بعكس كل القطاعات، ورغم المشكلات المختلفة، يشهد قطاع تربية النحل في الجنوب ازدهاراً لافتاً. فقد ازداد عدد النحالين، وصار النحل شغلهم الشاغل في الليل والنهار، وخصوصاً في قضاء بنت جبيل. في الأمر «سرّ»، يقولون هناك. ربما. لكن الأمر الواقع أن «لا أضرار في مهنة النحل»، يقول أحد النحالين، فما يدفع إليها هو أنها من «المهن النادرة التي لا يعاني أصحابها مشكلة تسويق الإنتاج من العسل الطبيعي المميز».
في بنت جبيل وحدها، صار هناك 200 نحال، وجابر غريب من بلدة شقرا هو أحد أبرز النحّالين بين الجيلين القديم والجديد. ورث هذه المهنة عن والده منذ أكثر من 30 سنة، وصار يتطور «بتطورها». وهذا التطور كان «سريعاً وغير مسبوق». وقد ترافق هذا مع تطور في الآليات أيضاً؛ «ففي السابق، كانوا يستخدمون صناديق خشبية يصنعونها بأيديهم أو بيوتاً ترابية، حتى إن المنفاخ الذي يستخدم عادة لتهدئة النحل كانوا يصنعونه من إبريق الفخّار، وكانوا يخبئون رؤوسهم بحطّة وعقال ويضعون فوقها منخلاً خشبياً». وسابقاً أيضاً، كان الإنتاج متدنياً وغير مدروس؛ «فخلية النحل الواحدة لم تكن تنتج أكثر من 5 كلغ من العسل، حتى إن بيوت النحل القديم كانت تنزع بأكملها لاستخراج العسل، فتموت معظم اليرقات والبيوض ويذهب الصالح بعزى الطالح». أما اليوم، «فالصناديق الإفرنجية، التي تؤوي النحل مجهزة ببراويز من الشمع المصنّع، يمكن استخراج أي منها عندما تمتلئ كلياً بالعسل، وترك الباقي الذي لا يزال يحتوي على البيض واليرقات».
وفي بلدة تولين أيضاً، باتت «تربية النحل حرفة تمكّن منها عدد كبير من أبناء المنطقة»، يقول علي شقير. ليس في تولين وحدها، «ففي بنت جبيل، لا تخلو قرية أو بلدة من النحالين، إذ يوجد اليوم نحو 10 نحّالين في كل قرية في القضاء، يضاف إليهم النحّالون الصغار، الذين يملكون أعداداً قليلة من القفران». هذه الحرفية في العمل انعكست «إيجاباً على الإنتاج، إذ أصبح قفير النحل الواحد ينتج 20 كلغ من العسل». لكن هذه الإنتاجية ليست واحدة؛ «إذ تختلف بين فصل وآخر، والكارثة تحلّ في الشتاء بسبب البرد الذي يتعرّض له النحل ويهدد وجوده، وإذا ماتت ملكة النحل يستحيل توفير البديل لها فيموت النحل كلّه». ولهذا، يعمد معظم النحالين في بنت جبيل في فصل الشتاء إلى نقل النحل إلى بساتين صور، حيث يكون الجو أقل برودة، وفي منتصف فصل الربيع يعاد نقله إلى القرى، ليوضع في الحقول والبراري. وقفير النحل ينتج عادة موسمين في العام الواحد، «موسم ربيعي وآخر صيفي، والموسم الربيعي يحتوي فيه العسل بشكل كبير على فيتامين C؛ لأن غذاء النحل يعتمد في هذا الموسم على أزهار الليمون من بساتين الحمضيات. وفي الصيف يعتمد النحل في غذائه على أزهار الربيع المنتشرة في البراري، إضافة الى أزهار السنديان». ويلفت شقير إلى أن «عسل الأزهار يتجمّد نتيجة حبوب اللقاح الكثيفة فيه، فقد يشكّك بعض الزبائن، بجودته، وهذا أمر غير صحيح». مع ذلك، ليس كل النحالين محترفين في كل شيء، إذ إن عدداً قليلاً منهم فقط يستخرج الغذاء الخاص بملكة النحل، ويبيعه بأسعار مرتفعة (الغرام بـ3 دولارات)، نظراً إلى فوائده الكبيرة، وهو ــ بحسب غريب ــ «لا يمكن تناول أكثر من نصف غرام يومياً منه، ويكون لونه أبيض وطعمه كريهاً، يساعد على الشفاء من أمراض كثيرة، ويفرزه النحل لإطعام يرقات النحل الصغيرة المؤهلة لتصبح ملكات نحل المستقبل». يعمل غريب في مركز لتربية ملكات النحل التابع لنقابة الجنوب، وهو المركز الوحيد هناك، الذي يؤمّن الملكات لمعظم النحالين في لبنان، ويراوح سعر ملكة النحل بين 8000 و10000 آلاف ليرة لبنانية. ويعتبر التلقيح الصناعي للملكات من الأعمال التي تحتاج إلى خبرات متطورة ودقيقة. ويستخدم التلقيح الصناعي للمحافظة على سلالة معينة من النحل، وللحصول على غذاء الملكة الخاص. أما أنواع النحل «المميزة»، فمنها «النحل السوري»، وهو نوع من النحل العربي، والإيطالي ونحل الفريتوني والبلدي. والنحل الإيطالي هو الأكثر إنتاجاً للعسل، إذ ينتج كل قفير في الموسم الواحد أكثر من 15 كلغ من العسل.
مع ذلك، يموت نحل كثير في المنطقة بسبب البرد. ففي العاصفة الثلجية الأخيرة، سبب البرد موت النحل «وخصوصاً في القفران التي يعيش فيها عدد قليل نسبياً من النحل، وقد يتجمد أثناء البرد؛ لأن النحل عادة يتجمع على بعضه أثناء البرد ويتناوب على تدفئة بعضه بعضاً». واللاّفت أن تسويق عسل النحل في الجنوب أمر سهل وممكن؛ لأن الأهالي يشترونه بكثرة.