ليل أمس، أنقذ أحمد الأسير الكثيرين من الكوابيس التي كانت ستصيبهم وهم يتخيلون المشهد الذي سيصنعه اليوم بعد صلاة الجمعة. فقد وزع عبر الهواتف إلى مناصريه، رسالة قصيرة تدعوهم إلى المشاركة في «الاعتصام السلمي أمام شقق السلاح التابعة لحزب إيران في عبرا بعد صلاة الجمعة، انطلاقاً من مسجد بلال بن رباح». إذاً، «الزلزال الذي لن يهدأ»، الذي هدد به الأسير في مؤتمره الصحافي يوم الثلاثاء، عبارة عن اعتصام سلمي، أو أن الشيخ الذي برع في المناورة يخبئ مفاجأة في صندوق المسجد الذي امتلأ بوصايا المناصرين «الطامحين للشهادة ذوداً عن أهل السنة وكرامتهم». فيما اشتعلت صفحته على الفايسبوك بالروايات الدينية عن غزوة بدر الكبرى وخالد بن الوليد و... واقعة كربلاء الحسين بهدف حض المناصرين على المشاركة في «معركة الكرامة».
اليوم، استفاق الصيداويون على انتشار عسكري وأمني في مختلف أرجاء المدينة يتحين تحرك الأسير منذ ساعات الفجر. مصدر أمني قال لـ«الأخبار» إن «مجلس الدفاع الأعلى الذي اجتمع في قصر بعبدا الأربعاء ومجلس الأمن الفرعي في الجنوب الذي يجتمع اليوم في سرايا صيدا أعطيا الضوء الأخضر للجيش اللبناني والقوى الأمنية للتعاطي بحزم مع أي إخلال بالأمن وظهور مسلح يبرزان خلال تحرك الأسير المرتقب. ولتنفيذ المهمة، انتشر منذ نهار أمس عناصر وآليات فوج المغاوير في الجيش ستدعمها اليوم مجموعات من فوج التدخل السيار وقوى من الأمن الداخلي استدعيت من حاصبيا ومرجعيون وصور والنبطية لمؤازرة قوة صيدا. لكن اللافت في الخريطة الأمنية الميدانية توزيع الانتشار بين الجيش والقوى الأمنية إلى منطقتين. الأولى يتولاها الجيش وتضم عبرا ومن ضمنها محيط مسجد بلال بن رباح وشقتا حزب الله وصولاً إلى المداخل المؤدية إليها من دوار القنايا وحارة صيدا ثم المستديرات الرئيسية ومحيط مجمع الزهراء. أما الثانية فتتولاها القوى الأمنية وتضم القياعة وما خلفها باتجاه صيدا.
لكن ماذا لو ناور الأسير كما فعل خلال تشييع مرافقيه بعد يوم واحد من حادثة التعمير عندما رفع سقف تحريضه وتهديده إلى الذروة؟ حينها، وبخلاف التوقعات، مشى وأنصاره سلمياً في مسيرة التشييع ولم يقدم ذريعة لأرتال القوى الأمنية والعسكرية بأن تعترضه. في حال اعتصم اليوم سلمياً وعاد أدراجه كذلك، فكيف ستتعاطى تلك القوى معه ومع أنصاره المطلوبين تحديداً الذين لا يتوانون عن الظهور علانية يومياً في المدينة وفي تحركاته من دون أن يعترضه أحد؟. يختلف الناس في تقييم هذا المصير: البعض عبّر عن قرفه وملله من دوامة الجنون والتوتر التي تدور فيها المدينة يومياً وتؤثر على الحركة التجارية فيها. وبات كثيرون يتمنون وقوع المواجهة التي يهدد بها الأسير. فيما تنقل مصادر مواكبة من محيط المسجد أن الكثيرين من أنصاره «قابضون الأسير وتهديداته بعد أن استفزهم خطاب السيد حسن نصر الله وتحذيراته». ويؤكدون أنه سيقدم على «عمل بطولي تجاه هيمنة حزب الله علينا». وأكدت المصادر أن الأسير أشار للمقربين منه والذين يسكنون في محيط المسجد والشقق بترك منازلهم اليوم تحسباً. فيما فضلت «بعض العائلات المحايدة أن تخرج بمفردها لتجنيب الأطفال مشاهدة فصل من فصول الحرب».
هذا في عبرا، أما صيدا، فلا تزال تتفرج على الأسير مكتوفة اليدين. اعتصام صغير لبعض أصحاب المحال في السوق التجاري كسر إطار المواقف والمؤتمرات الصحافية كرد فعل على الأسير. أمام مقر البلدية تجمع هؤلاء عصر أمس، مطالبين الفعاليات والحكومة بوضع حد لقطع أرزاقهم واختلاق عداء بينهم وبين محيطهم.
سياسياً، سجلت أمس مواقف إما مثّلت غطاء لموقعة عبرا اليوم أو برأت نفسها منه. النائب السابق أسامة سعد جدد تأكيده على أن «أحداً مهما كان حجمه لن يتمكن من أخذ المدينة إلى خياراته الخاصة، ولن نسمح بتحويل صيدا إلى بؤرة مذهبية منغلقة على نفسها أو متخاصمة مع جوارها وهو ما لم يحصل في يوم من الأيام». وإذ أقرّ بدور القوى السياسية في حسم ما يجري، سأل قبلاً عن «دور الحكومة المسؤولة عن حماية أمن واستقرار البلد ونحملها المسؤولية». وأشار إلى أن تيار المستقبل «الأب الروحي لكل الحالات الاستفزازية التي تشهدها الساحة اللبنانية ويتماهى معها في كثير من طروحاتها». إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود قدم نصيحة للأسير في مؤتمر صحافي، آملاً أن تكون الأخيرة. إذ «يبدو أن هذا الكلام هو آخر الكلام إذا ما أنت أصررت على غيك وضلالك وتريد أن تسلك بكامل وعيك طريق أهل النار بالكذب وتضليل المسلمين والفتنة». وطالبه بأن «استيقظ من غفلتك قبل فوات الأوان»، رافضاً تنصيبه في موقع المدافع عند أهل السنة، بل «شرارة فتنة مطلوبة ومخطط لها أميركيا وإسرائيليا».
مسك ختام المواقف كان البيان المشترك لنائبي صيدا بهية الحريري وفؤاد السنيورة. «الست» التي أعلنت لقادة الأجهزة الأمنية خلال زيارتهم لها في مجدليون أول من أمس أنها «شالت يدها من قصة الأسير»، يبدو أنها «شالتها» لكي تصافح النائب معين المرعبي الذي زارها أمس في مجدليون من جهة، ولكي تصوغ بياناً انتقدت فيه خطاب نصر الله لما تضمنه من «تهديدات مبطنة وتحذيرات باستخدام القوة». البيان الموقع منها ومن السنيورة لفت إلى «أنّ التهديد بمهاجمة مراكز سكنية ودور عبادة أمر مستنكر ومرفوض ولا يمكن القبول له تحت أي ذريعة». وأشارا الى «أنه لا يحق لأي جهة إطلاق التّهديد والوعيد أو فرض الاقصاء على أي أحد». مع ذلك، اعتبر النائبان أن «سكان صيدا لا يقبلون بتفشي أو بوجود أي مظاهر مسلحة خارجة عن الشرعية وعن مؤسسات الدولة الرسمية وأن أي حمل للسلاح واستعماله هو بمثابة تعدّ على القانون وهيبة الدولة وعلى كرامة المواطنين». وطالبا السّلطات الرسمية بفرض القانون على الجميع.
مفتي صيدا سليم سوسان، ظهر أمس مجدداً محاولاً الدخول على خط الوساطات. زار مجدليون واستقبل محافظ الجنوب وقائد سرية درك صيدا. لكن لم يسمع له تعليق أو موقف. وفلسطينياً، نأت القوى الإسلامية الفلسطينية بنفسها عن التوسط علانية مع الأسير كما فعلت في أزمات سابقة. وعقد اجتماع في سفارة فلسطين ضم ممثلين عن حركة فتح والحركة الإسلامية والمجاهدة وعصبة الأنصار، جرى التوافق فيه على تجنب الدخول في الأزمة الأسيرية الحالية.
وفي بيروت، وُزِّعت بيانات تدعو إلى الاعتصام امام مسجد الإمام علي، تضامناً مع الأسير «الذي يدافع عن الطائفة السنية». ووزِّعت بيانات مماثلة في طرابلس، تحذّر من المساس بإمام مسجد بلال بن رباح.
في المقلب الآخر، لا يزال حزب الله متمسكاً بموقفه: «نحن لم نعتدِ على أحد، ولن نعتدي على احد. ولأي كان الحق بالتعبير عن رأيه، لكننا لن نسكت عن أي اعتداء علينا».