لا دروب توصل إلى حديقة الصنائع. قطعها الشيخ أحمد الأسير بحضوره المفاجئ إلى وسط بيروت لمشاركة أهالي الموقوفين الإسلاميين اعتصامهم. في «يوم وليلة» قرر الأسير النزول من صيدا إلى وسط بيروت، فضرب اعتصام حملة التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري ومنظمة كفى عنف واستغلال «حياة النساء أهم من كراسيكم»، الذي كان يجري التحضير له منذ أكثر من شهر.
الساعة الحادية عشرة. بدا المشهد يتيماً على ركن حديقة الصنائع، أمام وزارة الداخلية والبلديات. معتصمون بلا أعداد مفاجئة. كان من المفترض أن تنطلق مسيرة المطالبة بإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري عند تلك الساعة، بعد أن يكونوا قد أسمعوا وزير الداخلية شيئاً من هتافهم، غير أن «إقفال» الشيخ الأسير لطرقات العاصمة، أجبرهم على المكوث قليلاً بانتظار الحشد الذي لم يصل أبداً. في دقائق الانتظار التي بدت طويلة تحت شمس شباط الحارقة على غير عادتها، انشغل منظمو المسيرة وبعض المؤيدين بكتابة لافتات سيحملونها معهم، إضافة لما كان قد جهز مسبقاً. حمل المعتصمون لافتاتهم ومشوا بهتافاتهم صوب عين التينة، حيث يقطن رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وبين الهتاف والآخر، يعلو صوت «الأستاذ» العائد لأربع سنوات خلت عندما أعيد انتخابه رئيساً لولاية رابعة، ويقول فيه «يجب أن يكون المجلس النيابي الجديد معنياً بإقرار التشريعات اللازمة لتعزيز المشاركة الكاملة للمرأة في الحياة السياسية والمجمتع وتعديل القوانين التمييزية (…) في هذا المجال».
كان كل شيء عادياً في المسيرة، باستثناء الوجهة. فبعد رياض الصلح ودرج المجلس النيابي، بدأ الزحف «نحو البيوت»، يقولون. أما ما لم يكن عادياً أبداً فهو الحضور العلني للأحزاب السياسية الذي صار أكثر وضوحاً من قبل. تلك الأحزاب التي بات يعوّل عليها في النشاط المدني، ومنها «تيار المستقبل» و«الكتائب» و«الوطنيون الأحرار». لكن، ليس كل المنضوين تحت هذه الألوية مؤيدين للقانون. صحيح أن الكل ضد العنف ضد المرأة، لكنهم ليسوا مع القانون بتفاصيله. ثمة تحفظات يحكيها الشباب الحزبيون تشبه تماماً ما يحكيه ممثلوهم في البرلمان. تلك التحفظات التي تحول الاغتصاب حقاً للزوج على الزوجة إلى المساواة التي تناقض الشريعة، تحت حجة أن «الرجال قوامون على النساء».
لكن بعيداً عن ذلك، ثمة إيجابية واحدة في حضور هؤلاء، تضاف إلى تلك التي استطاعت المسيرة «قطفها» من خلال تحقيق أكبر نسبة مشاهدة.. من المارّة بفعل الرقصة التي أعدتها «كفى». فهؤلاء الحزبيون، بوجودهم الواضح والصريح وحديثهم لاحقاً في نهاية المسيرة، سيحرجون ممثليهم في البرلمان. وهو ما يعوّل عليه التحالف. فمن دون السياسة، «ما بيوصل الصوت»، تقول إحدى المنظمات... لكن، ليس إلى وقت طويل. فعند الوصول إلى آخر نقطة، التي لم تكن كالعادة هي المقصودة ــ إذ وقف المعتصمون على بعد أمتار كثيرة لن توصل شيئاً من الصوت إلى بيت بري ــ حلّت لعنة السياسة، كما حلت لعنة الأسير في في أول نقطة.
هكذا، لم يكن الختام مسكاً، فعندما بدأت ممثلات الأحزاب المشاركة والمؤيدة للقانون بنقل مواقف زعماء الأحزاب الداعمة لحماية المرأة من العنف، علا الصراخ المشوّش، والذي طالب بأن يكون المكان مفتوحاً للمطالبة بقانون وليس منبراً للدعاية الانتخابية. ولكن، بما أن الصوت المدني ضعيف أمام الآخر السياسي، فقد سكت أو أسكت وتمت تهدئة النفوس على الطريقة اللبنانية: تبويس لحى.



«الجنسية»: مطلوب تعديل

استغرب «اللقاء الوطني للقضاء على التمييز ضد المرأة» وحملة «لأنهم اولادي جنسيتي حق لهم»، في اجتماع عقد أول من أمس، «تأجيل اللجنة الوزارية المكلفة البحث في حق المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني، في اعطاء جنسيتها لأولادها»، مكتفية بـ«نقاش كيفية تحسين بعض التقديمات وكأنما ينظر المسؤولون للمرأة بوصفها مواطنة من الدرجة الثانية، أو كأنها تطلب صدقة». وسأل المجتمعون «كيف يعقل أن نسمح ببقاء قانون الجنسية الصادر عام 1925 أعور في النظر إلى حقوق المرأة، وهي التي تهب الحياة؟»، مؤكدين على «المطلب الواضح الذي لا لبس فيه، وهو مطلب تعديل الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون الجنسية بحيث تصبح (يعدّ لبنانياً كل شخص مولود من أب لبناني أو من أم لبنانية)».