ثلاث زيارات لبنانية عالية المستوى مرتقبة إلى موسكو. إحداها تخصّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إلا أن موعدها لم يحسم بعد، بانتظار انتقاء توقيت يراعي زحمة المشاغل الروسية من جهة، وعدم حصولها في توقيت يبدو كأنه موجّه لمصلحة طرف ضد طرف آخر في لبنان من جهة ثانية.
الزيارة الثانية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتوقيتها أيضاً مؤجل، ريثما تسوّى إشكالات بروتوكولية تتعلق بترتيب مستوى لقاءاته. بري يشترط لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتلبية الدعوة، وموسكو المتحمّسة للقائه، مكبّلة حيال شرطه، نظراً إلى وجود تقاليد بروتوكولية راسخة في الرئاسة الروسية ليس سهلاً تجاوزها. ومع ذلك، فان الرغبة في اللقاء عند الطرفين تجعلهما يبحثان عن مخارج لإتمام هذا التواصل.

جائزة لسليمان

ضمن هذه التعقيدات الشكلية التي تواجه حصول زيارتي بري وميقاتي لموسكو، اخترقت الدبلوماسية الروسية، قبل أيام، ركود العلاقة المطلوبة من جانبها مع لبنان، بتوجيه دعوة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان لمنحه جائزة المؤسسة الدولية لوحدة الشعوب الأرثوذكسية. وهذه الجائزة تداوم موسكو، منذ ١٢ عاماً، على منحها لرئيس أو شخصية اعتباريه مسيحية.
وعلمت «الأخبار» أن الزيارة ستجري بين يومي ٢١ و٢٢ كانون الثاني المقبل. وفي اليوم الأول منها سيمنح سليمان الجائزة، وفي اليوم التالي سيكون له لقاء مع بوتين. ولم تحسم بعد فكرة لقائه وزير الخارجية سيرغي لافروف.

تهجير مسيحيي الشرق

وتكتسب دعوة سليمان لموسكو بعداً آخر، على صلة باختيار رئيس لبنان تحديداً، لمنحه جائزة هذا العام. وبحسب مصادر روسية، فإن هذا الانتقاء وثيق الصلة بأحداث سوريا، ومجمل الوضع المستجد لمسيحيي الشرق.
ونقلت شخصيات لبنانية عن رئيس المؤسسة الدولية لوحدة الشعوب الأرثوذكسية فاليري ألكسيف، الذي سلم سليمان دعوة منحه جائزة مؤسسته، قوله إنه جال أخيراً على عدد من الدول الغربية لاستطلاع وجهة نظرها حيال ما يتعرض له مسيحيّو الشرق، وإنه فوجئ بأن باريس ردّت على هذا السؤال بالقول: «يجب تشجيع مسيحيي الشرق الأوسط على الهجرة إلى أوروبا».
وتضيف هذه المصادر أن ألكسيف ومعه بطريرك روسيا كاريل الأول، اهتمّا خلال وجودهما في لبنان بزيارة مراجع دينية مسيحية لبنانية، لاستيضاح متطلبات صمود المسيحيين في المشرق، في وجه ما تسمّيه موسكو «خطة غربية لتهجيرهم». وفي طليعة هؤلاء الكاردينال بشارة الراعي الذي أبلغ ألكسيف وكاريل: «نحن، المسيحيين في المشرق، لا نحتاج إلى الحماية، بل نحن محتاجون إلى الحقوق».
وتذكّر إجابة الراعي بمحادثة كانت جرت بين الرئيس ميشال سليمان، إثر انتخابه، وأحمد أبو الغيط، آخر وزير خارجية مصري في عهد الرئيس حسني مبارك. آنذاك سأله الأخير: «أنا باسم جمهورية مصر العربية أسألكم، ماذا يريد فخامة رئيس جمهورية لبنان من القاهرة؟». أجاب سليمان بعد صمت قصير: «أريد استعادة صلاحيات رئيس جمهورية لبنان. أنا لا أطلب لشخصي، بل لموقع الرئاسة الأولى». فوجئ سليمان آنذاك بردّ فعل أبو الغيط الذي سيطرت على ملامحه سمات الوجوم والارتباك، ثم اكتفى بصمت عميق. وفي ما بعد علّق موظف كبير في السفارة المصرية على مطلب سليمان بالقول: «لو استجابت القاهرة لمطلبه، لخرجت التظاهرات الإسلامية ضدنا في كل الشارع العربي، لأن اتفاق الطائف بات يرمز للنفوذ الإسلامي السنّي المستعاد».
من جهتها، تضع موسكو، في هذه المرحلة، على رأس أجندتها الدبلوماسية تجاه المشرق هدفاً استراتيجياً بعيد المدى، وهو إفشال «خطة ضرب الوجود المسيحي فيه». أما حالياً، فهي تركز على وضع آليات فعالة لوقف استنزاف هذه الديموغرافيا المسيحية، التي منيت خلال الأعوام الأخيرة بخسائر فادحة، تمثّلت في هجرة مئة ألف مسيحي قبطي من مصر، ولم يبق من أصل أكثر من مليوني مسيحي عراقي سوى ٨٠٠ ألف في بلاد الرافدين، وفي سوريا تتعاظم هجرة مسيحييها وأيضاً في لبنان وفلسطين. وبحسب معلومات لـ«الأخبار»، فإن موسكو، وجمعيات مسيحية عربية قريبة منها، بدأت الإعداد، بعيداً عن الأضواء، لعقد مؤتمر في بيروت، خلال شهر آذار المقبل، «للأقليات في المنطقة». وسوف يخصص هذا المؤتمر حصراً للأقليات المسيحية.
ومثل هذه الفكرة، ولكن ضمن عنوان آخر هو الحوار المسيحي ـــ الإسلامي، كانت قد خطرت في الصيف الماضي لمحافل سياسية لبنانية ومسيحية. وجرى الاتصال بالأزهر ليكون شريكاً محورياً في عقد مؤتمر في بيروت لهذه الغاية. لكن الأزهر أجاب بأن هذه المؤتمرات أصبحت أشبه بحفلات العلاقات العامة، وأن الأزهر يشترط لعقد مثل هذه المؤتمرات أن تجيب عن سؤال محدد، وهو: «لماذا تتدهور العلاقات المسيحية الإسلامية، ومن المسؤول؟».
قال الأزهر آنذاك أيضاً، رداً على اللغط الذي أثاره عدم استقباله الراعي خلال زيارته الأخيرة لمصر: «إن الراعي لم يطلب موعداً حتى يقال إن الأزهر لم يستقبله. ولكن حتى لو كان طلب موعداً، فإن قرار استقباله كان سيحرج شيخ الأزهر، نظراً إلى تصريحاته الأخيرة بشأن الأحداث السورية وإبداء خوفه على مصير المسيحيين».