صنعاء | إنها ليست مزحة. عدد من جرحى شباب الثورة ينامون في الشارع وفي حالة إضراب عن الطعام بمشاركة مجموعة من الناشطين المدنيين. يغالبون أوجاعهم أمام مبنى مجلس الوزراء منذ أسبوع، علّ وزراء حكومة الوفاق اليمنية، الذين أتى نصفهم إلى هذه الحكومة على دماء شهداء الثورة وجرحاها، ينظرون إلى حالهم. فبتضحيات هؤلاء قامت ثورة سلمية أسهمت في إزاحة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن كرسي حكم تمدد عليه طوال 33 عاماً، فيما كانت القوى السياسية نفسها تقف بعيدة عن المشهد يتلاعب بها وقت كان في السلطة. ويختصر الإضراب المستمر منذ أسبوع حجم فضيحة حكومة الوفاق التي لا تكترث بتلك الأجساد الجريحة. فلم يكن أحد يتصور أن يصل الوضع بجرحى الثورة إلى حد كهذا. «صرت أتبرز عبر أنبوب» يقول علي حميد، الذي نجا من الموت بعدما تلقى رصاصات في ظهره في موقعة 18 أيلول 2011 التي جرت في جسر كنتاكي الذي كان فاصلاً بين شمال صنعاء وجنوبها.
لكن المأساة لم يرَد لها أن تتوقف عند هذا الحد. فأحد الجرحى توفي متأثراً بجروحه، فيما انهار آخر ونُقل إلى المستشفى بسبب تدهور حالته الصحية. مزيد من المعاناة كان الجرحى على موعد معها بعد أن اختُطف قبل يومين اثنان منهم، أثناء ذهابهما الى ساحة التغيير لتبديل ملابسهما، من قبل ثلاثة أشخاص مجهولي الهوية قاموا بالاعتداء عليهما. أما الهدف فكان ابلاغ المتضامنين مع الجرحى وبشكل خاص النائب أحمد سيف حاشد «انه اذا لم يتخل عن قضية الجرحى فإنهم سيختطفون الجميع ويلقطوهم على واحد واحد». والأخير تولى متابعة قضاياهم أمام المحاكم إلى أن أصدرت المحكمة الإدارية الابتدائية في صنعاء منتصف شهر تشرين الثاني الماضي حكماً يلزم الحكومة بعلاجهم على نفقتها في الخارج.
واستكمالاً للمشهد المخزي، وقفت حكومة الوفاق متفرجةً أمام إطلاق الشرطة النار في الهواء لتفريق المحتجين الذين خرجوا لمناصرة قضية الجرحى أول من أمس، متهمةً إياهم بتنفيذ الإضراب لغايات سياسية.
بسّام الأكحلي، عميد جرحى ثورة الشباب اليمنية، رفض في حديث لـ«الأخبار» تلك الأقوال. ويقول: «أنا في الأصل نزلت إلى ساحة الثورة من أجل الثورة ولا أنتمي إلى أي حزب ما، نزلت فقط من أجل المشاركة في تغيير الوضع». ويوضح أن «ما منعه من المشاركة في الإضراب على الأرض هو حالة الإعاقة التي يعيش معها وتمنعه من النزول مع رفاقه».
أما النائب البرلماني أحمد سيف حاشد، فيسخر من تلك الأقاويل التي تحاول أن تسيّس عملية دعمه لفعالية الاضراب عن الطعام. وأوضح لـ«الأخبار» أنها ليست المرة الأولى التي يتضامن فيها مع الناس العاديين والمقهورين. لكنه يؤكد أن هذه المرة «حالة خاصة تتلخص في مسألة تضامنية مع شباب الثورة الذين كانت حياتهم في أيديهم وهم يقفون في مواجهة نيران النظام السابق وكانوا سيفقدونها في اي لحظة، لكنهم الآن وبعد أن كُتبت لهم الحياة كُتب عليهم أن يتسولوا قيمة علاجهم، وهذا أمر مرفوض من قبلهم وقبلنا».
لكن يبقى السؤال: أين ذهبت أموال الثورة التي جناها حزب التجمع اليمني الديني (حزب الإخوان المسلمين) طوال أسابيع الثورة وشهورها؟ وفوق ذلك أين ذهبت تلك الأحكام القضائية الباتّة التي قضت بعلاج هؤلاء الجرحى على حساب الدولة؟ يبدو أن كل هذه الأموال في جيب الإصلاح.
في آذار 2012 «تكرمت حكومة الوفاق بـ50 مليون ريال يمني لحساب مؤسسة وفاء». وفي مطلع الشهر الماضي، أقدم وزير المالية صخر الوجيه، الذي يؤخر صرف مستحقات الجرحى، على تحويل مبلغ مليارين و248 مليون ريال إلى حساب مؤسسة «وفاء» ذاتها. وبالمراجعة، يتضح أن هذه المؤسسة التي تعنى بكفالة شهداء الثورة اليمنية وجرحاها ليست سوى مؤسسة تابعة لحزب الإصلاح وغير قانونية، اذ لم تتحصل إلى الآن على ترخيص قانوني يمنحها الحق في ممارسة أعمالها.
وفيما تعالج هذه المؤسسة جرحى دون آخرين، تنجرّ الحكومة إلى اللعبة نفسها. فها هي القناة الفضائية الرسمية الأولى تبث برنامجاً يعرض عمليات الاهتمام بمن يفترض أنهم جرحى الثورة. لكن في الحقيقة، يروي البرنامج العناية التي يلقاها جرحى يبدو أنهم من فصيل حزبي بعينه، فيما لا تبدو قصص جرحى الثورة الذين يتبعون أحزاب اليسار في الصورة؛ إذ إنهم ينامون على جدار مبنى حكومة الوفاق للمطالبة بحقهم في العلاج.
هزل لا يتوقف عند هذا المستوى ولم يكن من الممكن أن يكتمل إلا بظهور الرئيس السابق علي عبد الله صالح. فتراخي حكومة الوفاق عن القيام بمسوؤلياتها فرصة لم يكن من الممكن إلا أن يحاول الأخير اقتناصها. لذلك لم يكن مستغرباً أن ينشر موقع «المؤتمر. نت» التابع لحزب المؤتمر الشعبي خبراً يقول: «وجه الزعيم علي عبد الله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام قيادات المؤتمر بتقديم الدعم والمساعدة لجرحى أحداث الأزمة السياسية التي شهدها اليمن عام 2011 المعتصمين أمام مقر مجلس الوزراء»، حاثاً الأطباء المنتمين إلى المؤتمر على بذل ما يستطيعون لمساعدة جرحى أحداث عام 2011. مشهد أراد اكماله بإرسال قناته التلفزيونية لتصوير الجرحى بينما تزود جماعته المعتصمين بالبطانيات. لكن الشباب المشاركين في الإضراب إلى جانب الجرحى نجحوا في افشال هذا المخطط بعد طرد فريق التصوير وتأكيدهم أن من خرج إلى الشوارع طلباً لإخراج صالح من الحكم لن يقبلوا تحت أي ظرف مساعدة من جلادهم.