لأول مرة يذهب النائب وليد جنبلاط إلى السعودية، حاملاً حقيبة أفكار للحل في لبنان، لا حقيبة خاوية لملئها بالمال فقط. يعتقد جنبلاط ان السعوديين تأخروا في استقباله سياسياً، لكن أن تأتي الدعوة متأخرة خير من ألا تأتي أبداً. فالمختارة لا تمارس سياسة حسابات شخصية، بل حسابات مصالح. لا صداقاتها دائمة، وكذلك عداواتها. الدائم هو «وجه المختارة» على حد تعبير ديبلوماسي سعودي لصيق الصلة بالملف اللبناني.
وتلفت مصادر مطلعة إلى أكثر من مؤشر للدلالة على أن جنبلاط في زيارته الأخيرة للسعودية كان شخصاً مختلفاً. فهو يريد من الرياض ان تستمع اليه أكثر مما يريد ان يستمع هو اليها. والسؤال: هل يتسع صدر السعوديين لاقتراحاته؟
اهم هذه المؤشرات، أن جنبلاط ــ على نحو غير مسبوق ــ عمل قبل ذهابه الى المملكة على فتح اكثر من قناة تنسيق بشأنها مع حزب الله. وفي إحداها اشترك شخصياً في هذا الجهد. وتجدر الإشارة هنا الى انه قبل ساعات من الزيارة، التقى النائبان اكرم شهيب وعلي فياض ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، لبحث ملف قانون الانتخاب وحركة جنبلاط الداخلية والخارجية.
الفكرة الأساس لدى جنبلاط في هذه المرحلة هي أن تخدم الزيارة مشروع إنتاج حل للأزمة حول قانون الانتخاب اللبناني، ومجمل المرحلة السياسية التي ستلي الانتخابات النيابية.
وتنطلق رؤية جنبلاط للحل من أن إجراء أي انتخابات في لبنان، يحتاج لرعاية اقليمية. ويرى جنبلاط ان تعويض غياب سوريا عن دور الراعي، يتمثل باستبدال الـ«سين ــ سين» بـ«ألف ــ سين»، أي إيران والسعودية.

ربط الأزمات الثلاث

وبحسب مصادر مطلعة، فإن هذا الطرح تبلور لدى جنبلاط خلال زيارته الاخيرة لموسكو، وما سمعه هناك من أفكار لمبادرة حل جديدة للازمة السورية. تيقن جنبلاط أن جوهر اتصالات الظل الدولية بشأن معالجة الازمة السورية، يوصل الى مسعى روسي ـــ إيراني منسق، تعرضه الديبلوماسية الروسية على واشنطن، يقضي ببدء مسار دبلوماسي جديد للحل في سوريا. وقوام هذا المسار انشاء ترابط كلي في المعالجة وإنتاج الحلول، بين ثلاث أزمات: الأزمة السورية، الملف النووي الإيراني وأزمة البحرين.
ويراهن جنبلاط على انه يمكن الإفادة من خط المعالجات المستجد الآنف، عبر أمرين: اولهما تحصيل إسقاطات إيجابية منه على لبنان. والثاني تحصيل دور داخلي خاص ووازن له، وذلك عبر تبرعه بالسعي إلى إنجاز مخرج يؤمن رعاية اقليمية لحل الأزمة السياسية اللبنانية الناشبة منذ اغتيال اللواء وسام الحسن، التي تهدد بإطاحة الانتخابات. وبناءً عليه، صمّم جنبلاط لخطواته السياسية ان تتنقل في هذه الفترة بين مثلث روسيا والسعودية وإيران (عبر حزب الله). وهذا ما قاد جنبلاط لأن يقيم ربطاً بين زيارتيه الاخيرتين لكل من موسكو والرياض. وهذا ما يفسر أيضاً حرصه بين الزيارتين على إحداث نقلة في نوعية حواره السياسي مع الحزب.
أما المؤشر الحاسم لنجاح مسعى جنبلاط في السعودية، فهو عقد لقاء بينه وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وبحسب معلومات موثوقة، أكد جنبلاط للمسؤولين السعوديين أن لدى المملكة مصلحة في أن تكون لها اطلالة على المسعى الروسي - الإيراني الجديد مع واشنطن لحل الأزمة السورية، وذلك من خلال قبولها بأن تنشئ مع إيران ثنائية لرعاية الوضع في لبنان، هدفها إنقاذ الانتخابات فيه ودعم المشاركة السياسية بين قواه الاساسية، ما يحصن ساحته الداخلية، وخصوصاً في وجه احتمالات امتداد الفتنة الشيعية ـــ السنية اليه.

حل مع الحريري أم من دونه؟

لم يعد خافياً أن الرئيس سعد الحريري، تدخل أخيراً لتخفيف جفاء الرياض لجنبلاط، بعدما كان قد داوم في السابق على ربط تدخله بخضوع الأخير لشروطه حول الموقف من الحكومة عموماً، ومن رئيسها نجيب ميقاتي خصوصاً، وعلاقته بحزب الله بدرجة تالية. وما دفع الحريري إلى إبداء ليونة تجاه جنبلاط، هو تعاظم شعوره بأن السؤال الدولي الموجه إلى الرئيس بشار الاسد حول بدء مرحلة انتقالية للحل في سوريا بمشاركته او بدونه، انتقل ليوجه إلى الحريري أيضاً. فالمطروح إقليمياً، وحتى دولياً، هو أنه إذا كانت هناك بداية تسليم دولي بإنتاج مرحلة انتقالية في سوريا مع الاسد لغاية عام 2014 (موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا)، فإن هذا يستوجب ان تكون «المرحلة الانتقالية» في لبنان من دون الحريري، او على الاقل ببديل موقت عنه، وذلك لضمان صمود سياسة النأي بالنفس، ولو بحدها الرسمي، بانتظار ما ستؤول اليه جهود حل الأزمة السورية. وبمقابل هذه الطروحات، يبذل الحريري المساعي لطرح نفسه زعيماً قادراً على كبح الاستقطاب الأصولي المتطرف للشارع السني في لبنان. لكن مصادر دبلوماسية غربية تشير إلى أن معظم دول الغرب تنظر بفتور إلى دور الحريري، لأنها ترى ان سياساته داخل الطائفة السنية التي نفخت في جمر الاحتقان المذهبي، وفّرت فرصة للتيارات السلفية والتكفيرية بأخذ مكان متقدم لها على الساحة السنية في لبنان، وخصوصاً في الشمال والمناطق المجاورة للمخيمات الفلسطينية في صيدا وبيروت.
وأمام هذا الواقع، يبقى احتمالان لقيادة «المرحلة الانتقالية في لبنان»:
إما الرئيس نجيب ميقاتي، أو عودة الرئيس فؤاد السنيورة ممثلاً للحريري.