قررت شركة «أبراج كابيتال»، المستثمر الرئيسي في مجموعة متاجر «سبينيس»، الاستغناء عن خدمات مايكل رايت، المدير التنفيذي للمجموعة في لبنان والمنطقة. وبحسب المعلومات، فإن النقاشات في مجلس إدارة الشركة، التي استغرقت نحو شهرين، خلصت إلى أن استمرار رايت في مهماته الإدارية بات يسيء إلى مصالح الشركة وسمعتها الإقليمية والدولية ويضرّ باستثماراتها الكبيرة في سوق تجارة التجزئة وخططها التوسعية الموعودة، ليس في لبنان فحسب، بل في مصر والأردن والإمارات وقطر أيضاً... إلا أن مصادر مطّلعة أفادت «الأخبار» بأن التسوية المعقودة مع رايت قضت بالتريّث في إعلان قرار المستثمر الرئيسي، والامتناع عن توضيح أسبابه الفعلية والعمل على تظهيره كما لو أنه نابع من خيار شخصي بالتقاعد المبكر اتخذه رايت نفسه. وتفيد المعلومات (لم تقبل المصادر تأكيدها أو نفيها) بأن مسؤوليات رايت الإدارية تُنقَل تدريجاً إلى المدير العام الحالي في «سبينيس ــــ مصر»، شادي أبو سعد.
بعيداً عن «ديباجة» قرار مجلس إدارة «أبراج كابيتال» وشكل إخراجه إلى العلن لاحقاً، يُعَدّ عزل رايت من منصبه انتصاراً حقيقياً لعمّال «سبينيس» وعاملاتها، ممن لم يرضخوا لأسلوبه «الأرعن» في إدارة مصالح مجموعة تدرّ أرباحاً عالية للمستثمرين فيها، وتوفّر نحو 1500 وظيفة في لبنان وحده. فصمود هؤلاء العمّال والعاملات في مواجهة «إرهابه»، وإصرارهم على فضح انتهاكاته الواسعة لحقوقهم الأساسية الثابتة وممارساته الشائنة التي تنطوي على «جرائم» يعاقب عليها القانون اللبناني وعنجهيته الزائدة التي غلّبت نزعته «الشخصانية» واستسهاله استعمال علاقاته «الغامضة» مع بعض السياسيين والمتنفّذين لتحقيق مآربه الخاصة على حساب المجموعة المؤتمن على إدارتها... هذا الصمود أحرج كثيرين في المجموعة وفي إدارات الدولة، وفي مقدّمهم المستثمر الرئيسي، وفرض عليهم تحمّل نتائج مواجهة «عنيفة» كان يمكن تفاديها بدلاً من تركها تتجاوز كثيراً مفهوم «نزاعات العمل» لتتحوّل إلى قضية عامّة تتصل بضمان الحريات واحترام أحكام الدستور وشرعة حقوق الإنسان واتفاقيات العمل الدولية.
فالمعروف أن انتهاكات رايت وممارساته ونزعاته استدعت تحرّكات لافتة غير مسبوقة من منظمات دولية وإقليمية ومحلية وحفّزت على إطلاق حملات تدعو المستهلكين إلى مقاطعة متاجر «سبينيس» والتشهير بها في الوسائل الإعلامية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، ودفعت مجموعات واسعة من الناشطات والناشطين في مجالات الشأن العام والحقوق المدنية (في لبنان والخارج) إلى تنفيذ اعتصامات ضد إدارتها وتوقيع عرائض تندد بها، ونشر البيانات والمواقف... فضلاً عن لجوء نقابة العاملين في سبينيس ــ لبنان (حديثة الولادة) إلى رفع دعاوى جزائية على رايت شخصياً ينظر فيها القضاء اللبناني حالياً وشكاوى كثيرة ضد إدارته تنظر فيها مجالس العمل التحكيمية ووزارة العمل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وهيئات أخرى مختلفة! كل ذلك جاء في الوقت الذي كان المستثمرون ينتظرون من رايت تحقيق النتائج «الباهرة» التي وعدهم بها بأن تتخطى إيرادات «سبينيس» مليار دولار بحلول عام 2013 وتحقيق المزيد من التوسع في أسواق الشرق الأوسط والمحافظة على نسبة نمو في الأعمال لا تقل عن 20% سنوياً ومقاومة الأوضاع غير المواتية من جراء الاضطرابات في المنطقة! فإذا بهؤلاء المستثمرين يجدون أنفسهم أمام وقائع مقلقة يمكن أن تؤثّر سلباً على صورتهم وأعمالهم وخططهم ومستقبل توظيفاتهم... إذ بسبب إصراره على استخدام «نفوذ» أصحابه السياسيين لقمع حالة التململ في صفوف العاملات والعمّال وتكريس نظام «السخرة» المفروض عليهم وحرمانهم حقهم في إنشاء نقابتهم والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، أصبحت متاجر «سبينيس» عرضة لتكبّد أكلاف مادية ومعنوية (مباشرة وغير مباشرة) قد تترك آثاراً سلبية دائمة في حال عدم المسارعة إلى تصحيح أوضاعها مع عمّالها وعاملاتها ومع المجتمع اللبناني والدولة والنقابات والمنظمات المعنية. فشركة «سبينيس» في لبنان، ممثلة بشخص مديرها مايكل رايت، تواجه حالياً دعوى جزائية بتهمة ارتكاب جرائم منصوص عليها في المادة 329 من قانون العقوبات. وهذه المادة تنص على معاقبة «كل من يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية بالحبس من شهر إلى سنة، إذا اقترن بالتهديد والشدة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإكراه الجسدي والمعنوي»، وهي وسائل مختلفة اعتمدها رايت فعلياً، ووصلت إلى حدّ الاستعانة بمرافقي وليم طوق (نجل النائب السابق جبران طوق) لممارسة العنف الجسدي ضد أمين سر النقابة مخيبر حبشي قبل صرفه من العمل على خلفية نشاطه النقابي مع آخرين من رفاقه، منهم: سمير طوق وميلاد بركات وطوني أبي حنّا، فضلاً عن إكراه عدد من الناشطين النقابيين على الاستقالة من النقابة وعزل محاميهم والتراجع عن دعاوى مرفوعة أمام القضاء وشكاوى أمام الإدارات العامّة! ليس هذا فحسب، بل إن منظمة العمل الدولية أصدرت من مقرّها الرئيسي في جنيف بياناً شديد اللهجة بتاريخ 31 آب الماضي يتضمن اتهامات خطيرة لإدارة «سبينيس» بانتهاك الحقوق والحريات النقابية وتشجيع «المحسوبية» واللجوء إلى الممارسات «البوليسية» للضغط على العاملات والعمّال وترهيبهم وحجز حرّياتهم والانتقام منهم وصرف بعضهم من العمل... كما ان 11 اتحاداً نقابياً عمّالياً ناشطاً في البلدان العربية، ومنها بلدان تنشط فيها استثمارات شركة «أبراج كابيتال»، اتخذت موقفاً موحّداً ضد إدارة «سبينيس»، وصدرت مواقف مندّدة بهذه الإدارة في مصر والأردن (حيث تخطط سبينيس للتوسع كثيراً)، كذلك بعث الاتحاد العالمي للنقابات (UNI)، الذي يتخذ من سويسرا مقراً له، برسالة حادّة اللهجة إلى مكتب رايت في دبي، يطالبه فيها باحترام القانون وحقوق العمال ويُحذّره من أنّ امتناعه عن تصحيح الخلل في الشركة قبل 30 تشرين الثاني 2012، «سيدفع الاتحاد إلى إجراءات إضافية وإلى الاتصال بالحكومة اللبنانية والحكومات الإقليمية، إضافة إلى تنبيه المؤسسات الدولية إلى هذه القضية». وأيضاً وأيضاً، شنّت منظمة «أفاز»، التي تضم أكثر من 17 مليون عضو في 194 بلداً، حملة على رايت تطالبه بوضع حد لأساليب القمع غير القانونية ضد أعضاء النقابة، الذين مارسوا حقوقهم في التصدي للانتهاكات الصارخة في الشركة، وإعادة العمال أعضاء النقابة المطرودين إلى العمل، وإلى إعطاء جميع العمال حقوقهم بما كفله قانون العمل اللبناني. فضلاً عن انتظام عدد كبير من الناشطين والناشطات في لبنان ضمن جمعية «أصدقاء عمال سبينيس» نفّذت اعتصامين أمام فرع الشركة في الأشرفية تضامناً مع النقابة، فنجحا معاً، النقابة والجمعية، بحشد رأي عام ضاغط فرض على العديد من القوى السياسية مراجعة مواقفها من هذه القضية وساعد على ترخيص النقابة والتعهّد بإعادة المصروفين إلى وظائفهم، وارسال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مفتشين إلى فروع الشركة.
ربما كانت هذه الوقائع وتزامنها مع ضبط نصف طن من الأسماك الفاسدة في فرع طرابلس وبضائع إسرائيلية في فرع صيدا (فضلاً عن وقائع أخرى مسلكية لم يُفصح عن نتائج التحقيق الداخلي في شأنها) شكّلت الدوافع لطرد رايت من منصبه على رأس الإدارة التنفيذية لمتاجر «سبينيس»، إلا أن هذه الخطوة ستبقى ناقصة إن لم تسارع الإدارة الجديدة إلى إعادة المصروفين إلى وظائفهم والاعتراف بالنقابة واحترام إرادة العمّال والعاملات وحقوقهم القانونية والقرار بحقهم في المفاوضة وإلغاء نظام «السخرة» الذي يخضع له الحمّالون. عندها، سيكون بإمكان الذين انتفضوا على ممارسات الإدارة السابقة الهتاف بصوت عال: bye bye مايكل رايت.