أين هو الممثل الأميركي الصّقليّ الأصل ألفريدو باتشينو؟ هل يفكر في فيلم جديد يُحدث «خبطة» على غرار فيلم «العراب»؟ لآل باتشينو ما يتمنى: في بلدة الدامور فكرة على شكل «بطل» ورئيس بلدية اسمه شارل غفري. وما يمكن لسيرة الغفري أن تحدثه من شهرة لباتشينو، لا يمكن مقارنته بسيرة مايكل كورليوني بطل «العراب» في زمانه.
«كورليوني» الدامور ليس وحيداً. بمعزل عن «الكومبارس»، ثمّة بطل آخر من العيار الثقيل، شاءت الصدف أن يكون نائباً في البرلمان اللبناني عن قضاء الشوف، وعضواً في كتلة جبهة النضال الوطني اسمه إيلي عون.
القصة وصلت إلى الداموريين قبل هوليوود. بقدرة قادر ـــ هو طبعاً الرّيس شارل ــــ استطاعت «شركة الاستثمار والتطوير العقاري»، التي يملك المواطن السعودي طارق بن عبد العزيز بن محمد الرسن 49% من أسهمها، والنائب إيلي عون 49% أخرى ونجله جان 2%، أن تتملّك أراضي في الدامور، وتبدأ بناء مجموعة مشاريع سكنية عملاقة تضمّ أكثر من 77 مبنى ملاصقاً تحت اسم مشروع «المطل» أو «Mtill» على العقارين 1571 و3392.
هذا في الجزء الأول من «عرّاب الدامور». أمّا في الجزء الثاني، فمشروع سكني آخر على العقار 2339 يدعى «مشروع عماد الدين الديماسي».
كيف استطاعت شركة الرسن ـــ عون البناء على أرض تصنيفها لا يسمح بالبناء عليها على ما يقوله الأهالي؟ لا مشكلة، فـ«فانوس» غفري السحري يبتدع حلاً: تغيير التصنيف عبر وضع تصميم توجيهي جديد للدامور، بناءً على القرار 71/2006 الصادر عن بلدية الغفري، ثمّ على المرسوم الرقم 1165 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 2008/3/18 الذي يحمل توقيع المدير العام للتنظيم المدني بالوكالة في حينها بيرج هتجيان. وفي تفاصيل المرسوم، تصنيف جديد «MA2» لعقارات، منها العقاران اللذان بني عليهما «المطل»، وهذا التصنيف «سكني» بنسبة استثمار هي الأعلى في محافظة جبل لبنان.
غَيَّر الريس شارل التصنيف إذاً، كرمى لعيون عقارين، وربما أكثر، كما سيتبيّن لاحقاً. كيف؟ إذا كان هاتجيان صديقه، فلا شيء مستحيل. الرجلان تجمعهما صداقة قديمة، من الزمن الذي حمل فيه النائب أكرم شهيب حقيبة البيئة. كان الغفري مستشاراً للوزير، وهتجيان مديراً عاماً للوزارة، ومن يذكر يومها دورهما في مسلسل مطمر الناعمة؟
بالعودة إلى العقارين 1571 و3392، يتبيّن من سجلّات الدوائر العقارية أن أحد الأشخاص، وهو حسن خليل هاشم قد اشتراهما عام 2006 بمبلغ مليون ونصف مليون دولار، ليبيعهما لاحقاً إلى رامي حارس حلاوي في بداية عام 2010 بمبلغ زهيد هو 250 مليون ليرة لبنانية! من يصدّق؟
حين اشترى هاشم الأرض، أي قبل حرب تموز 2006، كان سعر العقار بخساً مقارنةً بتاريخ البيع، مضافاً إليه التصنيف المنخفض، ورغم ذلك دفع مليوناً ونصف مليون دولار لشرائها. أمّا بعد الحرب، ثمّ تغيير التصنيف إلى أعلى درجة استثمارية عام 2008، فيقول الخبراء إن سعر الأرض لا يمكن أن يقلّ عن عشرة أضعاف سعرها الأصلي، الذي اشتُريت به عام 2006، وبالتالي تقع بدعة بيعها بمبلغ 250 مليون ليرة عام 2010 تحت باب التهرّب من دفع الضرائب. ألم يسترعِ الأمر انتباه أمين السجل العقاري ليوافق على تسجيل عقد بيع من هذا النوع؟ ربّما لم يلتفت إلى أن ما يجري بين يديه يضيع على خزينة الدولة مئات ملايين الليرات.
ورامي حلاوي ليس عابر سبيل. فلنحزر، من هو الرجل؟
بموجب قانون تملك الأجانب بمادته الأولى، «لا يجوز لأي شخص غير لبناني، طبيعياً كان أم معنوياً، أن يكتسب بعقد أو عمل قانوني أي حق عقاري في الأراضي اللبنانية إلا بعد الحصول على ترخيص يعطى بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية....»، وبالتالي لا يستطيع الرسن، لأنه سعودي الجنسية، أو شركة عون ـــ رسن، شراء العقار، لذا قام حلاوي بالشراء. وفي المقابل، قام حلاوي بتوكيل الرسن بموجب «سند توكيل عام شامل مطلق» مسجل لدى الكاتب العدل في بيروت سليم يوسف خليل برقم 4377/2011 تاريخ 2011/5/31. حلاوي واجهة إذاً، لرسن وعون.
للتذكير، النائب عون عضو في لجنة الإدارة والعدل البرلمانية، التي تناقش في لجنة مصغّرة أخرى اقتراح قانون للحد من تملك الأجانب. ومن أقوال عون المأثورة بعد إحدى الجلسات: من رفض قانون تملك الأجانب هم بعض النواب الذين يريدون توريث أولادهم، ولا يحق للجنة الإدارة والعدل منع القانون من الوصول إلى مجلس النواب.
بعدما أسهم عون في بيع أراضي بلدته إلى شريكه الرسن، يبدأ الآن المشهد الثاني: البناء ثمّ بيع الأبنية.
إذا أردت أن تشتري «فيلا» في مشروع «المطلّ» فعليك أن تدفع 2 مليون دولار أميركي، وإذا كنت «داموريّاً» أصيلاً، تحصل على خصم 30%، أي مليون و400 ألف دولار، بحسب ما قال النائب إيلي عون لأبناء بلدته أخيراً، بعدما اعترض الأهالي على المشروع.
أمّا السادة عبد الله بن سعيد بن مبارك الشهراني (سعودي الجنسية)، عبد الرحمن بن صالح بن عبد الرحمن الفقيه (سعودي الجنسية)، رأفت بن عبد العزيز بن محمد الرسن (شقيق الرسن) فيستطيعون الحصول على «فيلتين» لكل منهما بدل واحدة، بثمن بخس هو 130 ألف دولار أميركي، والسيد أحمد بن زائد بن عبد الله عسيري (سعودي الجنسية) بثمن أقل هو 120 ألف دولار أميركي! وهذه الفيلات بيعت في الأصل، في تاريخ 18/9/2012، بموجب توكيلات من المذكورين إلى شخص واحد هو خالد محمد الغوش، مسجّلة لدى السفارة اللبنانية في المملكة العربية السعودية. 120 ألف دولار لفيلتين، أي إن «الفيلا» الواحدة بـ60 ألف دولار. مبلغ بخس لا يصلح ثمناً لـ«مرقد عنزة في جبل لبنان»، في ظل جنون أسعار العقارات. لكن هذا المبلغ البخس لم يستفز أيضاً أمين السجل العقاري، ما غيره، الذي انطلت عليه سابقاً حيلة تسجيل الأرض التي جرى شراؤها عام 2006 بأكثر من مليون ونصف مليون دولار أميركي بنحو 250 مليون ليرة عام 2010، رغم رفع تصنيفها.
وبعد، لا تصلح قصّة «المطل» من دون بدعة أخرى لـ «دون كورليوني» هي إفادة محتويات العقارين المذكورين سابقاً. فقد أفاد غفري في إفادتين تحملان الرقمين «591/ و. ص» و«592/ و. ص» (تاريخ 8/12/2009) صادرتين عن البلدية أن العقارين يحتويان على أرض سليخ لا بناء عليها، وأعطى الإفادتين بناءً على طلب مقدّم من «شركة المشرف».
مهلاً، ما علاقة شركة المشرف بمشروع «المطل»؟ لا علاقة لها من قريب أو بعيد، سوى أن غفري هو وكيل الشركة، وقد سدد الرسم المطلوب عن وكالته في نقابة المحامين كما هو مذكور في الايصال الرقم «23334 ب».
هذا لا يعني أن شركة المشرف التي يرأس مجلس إدارتها المواطن السعودي حسن بن سالم بن حسن المعماري بعيدة عن الدامور، الرّيس شارل أتى بالشركة إلى قلب البلدة. فتغيير التصنيف العقاري للعقارين اللذين شيّد عليهما «المطلّ»، تابعه غفري مع عقارات أخرى كثيرة، خضعت للتصنيف الجديد «MA2» و«MA1» و«MB». لم يغيّر الغفري التصنيف فحسب، بل اشترى أيضاً لموكلته غالبية العقارات الجديدة. «كوريليوننا» إذاً رئيس بلدية ووكيل المقاول، الذي من اجله يُرفَع تصنيف العقارات. ربّما لم يسمع بالمصطلح القانوني «سياسة تضارب المصالح»، التي يترجمها فقهاء القانون بـ «وضع مخالف للقانون تتأثر فيه موضوعية واستقلالية شخص يتولّى سلطة عامة بمصلحة شخصيّة يهمه أمرها...».
الدامور الآن تغلي. هذا ما يراه كل من قرأ قليلاً من تعليقات «الداموريين» على حائط مجموعتين للبلدة على موقع «فيسبوك» يبلغ أعضاء الواحدة منهما أكثر من 1500 داموري على الأقل. وقد أنشأ الأهالي «هيئة طوارئ إنقاذ الدامور» في بداية تشرين الأول الحالي لمحاولة إيقاف المشروع. واستطاع أحد أعضاء الهيئة، وهو المحامي جهاد فاضل، جمع مئات المستندات القانونية وربطها بهدف تقديم إخبار إلى النيابة العامة المالية في بيروت، بموجب وكالات من عدد من أبناء البلدة. القضية اليوم باتت الشغل الشاغل لأهالي الدامور. تختلط فيها السياسة بالفساد بإهدار المال العام وصولاً إلى استغلال السلطة.
وقبل أسبوعين، نشر الموقع الإلكتروني للقوات اللبنانية خبراً عن مشروع «المطل»، ينتقد فيه على نحو لاذع عملية بيع الأراضي «للغرباء». ساعات تمر، ليحذف الموقع الخبر عن صفحته، ثم ينشر اعتذاراً تحت عنوان «عذراً شارل غفري». بالطبع ليس الأمر اجتهاداً من القيمين على الموقع، فلغفري محامي دفاع من الشوف أيضاً هو النائب جورج عدوان، يستطيع أن يضغط بكلّ ما أوتي من قوة ليختفي الخبر ويظهر اعتذار.
لا تحتاج الدامور إلى بطل هوليوودي. الضيعة ـــــ المدينة التي لم يعد من مهجريها سوى 7% حتى اليوم، تحتاج إلى بطل «حقيقي» الآن، هذا الذي يستطيع أن يمنع «سوليدير» جديدة.



«مسَبّع الكارات»


حلّ شارل غفري رئيساً لبلدية الدامور عام 1998، بعد معركة طاحنة خاضها في مواجهة ابن عمّه وحبيب قلبه أنطوان غفري. وبالمناسبة، آل الغفري يتوارثون البلدية منذ 72 عاماً. عنوان معركة السيد شارل الانتخابية في ذلك الزمان الذي ذهب إلى غير عودة هو «حماية الدامور من الأسلمة (نسبة للإسلام)»، لأن ابن العم كان يحاول تمرير مشروع «IDAl»، أو القرية التكنولوجية، التي كان عرّابها الرئيس الراحل رفيق الحريري، والنائب وليد جنبلاط. وفي انتخابات 2010 البلدية، خاض غفري فوق الطاولة معركة في مواجهة النائب إيلي عون، وتحت الطاولة في تعاون وتحالف وثيق عنوانه تغيير تصنيف الأراضي التي بني عليها مشروع «المطلّ». وللمصادفة، فإن تاريخ صدور المرسوم 1165 عن مجلس الوزراء، المتعلق بتغيير التصنيف (18/3/2008)، يتزامن مع تاريخ تملّك شريف شارل غفري (الابن القاصر) العقار الرقم 2123 في منطقة بعبدات، وإضافةً إلى وكالته عن شركة مشرف، غفري هو وكيل دير الناعمة، صاحب أكبر ملك عقاري في سهل الدامور، ووكيل شركة «أبشي» التي لها صلة بأراضٍ في سهل الدامور ذاته. والمفارقة أنه عضو في الرابطة المارونية، وعضو «هيئة طوارئ بيع أملاك المسيحيين» في الرابطة.