موظفو العدلية يريدون «السلسلة» أيضاً. من يمكنه القول إنهم ليسوا أصحاب حق هنا؟ صحيح أنهم في سائر الأيام يمكنهم، بسلوكهم، جعل أي مواطن يكفر بهم وبدولتهم، ولكنهم أمس كانوا يطالبون بحقهم، وهو حق فعلاً. صحيح أن من هؤلاء من يتقن «فتح الجارور». هذه العبارة معروفة بينهم. عندما يفتح أحدهم درج مكتبه، أمام المواطن الذي حضر لإجراء معاملة ما، فهذا يعني أنه يريد «الإكرامية». كل هذا، وأكثر، صحيح ومعروف تماماً. إنه سلوك ليس محصوراً بهم، إذ يطال تلك الشخصية النمطية المعروفة باسم «موظف دولة». تلك حكاية أخرى. لكن أمس، كان هؤلاء في العدلية على حق. قسم منهم قرر الانضمام إلى الإضراب الذي تقوده هيئة التنسيق النقابية. منهم من لم يحضر إلى العمل، منهم من حضر وتجمّع أمام قصر العدل، ومنهم من بقي في مكتبه مع تعليق للعمل. طبعاً، قسم كبير منهم لم يُشارك، والسبب غالباً كان الخوف.
إذاً، توقفت الأعمال في قصر العدل في بيروت نسبياً، أمس، كما توقف عقد الجلسات وتسيير الاعمال الادارية بسبب امتناع الموظفين عن ممارسة أعمالهم، احتجاجا على عدم إحالة سلسلة الرتب والرواتب على مجلس النواب.
إحدى الموظفات المضربات كانت تتشبث بالإعلاميين لتطلب منهم «نقل الأوجاع والتعتير والظلم إلى المسؤولين». هي من موظفي الدرجة الرابعة، والتي لن يكون نصيبها من السلسلة كبيراً، ولكن مع ذلك تقول: «حتى لو زيادة 100 ألف ليرة فأنا مستعدة أضرب كرمالها». هكذا، وصل الموظف في لبنان إلى هذه الحالة، وربما أكثر، إذ وجد بين المضربين من كان وجهه يشي باستعداد لفعل الكثير، ولو مقابل ليرات قليلة.
موظفو العدلية، بالمناسبة، لديهم وضع خاص يميزهم عن سائر الموظفين الحكوميين. فالجهة المعنية بمراقبتهم ومحاسبتهم، إدارياً، ليست «التفتيش المركزي» بل «هيئة التفتيش القضائي». هذه الأخيرة معنية، بحسب القانون، بمتابعة مخالفات القضاة وسائر المعاونين القضائيين. تحيلهم إلى مجلس التأديب في حال ثبوت التهمة. أحد المسؤولين القضائيين يلفت إلى أن ما فعلوه أمس، لناحية تمنعهم عن العمل وتعطيل مرفق عام «هو مخالفة صريحة للقانون، ويستحقون الإحالة إلى الهيئة أقله للتأنيب، هذا في المبدأ، ولكن الهيئة لن تفعل ذلك لأنها تدرك واقعاً ما لهؤلاء الموظفين من حق».

يُذكر أن تعليق العمل في العدلية اقتصر على بيروت، إذ لم يُسجل شيء من هذا في جبل لبنان وسائر المحافظات والمناطق. لكن بعض الموظفين أوضحوا أن ثمة مبادرات فردية، في مختلف العدليات، تدعو إلى الانضمام التام للإضراب. وقد سُجلت هذه الحالات في مختلف العدليات، ومنها عدلية زحلة، على مدى الأسبوع الماضي.
إلى ذلك، كان لافتاً أن من بين المضربين، كان مؤيدو «تيار المستقبل» أكثر المشاركين في التحرّك. بل كانوا يحرضون سائر الموظفين على المشاركة. الموظفون المؤيدون للجهات السياسية الأخرى ارتابوا من هذا الأمر، ما دفعهم إلى الشك في خلفية التحرّك، فأحجم بعضهم عن المشاركة بسبب خوفهم من الاستغلال السياسي، في حين كان عليهم، ربما، أن يشاركوا بأكبر زخم ممكن إلى درجة يتلاشى أولئك الذين يريدون التصيّد في الماء العكر.
موظف في وزارة العدل أكّد لـ«الأخبار» أنه سيُشارك في الإضراب، كلما سنحت الفرصة، رغم «ظهور شخصيات معروفة بفسادها في العدلية تريد اليوم أن تتصدر الواجهة المطلبية، وهؤلاء بالتأكيد لن يطالهم أحد نظراً لما لدى تيار المستقبل من قوة في العدلية، يمكن معها أن نقول أنها القوة الأولى، وبالتالي أخشى أن تطالني العقوبات لاحقاً، مع العلم أن مطلب إحالة السلسلة هو مطلبنا جميعاً». هو الخوف إذاً، بمختلف أشكاله وعناوينه، الذي يجعل المرء لا يحرك ساكناً رغم شكواه يومياً... شكواه التي لا تتعدى لقلقة اللسان.