يمكن أن يحزر المراقب نتيجة التصويت على توصية هيئة التنسيق النقابية بالاستمرار في الإضراب المفتوح سلفاً. فالضغوط السياسية التي «خنقت» المعلمين والموظفين في اليومين الأخيرين لفك الإضراب «على بلا ولا شي» انفجرت غضباً في قصر الأونيسكو. ويبقى التحدي تحويل هذا الغضب من الاستهتار بالحقوق إلى موافقة على التوصية المرفوعة إلى مجالس المندوبين والجمعيات العمومية نهاية الأسبوع. لم يُطق من فضحوا الفساد في الشارع أن يسمعوا في القاعة المقفلة ممن «استنزفنا ثلاثة أسابيع» غزلاً انتخابياً. مع ذلك، ما جاء على ألسنة ممثلي القوى السياسية من كلام تضامني يمكن استثماره في معركة السلسلة في صالح المعلمين والموظفين. ألم يقل لهم السياسيون: استمروا ونحن معكم؟». يكفي هذا الكلام وحده ليكون ضوءاً أخضر علنياً يفضح ما يجري تحت الطاولة، على أيدي هذه القوى، من محاولات لإجهاض تحرك يؤسس لحركة نقابية واعدة. هل العودة عن الإضراب من دون مكاسب هو الحل المنشود؟ يتردد البعض في الجواب لكون «سياسيينا عم بيمسكونا بالإيد اللي بتوجعنا: التلامذة».

أما الجواب النهائي فسيكون بعهدة القواعد في اليومين المقبلين.
أمس، لم يتغير المشهد كثيراً بين الشارع والقاعة. الوجوه نفسها. النبض نفسه. الاستياء من السياسيين نفسه حتى لو تضامنوا معهم. ربما لهذا السبب هتفوا صباحاً أمام مبنى التفتيش المركزي «عَ البنّا البنّا البنّا، حكومة الظاهر ما عنّا، كفي المشوار يا أيوب إنتَ ومحمود وحنّا»، في إشارة إلى فقدان الثقة بغير القيادات النقابية.
عريفة لقاء الأونيسكو مرتا الدحداح عكست هذا النبض حين قالت: «استنهضتم هممنا بتجاهلكم. شكراً لكم. بفضلكم زدنا عدداً».
يراهن المعلمون والموظفون في نجاح حركتهم على هيئة التنسيق النقابية التي أصبحت، كما قال رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي محمود أيوب، «حاجة وطنية لكونها الطرف الثاني من الميزان ومن دونها يختل التوازن الاجتماعي ويصبح اللبنانيون فريسة الرأسمال المتوحش الذي هو بطبيعته كالنار التي تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله».
وحمّل الحكومة «مسؤولية الإضراب المفتوح ومصير مئة ألف طالب يستعدون للامتحانات الرسمية ومسؤولية عرقلة إنجاز معاملات المواطنين».
بعدها تتالت المواقف السياسية التضامنية التي لا تصرف إلّا في الانتخابات، بحسب الحاضرين، ومنها تأييد وزير التربية حسان دياب لوضع سلسلة جديدة، وتحسين الوضع الاجتماعي للمعلم، وزيادة راتبه الذي لم يلحقه أي تعديل منذ 15 عاماً، تمهيداً للإصلاح التربوي.
لم يدعُ الوزير المعلمين والموظفين إلى إعادة النظر بموقفهم استناداً إلى وعود رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء كما كان مقرراً، بل اكتفى بالقول: «إن تأييدي لحرية التعبير حدوده عدم إضاعة العام الدراسي والتفريط بمصالح التلامذة».
وقال وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي إنّ «تحرك الهيئة في هذه المرحلة هو التجربة المشرقة الأولى في لبنان منذ اندلاع الحرب، ولذلك هي أمانة ومسؤولية، وعلينا المحافظة عليها لأنها تعيد إحياء الحركة النقابية على أسس سليمة».
بدوره، خاطب النائب علي بزي المشاركين بالقول: «في وطن يعزف كثيرون فيه على أوتار التحريض والتجييش عزفتم على أوتار الوحدة والتضامن»، مشيراً إلى أنّ «كتلة التنمية والتحرير برئاسة الرئيس نبيه بري منحازة تماماً إلى جانبكم».
كتلة الوفاء للمقاومة تقول هي أيضاً بصوت عال، بحسب النائب نوار الساحلي «كفى إفقاراً للطبقة المستضعفة ولحقوق من يربي الأجيال»، فيما يؤمن عضو تكتل التغيير والإصلاح سيمون أبي رميا «بأننا في لبنان نحتاج إلى ورشة إصلاحات جذرية لتغيير كل المقاربات الاقتصادية السائدة»، مؤكداً أننا «نعيش لحظة تكاتف معكم لأن حقوقكم غير مصانة، وليس الكل مشاركين بالجريمة بحقكم».
أما المنسق العام لقطاع التربية والتعليم في تيار المستقبل نزيه الخياط فقال للمعلمين والموظفين: «لستم من عطل المسار الإصلاحي للنهوض بالوطن، بل عقلية الاستزلام والانتهازية السياسية والانتفاع الشخصي من دون حسيب أو رقيب».
وما إن صعد عضو كتلة القوميين السوريين الاجتماعيين النائب مروان فارس إلى المنبر حتى علت الصرخات في القاعة احتجاجاً على «الكلام الكاذب». وبدلاً من متابعة فارس الذي قال إنّ «قضيتكم هي قضية جميع الوطنيين اللبنانيين ومجرد إحالة السلسلة إلى المجلس النيابي يعني إقرارا لها»، اتجهت الأنظار إلى الغضب الذي ساد القاعة.
وتبرع الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي تاج الدين غزاوي للتعبير عن الموقف فقال من على المنبر: «إذا عاملينو مؤتمر انتخابات خلينا نفهم، شبعنا غزل انتخابي وكذب، طلع بس ميقاتي المشكلة؟».هذا الغضب استدعى تدخلاً من رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب الذي صعد هو الآخر إلى المنبر وحاول منع الغزاوي من إكمال مداخلته قبل أن يعتذر من الضيوف قائلاً: «هذا التضامن من حقنا وبدنا اياكم معنا. هذه المطالب بدنا ناخدها منكم مش من القمر».
ولفت العميد وهبة قاطيشا من القوات اللبنانية إلى أننا «نعيش وجعكم وألمكم وضيق عيشكم»، داعياً إلى إخراج حنا غريب من الشارع قبل أن يتحول إلى «حنا فاليسا».
ودعا الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة إلى «عدم الخضوع لمنطق الاحتيال والتأجيل»، قائلاً: «لا نضمن أنّ هذه الطبقة السياسية ستبقي بلدنا بخير حتى 21 آذار، لذلك فالمطلب واحد: أحيلوها».
وسأل عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب مجيد العيلي: «من يعارض السلسلة حتى الآن؟». أجاب: «الكل يؤيدها خارج مجلس الوزراء ويعارضها داخله». واتهم ممثل الحزب الديمقراطي اللبناني سليم مصلح الحكومة بـ«الانحياز والرضوخ للهيئات الاقتصادية». وأشار رئيس مجلس الأهل في ثانوية زاهية سلمان حسين المولى إلى أنّ «مدارسنا باتت باردة بعدما قبع أولادنا قسراً في بيوتهم لأنّ أساتذتهم في الشوارع يطالبون بأبسط حقوقهم».
وسألت ثريا هاشم باسم الهيئات النسائية المسؤولين «بماذا هم مشغولون عن قضايا الناس وهمومهم؟ بإصدار قانون انتخابات يكرس الطائفية والمذهبية؟ أم بقانون انتخابات يحافظ على كراسيهم؟». وناشد الطالب عمر عثمان الحكومة بت السلسلة من دون مماطلة وبما يضمن مصلحة التلامذة.