من أين يمكن أن نبدأ الكتابة عن المرأة اليمنية والثورة؟ منذ قيام الثورة في شباط عام 2011؟ أم منذ أن فازت توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام؟ أم منذ سقوط عزيزة المحاجري كأول شهيدة؟ لأسباب تتضح لاحقاً، فإن أنسب انطلاقة لهذا المقال هي الحديث عن زهراء صالح.
هذه القيادية في الحراك الجنوبي، اعتُقلت في 8 تشرين الثاني عام 2010 بعيداً عن أعين الإعلام أشهراً عديدة، دون أن تستطيع الحصول على محامٍ، ثم أُفرج عنها بلا احتفاء محلي يُذكر، علماً أنّها اعتُقلت قبل ذلك أربع مرات، أولاها عام 2007، ورغم ذلك لم تكن يوما في بؤرة الاهتمام الإعلامي. وإذا تركنا موضوع زهراء جانباً، فإن مشاركة المرأة في الحياة العامة في عدن أمر ليس مستغرباً لأسباب تاريخية واجتماعية معروفة، فيما الأمر في شمال اليمن أكثر تعقيداً، وليس من السهل استعراضه باختصار، يل يُمكن القول إنّ المرأة حاضرة هناك أيضاً وتحديداً في الريف. ولم يكن الاختلاط يوما عقبة حقيقية، لكن هل هذه مبررات كافية لحضور المرأة اللافت في الثورة؟
إنّ النظرية التي تقول إنّ مشاركة النساء في الثورة هي أول خروج للمرأة اليمنية ليست صائبة، كما أنّ التحليلات التي تستلهم سيرة الملكتين بلقيس وأروى فيها «تسخيف» للأمر برمته، لكن الأقرب إلى الحقيقة هو أن الحضور النسائي القوي لم يكن ليستمر ولو أسبوعاً واحداً دون الرعاية الرسمية لهذا الحضور من قبل الإسلاميين (حزب الإصلاح) دون غيرهم، الذين عملوا على نحو ممنهج «بما لا يُخالف شرع الله» لضمان توافد النساء إلى الساحات، مستغلين قانون القبيلة الذي يجرّم الاعتداء على المرأة، وبالتالي يستطيعون التمترس خلفها دون خجل! بداية وُضع حاجز قماشي بين النساء والرجال، ثمّ إسمنتي، تلاه تأليف لجان النظام من أجل مراقبة «أداء» جماهير الثورة، ثم كانت الحادثة الشهيرة في 16 نيسان 2011 حينما تعرضت عدد من الناشطات للضرب والتخوين والقذف لأنهن خالفن «الشريعة»، وخرجن بجانب «أشقائهن» الرجال، ثم توالت الانتهاكات التي تعرضت لها غير المحصّنات بـ«ختم» الإسلاميين. وبالتوازي مع كل هذا سلّطت الأضواء على الناشطة الشابة توكل كرمان. الفتاة المحجبة والأم لثلاثة أطفال، التي تنتمي إلى حزب إسلامي، ورغم ذلك خلعت النقاب ودخلت الثورة. إنها التوليفة التي تروق الغرب والمانح الأجنبي ـــ الأميركي تحديداً ـــ فبالنسبة إليهم هذا أجمل من أن يكون حقيقة، ولهذا فقد دعم الإسلاميون (حزب الإصلاح) «نصفهم الحلو» بإمكانيات إعلامية باذخة ـــ قناة الجزيرة على سبيل المثال ـــ فآتت أكلها على هيئة جائزة دولية رفيعة تساوي ملايين الريالات، في الوقت الذي ما زال فيه الإسلاميون (حزب الإصلاح) يتصدرون قائمة المعادين وبشراسة لقانون يحد من زواج الصغيرات، الذي تموت بسببه 8 إناث يومياً!
الآن ونحن نقترب من الذكرى الثانية للثورة اليمنية، علامَ حصلت المرأة يا ترى؟
في ما يخصّ الجانب السياسي، الغموض هو سيد اللعبة. فقد نصّت المبادرة الخليجية (التي أنهت الاقتسام بين الحكومة وأحزاب المعارضة) على ضرورة «تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً» في الحكومة الجديدة، وكانت نتيجة هذه العبارة شديدة الالتباس، تعيين ثلاث وزيرات، إحداهن وزيرة بلا حقيبة (جوهرة حمود)، واثنتين في وزارتي «حقوق الإنسان» و«الشؤون الاجتماعية والعمل»، وهما وزارتان «ناعمتان» بعيدتان عن الفعل السياسي الحقيقي والمرهون به التحسن الفعلي لأوضاع المرأة، علماً أنّ الوزارتين الآنفتي الذكر كانتا من نصيب النساء منذ عهد الرئيس السابق.
من ناحية أخرى، ذكر تقرير أطلقته منظمة «أوكسفام» في أيلول الماضي أنّ أربع نساء من أصل خمس في صنعاء ساءت ظروفهن الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة. وأضاف التقرير إنّ «النساء يلجأن إلى وسائل يائسة ومدمرة للتأقلم، وذلك من أجل توفير المزيد من الطعام لعائلاتهن، وفي بعض الحالات الأكثر صعوبة أُجبرت نساء على ممارسة الدعارة»!
وأشار التقرير، في موضع آخر، إلى أنّه «فيما يسير الانتقال نحو الديموقراطية قدماً، تتراجع آمال النساء بحياة أفضل»، لافتاً إلى أن «تفاقم الأزمة الانسانية والنزاع يحدان من دور المرأة في رسم مستقبل اليمن».
إذاً، إنّ الإصرار على أن مشاركة النساء الجامحة في الثورة معجزة «يمنية» من إنتاج بلد «الإيمان والحكمة» ليس صحيحاً، فمشاركة النساء كانت تكتيكاً مدروساً نفذه الإسلاميون ببراعة. وما زالت المرأة تُعاني تجاهلاً شبه تام لمطالبها التي يبدو أنها لن تتحقّق قريباً، فقد خرجت مطالبةً بحياة كريمة وبمساواة كاملة، لكن يبدو أن ساحات الثورة هي الوحيدة التي كانت دائماً «كاملة العدد»، وما عدا ذلك كان ناقصاً.
*كاتبة يمنية