاملاً للقضية الجنوبية وليس مالكاً لها. السلامي يشدد على أن أي حل للقضية من دون حق تقرير المصير لن يجعل الوضع في اليمن مستقراً، وبالتالي ستعاني دول الاقليم. ويدعو إلى مبادرة دولية ــ عربية تعترف بالقضية الجنوبية، تكون بمثابة خطوة أولى تقنع الجنوبيين بوجود ارادة خارجية للحل.
من هذا المنطلق، يعتبر السلامي أن تعنت مواقف القوى الشمالية هو الذي يجعل من خيار فك الارتباط الأكثر قبولاً في الشارع. ويرى أنه لو وجدت مبادرة سيكون هناك شارع جنوبي موازي سيؤيد أي مبادرة خليجية أو عربية للحل وستتمكن القوى التي تعجز اليوم عن الظهور من أن تعبر عن نفسها.
جمانة ...