في التقديرات الاستراتيجية المبنية على معلومات استخبارية متعددة المصادر متوافرة لدى أعلى مستوى قيادي في عمّان، فإنه لا توجد معطيات جدية تسمح بتحقيق المعارضة المسلحة نصراً على نظام الرئيس بشار الأسد الذي «يستطيع الصمود في المعركة، عامين آخرين، ولكن بشرطين هما: عدم حصول تدخل عسكري خارجي مباشر، واستمرار تدفق المساعدات العسكرية والأمنية، الروسية والإيرانية، في مستواها الحالي».
الشرط الأول يصعب اختراقه في المدى المنظور، لكن تبرز بعض الشكوك إزاء بوادر «خلخلة» في الموقف الروسي، ظهرت في تصريحات نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، أمس، والتي تقرر «أن النظام السوري يفقد السيطرة على البلاد أكثر فأكثر، بحيث أنه لم يعد يستبعد انتصار المعارضة المسلحة».
لا أتعاطى، عادة، مع تصريحات بوغدانوف (أظنّه من تيار 14 آذار الروسي)، وأهتم، حصرياً، بتصريحات بوتين ولافروف فيما يتصل بالشأن السوري. لكن ما يلفتني هو المغزى السياسي لإصرار طهران وحزب الله على إدامة العلاقة مع حماس والإخوان المسلمين، بغض النظر عن الخلاف حول سوريا.
مخاوف عمّان تتعلق بالاقتصاد واللوجستيات. وفي التقديرات، سوف تواجه سوريا، ثلاث مشاكل جدية، اعتباراً من ربيع 2013، من شأنها الإضرار العميق بالصمود السوري، وهي: (1) تناقص الأموال ـــ بالقطع الأجنبي ـــ إلى ما دون القدرة على إدارة الحرب. وحل هذه المشكلة يتوقف على الدعم الإيراني والعراقي، (2) تدني الإنتاجية إلى حدود غير اقتصادية أو حتى التعطل الكامل لعجلة الإنتاج. وتجاوز هذا الوضع يعتمد على قدرة السوريين على توفير حصانة أمنية عاجلة لمناطق خارج القتال وخارج الاستهدافات الإرهابية، (3) تزايد صعوبات توزيع السلع والخدمات على المستوى الوطني، ما يتطلب التركيز على خطة تأمين شبكة المواصلات الرئيسية الداخلية.
المعارضة السورية المسلحة لن تستطيع تحقيق فوز عسكري؛ ولذلك، فإن خطط الأجهزة الاستخبارية المعادية التي تدير المسلحين ميدانياً تهدف إلى استنزاف القدرات المالية والاقتصادية السورية، والحيلولة دون وجود مناطق آمنة، وتقطيع شبكة الطرق الدولية والقطارات، ليس بالسيطرة المباشرة الدائمة ـــ غير الممكنة ـــ عليها، ولكن بجعلها غير سالكة.
على هذه الخلفية، نستطيع أن نفهم الرفض العنيف الذي أبداه الإخوان المسلمون السوريون ـــ وهم يشكلون النواة الصلبة للمعارضة المسلحة ـــ لقرار حلفائهم الأميركيين إدراج «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» على قائمة المنظمات الإرهابية؛ فالدور المناط بـ«جبهة النصرة» مركزيّ في خطة تقويض النظام السوري. وذلك، لأن قدرتها على القيام بالتفجيرات الانتحارية، المترافقة مع هجمات انتحاريين داخل خطوط سيطرة النظام، هي التي تمنع التحصين الأمني للمناطق وطرق المواصلات، وتقوّض الاقتصاد، وقدرة المواطنين على الصمود، وتدفع أقساماً متزايدة منهم إلى فقدان الثقة والنزوح والاستعداد للهجرة بما يؤمن نجاح خطط التطهير الطائفي والمذهبي.
العلاقة بين المعارضة المسلحة و«الإخوان» والإرهاب، هي علاقة عضوية، بحيث لا يمكن الفصل بين هذه الأطراف، ميدانياً وسياسياً، كما تدّعي الدبلوماسية الأميركية، أو كما تتوهم المعارضة الوطنية المدنية ـــ وخصوصاً «هيئة التنسيق» ـــ التي لا تزال تعتبر جماعات المسلحين المحليين و«الإخوان» مشاركين مطلوبين لقيام العملية السياسية، ولا تزال تطالب النظام السوري بالتوقف، من طرف واحد، عن القتال.
انتحاريّو «النصرة»، بعديدهم المتزايد وتصاعد أدوارهم في سوريا، يقلقون المسؤولين الأمنيين الأردنيين الذين يركزون 90 في المئة من جهودهم لمنع السيولة الإرهابية عبر الحدود، ذهاباً وإياباً، لكن القلق أكبر على المستوى السياسي من أن تؤول سوريا إلى دولة فاشلة تكون «جبهة النصرة» القوة الرئيسية فيها. وهي نتيجة حتمية، بسبب ما تؤديه الآن من أدوار حاسمة في الحرب، وما تختزنه، إقليمياً ودولياً، من موارد بشرية غير محدودة، وما تملكه من موارد مالية وتسليحية لا تنضب من شبكة الأمراء ورجال الأعمال في الجزيرة العربية والخليج.
أفغانستان جديدة في سوريا، وفق تحليل مصادر أردنية رفيعة، ستؤدي إلى انزياح الحركة الإخوانية نحو الاقتراب وربما التداخل مع «القاعدة». وسوف ينشأ عن ذلك كله خطر داهم لا يهدد، فقط، استقرار الشرق الأوسط، بل يهدد، أيضاً، الجار الأوروبي عبر البحر المتوسط، سواء في غزوات بحرية انتحارية أو في تأمين قاعدة عمليات للسلفيين الجهاديين من مواطني أوروبا. وتقوم الدبلوماسية الأردنية، وفقاً للمصادر نفسها، بمحاولات حثيثة لعرض المعطيات والهواجس السابقة على مسامع القوى الغربية، أملاً بتلافي هذا المصير، والبحث عن تسوية سلمية في سوريا.
تأمل عمّان أن تستعيد دمشق المبادرة، بحيث تسمح سنتا الصمود للنظام السوري بمراكمة العناصر الداخلية والإقليمية والدولية، للتوصل إلى تسوية تستثني التحالف «الإخواني» ــ الإرهابي، والإعداد لإجراء انتخابات رئاسية في موعدها الذي يصادف انقضاء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بشار الأسد.