غزة | أثارت الفتوى التي أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التابعة لحكومة «حماس» في قطاع غزة، قبل يومين، جدلاً كبيراً بين المواطنين، وخصوصاً أنّ موعد إصدارها جاء مباشرة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بأيام قليلة. وتنص الفتوى، التي أصدرها المفتي سلمان الداية، على أن «احترام الهدنة التي رعاها إخوتنا في مصر الشقيقة واجب على كل واحد منا، وأن التهاون بها بالخرق والمجازفة كبيرة مؤثمة وفساد في الأرض، لأن ذلك يؤذي الناس ويجعلهم عرضة للانتهاكات الإسرائيلية التي تطال دمهم ومالهم وعرضهم»، على حدّ تعبيره. واستغرب المواطن محمد سليمان (33 عاماً) كثيراً هذه الفتوى التي تُحرّم ضرب إسرائيل، وإن كان هناك هدنة معها، مشيراً إلى أن «إسرائيل على الدوام تخرق الاتفاقات وتقتل الفلسطينيين، وكان آخرها قتلها للمواطن محمد قديح على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس جنوب القطاع». وأوضح أن «إسرائيل كانت في حيز التهدئة، ومع ذلك تجرّأت على الاعتداء على المواطنين الذين ذهبوا ليطمئنوا على أراضيهم الزراعية التي حرموا منها لسنوات طويلة». وقال «من الأفضل لوزير الأوقاف الذي أصدر تلك الفتوى التي لا معنى لها، أن يصدر فتاوى تساعد ضحايا العدوان الإسرائيلي على تجاوز محنتهم، والخروج منها بأقل الخسائر»، مشدّداً على أنّ «فتواه مردودة عليه، لأنّها تهدف إلى حماية أمن إسرائيل بالدرجة الأولى قبل أمن الفلسطينيين».
محمد السيد (45 عاماً) رأى أن «القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة بعد انتصار غزّة في معركتها ضد الاحتلال، وأصبحت كياناً معترفاً به على الأقل من قبل الإسرائيليين، وأنهم أصبحوا يحسبون لها ألف حساب قبل أن يعاودوا كرّتهم». وأشار السيد إلى أنّ الفتوى التي صدرت لا ضرر فيها، وخصوصاً أن الشعب الفلسطيني ملتزم دينياً، فما الضرر في مراعاتها في شؤونهم السياسية؟ واستهجن الذين يقولون إن الفتوى لم تكن في محلها. وقال: «الإسرائيليون قبل أن يقدموا على أي عملية عدوانية يتجهون إلى حاخاماتهم لطلب الفتاوى، رغم أنها محرفة، فلمَ نحن لا نتبع تعاليم ديننا؟».
غير أن الخبير في الإسلام السياسي محمد حجازي يؤكّد أن «حماس» بدأت بإصدار فتاوى دينية عبر وزارة الأوقاف التابعة لها فقط بهدف تثبيت حكمها وتعزيزه في غزة، ولسبب سياسي بعيد المدى، موضحاً أن إسرائيل حين شنّت عدوانها على القطاع، أعلنت عبر وزير حربها إيهود باراك أنها لا تريد إنهاء حكم «حماس» بقدر ما كانت تريد أن تمنع الصواريخ.
وأشار حجازي إلى أن «حماس» ستضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه خرق التهدئة وضرب صواريخ على البلدات الجنوبية المحتلة، لافتاً إلى الدوريات التي تنشرها الحكومة المقالة على طول الشريط الحدودي للقطاع، وهي تحمل الهراوات والعصي لمنع الناس من الوصول إلى السياج الفاصل بين القطاع والأراضي المحتلة.
وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة «حماس»، إسلام شهوان، قد أعلن أن قوات الأمن الحدودية انتشرت في مواقعها قرب الحدود بهدف حماية تثبيت اتفاق التهدئة. وهي المرة الاولى التي يتمكن فيها عناصر شرطة حماس من الاقتراب كثيراً، علناً، من السياج الحدودي مع إسرائيل بدون تعرضهم لإطلاق نار من القوات الاسرائيلية الموجودة باستمرار على طول الحدود مع القطاع.
وقالت مصادر فلسطينية إن «إسرائيل طلبت من مصر التدخل لإبعاد عشرات الفلسطينيين من قرب الحدود خوفاً من تطور الموقف. وبناءً على اتصال من مصر، وصل عدد من رجال الشرطة في غزة لإبعاد هؤلاء الفلسطينيين والمزارعين».
في مقابل التدابير والفتاوى الحمساوية، خرقت القوات الإسرائيلية التهدئة أكثر من مرة منذ إبرامها الأسبوع الماضي. وقال مصدر طبي إن 3 فلسطينيين أصيبوا بجروح في حي الفراحين بعبسان الكبيرة، إلى الشرق من خان يونس أول من أمس، بعد إطلاق النار من قبل قوات الجيش الإسرائيلي تجاه عشرات المواطنين الذين واصلوا تدفقهم تجاه المنطقة الحدودية منذ الخميس الماضي.
وفي السياق، أبلغ رئيس الاستخبارات المصرية رأفت شحادة رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية، موافقة إسرائيل على السماح للصيادين الفلسطينيين بمضاعفة المسافة المسموح بها للصيد، كما ذكر مكتب هنية. وكان الصيادون الفلسطينيون يتعرضون لإطلاق نار متكرر من قوات البحرية الإسرائيلية إذا تجاوزت قوارب صيدهم ثلاثة أميال في عمق بحر قطاع غزة.
من جهة ثانية، هدّد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بني غانتس، باستئناف العمليات العسكرية ضد غزة في حال عدم الحفاظ على الهدوء من جانب حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية في القطاع. وقال «أنا قادم من الجنوب حيث لدينا هناك قوة هائلة ومستعدة لتنفيذ أيّ مهمة». وزعم أنّ «إنجازات العملية العسكرية تحققت والنتائج ستُثبت على مرّ الزمن، وفي حال لم يحافَظ على الهدوء فإننا سنعرف كيف نستأنف العمليات هناك».
ويتوقع أن تكون قد بدأت منذ أمس مباحثات مصرية إسرائيلية بشأن تنفيذ بنود اتفاق التهدئة، بما في ذلك فتح المعابر، وفق ما أعلن مصدر أمني مصري رفيع المستوى. وأضاف: «في أعقاب إنهاء هذا الأمر (فتح المعابر) سنواصل جهدنا، ونأمل أن تكون الخطوة القادمة المصالحة».
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم الحكومة المقالة، طاهر النونو، أن قيمة الأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على غزة تتجاوز 1,2 مليار دولار. وقال إن قيمة «الأضرار المباشرة تبلغ 545 مليون دولار، والأضرار غير المباشرة 700 مليون دولار»، وإن «مئتي مبنى سكني تعرض للهدم الكلي وثمانية آلاف للهدم الجزئي».