يتمتع هيثم مناع بثلاث صفات تؤهّله كشخصية رمزية؛ هو، أولاً، مناضل قديم في الدفاع عن حقوق الإنسان العربي، وهو، ثانياً، وطني سوري لم يتزحزح ــــ رغم الضغوط والإغراءات ــــ عن ولائه لسوريا واستقلالها ووحدتها وسيادتها، وهو، ثالثاً، مثقف شعبي ينتمي إلى الناس الطيبين.
إلا أن هذه الصفات ليست كافية لشخصية قيادية؛ منّاع أفضل صحبه في «هيئة التنسيق»، إلا إن رأسه المفعم بنشوة اللقاءات مع وزراء الخارجية، مليء بالأوهام.
الوهم الأول يتمثل في فكرته الجامدة حول عدم امكانية الحسم العسكري للأزمة السورية. ترويج هذه الفكرة ضروري، بالطبع، للفتّ في عضد الطرفين المتقاتلين، ودفعهما إلى وقف القتال والتفاوض. لكن الفكرة نفسها لم يجر فحصها من النواحي الاستراتيجية والميدانية والسياسية.
في تقدير الخبرة العسكرية الأردنية، أنه لا أمل للمعارضة السورية المسلحة بتحقيق انتصار جدي قابل للترجمة السياسية، إلا في حالة واحدة هي قيام الغرب بشن حرب جوية واسعة النطاق ومتواصلة ضد شبكة معقدة من الأهداف. وهو احتمال لم يعد وارداً. وبالمقابل، يستطيع الجيش العربي السوري هزيمة المسلّحين، بما في ذلك تحقيق أهداف سياسية وفق استراتيجية «الشجرة»؛ جذع راسخ وقوي وأغصان ممتدة على كامل المدن الرئيسية وشبكة المواصلات في البلاد، وأخيراً تأمين الحدود. وهذه الاستراتيجية القائمة على الاقتصاد في استعمال القدرات العسكرية، يجري بالفعل تنفيذها، وبنجاح.
برهن الجيش العربي السوري، خلال ما يقرب السنتين من القتال الصعب، ليس فقط على تماسكه وقوته، بل أيضاً على قدرته على تطوير استراتيجيته وأساليبه القتالية بصورة فعالة. وعلى رغم التهويل بحجم الدمار وعديد القتلى في سوريا، فإن المراقب العسكري المحايد لا بد له من الاعتراف بأن العمليات القتالية التي يخوضها الجيش العربي السوري، تتوخى، أكثر فأكثر، ضرب الأهداف الإرهابية مع مراعاة عدم الإضرار الواسع بالمدنيين.
نعم. يمكن للجيش العربي السوري أن يحسم عسكرياً وسياسياً في مواجهة عصابات تعوزها الوحدة والقدرة والتماسك والوطنية وشرف البندقية. وإذا كانت قوة الإندفاعة الشعبية للمعارضة الطائفية قد ضاعفت قوة المسلّحين في المراحل الأولى من القتال، فإن هؤلاء يخسرون، مع مرور الوقت والفشل وانكشاف نزعاتهم الاجرامية والاستبدادية، الحاضنة الاجتماعية التي تتقلص يومياً، وتمنح السلطات مساحات جديدة من استعادة الولاء للدولة بين صفوف المواطنين.
ما لا يستطيع الجيش انجازه نهائياً هو استئصال الإرهاب. وهي مهمة استخباراتية بالدرجة الأولى. ولا توجد معطيات حول التطورات الحاصلة في هذا المجال، لكننا نستطيع أن نتوقع أن شيئاً ما يحصل هنا أيضاً.
وعلى هذا، يمكننا القول إن إصرار الرئيس بشار الأسد على الحسم العسكري، واقعي تماماً. أكثر من ذلك، فإن إرادة الأسد الصلبة على الحسم، هي جزء لا يتجزأ من امكانية الحسم ذاتها. «فالدفاع ــــ كما يقول الجنرال شارل ديغول ــــ هو، تحديداً، إرادة الدفاع».
الوهم الثاني لدى منّاع يتعلق بجوهر موقف الدبلوماسية الروسية؛ لقد بدّد وزير الخارجية سيرغي لافروف، في آخر تصريح له، أي غموض حول موقف موسكو من الأسد: اقصاؤه مستحيل وخطابه يتضمن مبادرة تسوية.
وسنلاحظ، هنا، أن تصريحات جازمة كهذه تصدر عن موسكو بانتظام بين جولة دبلوماسية وأخرى. تريد روسيا، بالطبع، تسوية في سوريا، ولكن بشرطين هما (1) عدم المساس بالرئيس الذي يعتبره الكرملين ضمانة وحدة سوريا ونهجها الاستراتيجي، (2) الفصل بين العملية السياسية وبين عملية مكافحة الإرهاب في سوريا.
ليست روسيا جمعية خيرية تبحث عن حل يتطابق مع النوايا الطيبة ــــ ولكن غير الواقعية ــــ لهيثم منّاع وصحبه. لروسيا مصالح استراتيجية دولية وإقليمية ترى أن تحققها مرتبط بانتصار الأسد. وهي تريده أن ينتصر بلا شك، وتسعى، كجزء من دعمها للنظام السوري، إلى عقلنته وتوسيع قاعدته السياسية بضم العناصر الوطنية إلى العملية السياسية الداخلية. وهذا هو المتاح الوحيد لـ «هيئة التنسيق» ومثيلاتها.
الوهم الثالث لدى منّاع وصحبه يتعلق بالضغوط الخارجية. صحيح أنهم يرفضون التدخل العسكري والفصل السابع، ولكنهم يأملون بإقامة ديموقراطية سورية يتصدرونها بقوة المجتمع الدولي. ولذلك، فهم يعلّقون الآمال على مهمة الأخضر الإبراهيمي. والأخير يحاول التوفيق بين الموقف القطري (اقرأ: الإسرائيلي) التركي المعادي للدولة السورية، وبين الموقف الأميركي البراغماتي المهتم بسياسات سورية الخارجية أولاً، والموقف الروسي الساعي إلى تأمين شروط ملائمة لانتصار الجمهورية العربية السورية بقيادة الأسد. ليس هناك، إذاً، مجتمع دولي وإنما صراع دولي له خطوط حادة، وتتوفر للجانب الروسي الصيني الإيراني فيه عناصر قوة ليست لدى الطرف الآخر، ميدانياً وسياسياً واستراتيجياً.
9 تعليق
التعليقات
-
أوهام وأحلامأستطيع ان أصف مقال ناهض حتر هذا بانه صورة مصغرة لما يتمناه النظام، لكن الحقيقة ان الواقع لايتحقق من خلال الأمنيات، هيثم مناع رغم ممارساته البراغماتية وتاريخه النضالي صار منبوذا من الشعب السوري، وكان يمكن للكاتب ان يشاهد مئات اللافتات التي يرفعها أهل حوران مسقط رأس هيثم مناع وتصفه بالخائن والعميل لمجرد انه يتحدث عن امكانية الحوار مع النظام، حتى مابسميها الكاتب أوهام مناع هي مجرد امنيات يتمنى النظام لو انها تتحقق، لكن هيهات، فحين تكوندمشق نفسها محاصرة بالثوار، وحين تصل قذائفهم إلى القصر الجمهوري، وحين تسقط ثلاثة ارباع حلي بايدي الثوار ، وحين يظطر النظام التخلي عن جنوده وضباطه المحاصرين ، ويسلم أهم المطارات العسكرية مرغما للثوار ، عند ذلك يسقط كل تبجح عن إمكانية بقاء الديكتاور حاكما في سوريا، وعن إمكانية الحوار معه. ناهض حتر هذا يحلم ويتمنى ، لكنه سيفيق يوما من أوهامه ويكتشف انه كان يشارك في جريمة ذبح الشعب السوري حتى في أمنياته وأكاذيبه
-
أوهامكل هالنجاح المنقطع النظير والمطارين الرئيسيين في دمشق وحلب مغلقين والأسعار تصل لمستويات جنونية وفقدان معظم المواد الرئيسية وكل هذا الدمار وكل المشردين واللاجئين .
-
بهدوء ...تبديد الأوهام ..هيثم مناع ...من أهم رموز المعارضه السورية..وأعتقد يثق به الكثير من السوريين لما أكتسب خطابه من عقلانية الثائر واتزان السياسي وجرأة المعارض . ويقف على مسافة مدروسة كحد الشفرة بين أطياف الصراع ..الإقتراب أكثر من أحد الطرفين يعنبر حرقا" لمفهوم السياسة فن فهم الواقع والتعامل معه ..والممكن إنجازه ..مع ميكيفالية بيضاءوشفافة .. لكن الأهم والممييز هي المصداقية والجرأة التي عرفت عن المناع .
-
100% صحيحححح سوريا بالنسبة100% صحيحححح سوريا بالنسبة لروسيا هي جزء من الامن القومي والاستراتيجي والاقتصادي فليس من السهولة ان تتخلى روسيا عن الاسد لما له من ثقل في المعادلة الداخلية والخارجية , اما السيد مناع واصحابه هم يعيشون في الوهم الذي يحلمون به في الجلوس على السلطة في سوريا وما يوهمهم به اربابهم من الدول الغربية والعربية والعبرية واخذهم للهلاك بأيديهم والتخلص منهم ومن كل متطرفي وسلفيي المنطقة.
-
رأي لهيئة تحرير الأخبار المتحرمةكان الأحرى بهذا المقال أن يندرج في صفحة ( رأي ) ... لأننا قرأنا رأي الكاتب وتحليله ، و من الواضح أنه تناول اسم هيثم مناع ك (عينة) لا أكثر فقط ليقرأ القراء وجهة نظره ؟!
-
بوركت" الوهم الثالث لدى منّاع وصحبه يتعلق بالضغوط الخارجية. صحيح أنهم يرفضون التدخل العسكري والفصل السابع، ولكنهم يأملون بإقامة ديموقراطية سورية يتصدرونها بقوة المجتمع الدولي." كلام صحيح مئة بالمئة.
-
ههه يظهر أن ناهض مصر علىههه يظهر أن ناهض مصر على تذكيرنا كل مرة أنه "شرس" و "لا مهادن" ولكن "بهدوء."
-
العسكر يبقى الاساسكل حل يقوم بعد نشوب حرب داخلية وفي أي دولة كبيرة كانت ام صغيرة.على تفتيت العسكر وتشتيته يؤدي الى دمار الدولة وبقاء حالة اللاإستقرار قائمة فيها لآمد طويل .والحوار يبقى الطريق الأسلم لأنه يبقي القوى العسكرية قائمة ،وهي بالتالي ستقوم بحفظ الأمن .والدليل على ذلك ليبيا والعراق وهما تشهدان فلتاناً امنياً ،لأن القوة العسكرية المفترض وجودها ،لم تعد قائمة .فلو لم يضرب الجيش العراقي بهذا الشكل وكذلك الليبي ،لما وصل الوضع لهذا الحد من الفلتان الامني فيهما.
-
مقال رأي في المقام الأول يقعمقال رأي في المقام الأول يقع في نفوس أغلبية السوريين الذين أنتمي إليهم. هل هذا كلام والكلام الوارد في مقال "الاعتقال السياسي" كلام؟ من الغريب ان بعضنا يعتقد ان الاعتقال السياسي يوجد في سوريا فقط. أميركا(أم الشرور جميعها) تطالب بالحرية والديموقراطية للسوريين وفي سجونها ما بين 2.5 الى 3 ملايين سجين، أي حوالي 2% من المواطنين البالغين، والنسبة في صعود مستمر لكن لا أحد يجرؤ على الكلام