رضخ ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، للضغوط الدولية والداخلية، وأطلق دعوة جديدة للحوار مع المعارضة، لكنها دعوة «بين مكوّنات المجتمع البحريني» وليست بين المجتمع والنظام، وفي المحور السياسي فقط واستكمالاً لحوار سابق رفضته المعارضة، وبقيادة وزير العدل (الشيخ خالد) وليس ولي العهد (الأمير سلمان) كما تأمل المعارضة، كما لا يمكن أن يكون حواراً وطنياً شاملاً، وهي أمور تنتقص من أهميته.
ورغم أن الدعوة تأتي بعد ضغوط وفي ظل أجواء دولية مؤاتية، ما يعني إمكانية إنجازها بعض الإصلاحات، فإن المعارضة تخشى من أن تكون مبادرة لتقطيع الوقت ومناورة سياسية جديدة غرضها إضعاف الحراك الشعبي.
رغم ذلك، جاء ردّ جمعيات المعارضة إيجابياً، ورحبت 6 جمعيات، هي: الوفاق ووعد والتجمع الوحدوي والتجمع القومي الديموقراطي والمنبر والإخاء الوطني، في بيان بالدعوة، مذكرةً بمطالبها القاضية «بالتحول إلى نظام الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، الذي يجعل من الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات جميعاً، كما أوضحت وثيقة المنامة».
وقبل استبيان مآخذ المعارضة وملاحظاتها على الدعوة، لا بد من تأكيد ما يأتي:
أولاً، إنها دعوة موجهة أولاً من الملك عبر وزير العدل لا عبر وليّ العهد، المحبب لدى المعارضة الوسطية، وموجّهة الى الجمعيات السياسية والمستقلين، من المعارضة والموالاة، ولا داعي لذكر أن معارضة السجن والمنفى غير معنية بالأمر لأنها في حالة طلاق مع النظام. ثانياً، هي دعوة «لاستكمال» حوار التوافق الوطني، الذي جرت أولى جولاته في أواخر عام 2011، والذي اعترضت جمعيات المعارضة الأساسية على آلياته والمشاركين فيه، حيث كانوا بغالبيتهم من الموالين، قبل أن تنسحب منه أكبر الجمعيات «الوفاق» الوطني الإسلامية، وبالتالي قد يكون استكمالاً بالشكل أيضاً لجهة عدد المشاركين وتوجهاتهم. ثالثاً، هو حوار بين الجمعيات السياسية المتضادة، وليس بينهم وبين أسرة آل خليفة.
معطيات لا تدعو الى تفاؤل كبير بخروج حلّ نهائي للأزمة، وتشير الى أن الدعوة ربما لا تعدو كونها مبادرة تخديرية، بانتظار ما يمكن أن تحمله التغييرات الإقليمية، بمعنى آخر «قد تكون مجرد دعوة لتقطيع الوقت في ظل عاصفة هائجة تضرب المنطقة»، بحسب ما يؤكّد مراقبون لـ«الأخبار».
مع ذلك، فإنّ هذه الدعوة تدلّ على إقرار السلطة بأن جولات الحوار السابقة، وما تباهت بإنجازه في حوار التوافق الوطني في 2011، لم يحلّ الأزمة، بل على العكس، دفعها الى المراوحة في مكانها إن لم يزد في تعقيدها، كما أنها تأتي بعد لقاءات بين المعارضة والسلطة، وبعد زيارات متتالية لوفود غربية، عملت كوسيط بين المعارضة والسلطة، وحملت «تعليمات» من دولها الى حكام المملكة بضرورة إجراء إصلاحات إن أرادوا تحصين الأرخبيل من «حمّى» الربيع العربي.
وفي حديث الى «الأخبار»، قال النائب السابق في جمعية «الوفاق»، خليل مرزوق، إن «الوفاق» لم تتلق بعد دعوة رسمية لمثل هذا الحوار، ولا تفاصيله أو المشاركين فيه، مشيراً في الوقت نفسه الى تسريبات تتحدث عن 12 أو 20 شخصية. ورغم إيجابية هذا الطرح، قال إن العدد لا يهم، إذ يمكن أن يأتوا بشخصيات معرقلة.
ولم يرد مرزوق أن يكون متشائماً، لكنه أبدى خشيته من أن تكون الدعوة مناورة جديدة من مناورات السلطة، محذراً من أن مثل هذه المناورات تعمق أزمة الثقة. ولم يستبعد أن يكون هناك مراهنات من خلال هذه الدعوة على إضعاف الحراك الشعبي، وبث التفرقة بين الجمعيات، أو المراهنة على التحولات الإقليمية، من دون أن يغفل الإشارة الى «من يعتقد بأن أي حل سياسي يمكّن الشعب سيحرمهم من الاستئثار بالسلطة والامتيازات، ولذلك هو يعاند ويعطل أي مبادرة»، في إشارة الى التيار المتشدّد. لكن وزير الديوان خالد بن أحمد، رأس هذا التيار، كان قد أجرى جولات من المحادثات مع المعارضة في بداية العام الماضي، وكانت الأخيرة متجاوبة، ما يعني أن هذا التيار قد يكون منفتحاً في مكان ما على إجراء إصلاحات.
وتساءل مرزوق عن آلية اتخاذ القرارات في الحوار المقبل، وكيف سيتم التعامل مع نتائجه؟ من خلال الشعب أو بنفس الآلية السابقة التي اعتمدت في حوار التوافق الوطني، بأن ترفع الى الملك كي يستنسب وفق مزاجيته. لكنه، دعا الى أن تكون الدعوة جادة، والى إيجاد آلية سياسية حقيقية. وأكد أنها «عملية سياسية للحوار»، ونقاط الخلاف قابلة للتفاوض.