عرض رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أفيف كوخافي، صورة تشاؤمية للوضع الأمني الإستراتيجي الذي تواجهه إسرائيل في محيطها المستجد. وتضمنت الصورة التي قدمها كوخافي أمام مؤتمر هرتسليا أمس، تشريحا للتهديدات التي تعترض إسرائيل من الجبهات المختلفة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعصف بالمنطقة، والتي رأى أنها ستستمر في المدى المنظور.

وخصص الجنرال الإسرائيلي الجزء الأكبر من كلامه لإيران التي اعتبر أنها تمثل التهديد الرئيسي على إسرائيل. ورأى أن «البرنامج الإيراني النووي يتقدّم بوتيرة أكثر بطئاً من المخطط إلا أنه يتقدم. وعلى الرغم من كل العقوبات، فإن وتيرة تخصيب اليورانيوم تبلغ 14 كيلوغراماً في الشهر، وهذا يمنحهم القدرة على تطوير 4 إلى 5 قنابل إذا ما قرروا ذلك»، مشيراً إلى أن «الفجوة الرئيسية المتبقية أمامهم فيما لو أرادوا بناء قنبلة نووية هي استكمال تكونولوجيا إنتاج السلاح».

وإذ اعتبر أن النظام في طهران يحرص على عدم اجتياز الخطوط الحمراء، أعرب كوخافي عن تقديره بأن طهران ستعمل على تطوير قدراتها النووية خلال فترة قصيرة، لافتاً إلى أنها «لا ترى أن هناك احتمالات مرتفعة لأن يشن العالم هجوما على منشآتها النووية».

ورأى كوخافي أن هناك ثلاثة أشياء موضوعة على جدول الأعمال في طهراك هي: «الحفاظ على النظام السوري، البرنامج النووي وتعميق الحضور في أرجاء الشرق الأوسط بواسطة أذرع صارت منتشرة في دول كثيرة، وأخيراً تنظيم خلايا لتنفيذ عمليات ضدّ أهداف إسرائيلية».

وحول المفاوضات بين الغرب وإيران، قال كوخافي «الإيرانيون يواصلون اللعب ويحاولون كسب الوقت، ونحن نرى أنّ هناك تصدعات أولية في الإيديولوجية، وهناك أصوات تدعو إلى إعادة النظر بسبب العقوبات التي تثقل على الجمهور». ورأى أنّ «قادة النظام في إيران يشعرون بضغط لا سابق له بسبب العقوبات». وأشار إلى أنّه، وفقاً لتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، فإن «العقوبات ستتسبب في إعادة نظر أكثر حسما لدى رجال خامنئي، وإن لم يحصل ذلك في هذه المرحلة». لكن على الرغم من ذلك قدر كوخافي أن طهران «من المحتمل أن تقدم تنازلات جزئية، لكن ليست جوهرية».

وفي السياق الإيراني، أشار كوخافي إلى أن السودان تحول إلى حليف لإيران التي تستخدمه كترانزيت لنقل الوسائل القتالية إلى أفريقيا وسيناء. وأضاف أن «قدرة نقل السلاح إلى هناك صارت وتيرتها أعلى، كما أن النظام السوداني وجد شريكاً لدفع مصالحه قدماً».

وفي الموضوع السوري، قدّم رئيس «أمان» تقريراً مفصلاً حول الوضع الميداني واصفاً سوريا بـ«الدولة المفككة التي لا تسيطر تقريبا على مجالاتها السيادية وتخسر مناطق واسعة لمصلحة المتمردين فيما يحاول نظام الأسد الصمود». واعتبر أن «هناك دولتين في سوريا، دول الأسد ودولة المتمردين وأجزاء واسعة من الدولة أصبحت تحت سيطرتهم. معظم المدن تخضع للسيطرة الكاملة أو الجزئية للمتمردين. 11 من أصل 17 معبراً حدودياً موجودة تحت سيطرتهم وهذا يتيح الدخول الحر للأشخاص والوسائل القتالية». وأشار إلى أن «8000 سوري يعبرون الحدود يوميا ويتحولون إلى لاجئين، وإلى حصول أكثر من ألف عملية تفجير في سوريا خلال العامين الماضيين. كما أن وضعية البنى التحتية في سوريا في أسوأ حالاتها في ظل تعرضها اليومي للهجمات. الإنتاج النفطي انخفض بنسبة 40 في المئة كما أن الكهرباء تخضع لتقنين متواصل. الجيش السوري الذي فقد آلاف المقاتلين ويعاني من فقدان ثماني دورات تجنيد فيما معنويات الجنود وأهليتهم في مستوى متدن». وأضاف «في بداية الأحداث كان الجيش يعد 360 ألف جندي، واليوم نقص منه 13 ألف قتيل و40 ألف فار من الخدمة. مستوى الاستعداد للجيش متدن، سواء على صعيد التجهيز أو العديد البشري».

ووفقاً لكوخافي، فإن الرئيس السوري، بشار الأسد، يجري استعدادات متقدّمة لاستخدام السلاح الكيميائي، إلا أنه لم يعط بعد الأمر لاستخدامه. وأضاف «الأسد يحتفظ بالسيطرة على السلاح الكيميائي وعلى سلاح الجو والمنظومات النارية، وهو يصعد خطواته ويزيد من استخدام القوة». ووصف إيران وحزب الله بالسندين الأساسيين للنظام السوري، مشيراً إلى أنّهما يقدمان كل أشكال الدعم له بدءاً من المشورة العسكرية الإستراتيجية، والمساعدة بالأموال والذخيرة والوسائل القتالية، وصولاً إلى القوات المقاتلة وإقامة جيش شعبي يعد 50 ألفاً، ويطمحان إلى زيادة العدد إلى 100 ألف.

وبحسب رئيس «أمان»، فإن إيران وحزب الله يستغلان هذا الوقت من أجل إنجاز القدرات العسكرية التي يرغبان فيها: صواريخ بر بحر، منظومات دفاع جوي وأسلحة متقدمة أخرى. وهما يستعدان لليوم الذي يلي سقوط النظام من أجل الدفاع عن مصالحهما، سواء عن طريق الصراع أو التنافس على السلطة بعد الأسد.

وتطرق كوخافي إلى التوتر في الشارع الفلسطيني مستبعداً اندلاع انتفاضة ثالثة، ومستبعداً أيضاً التوصل إلى تسوية سياسية في السنوات القادمة». ورأى أن حركة «حماس» تضررت بشكل قاس في عملية «عمود السحاب» «فهي لم تتمكن من تحقيق إنجاز عسكري أو إعلامي، ولذلك فإن الفشل محفور في وعيها. مع ذلك، لقد حققوا إنجازات استراتيجية، مثل قيادة المقاومة وسط الشعب الفلسطيني والحصول على احتضان من جانب مصر وتركيا. «حماس» تحتاج إلى وقت لترميم وضعها، وهي قررت أن تركز على المستوى الإستراتيجي السياسي لأنها ترى أن هناك فرصة على خلفية الصعود السني (في المنطقة) وأزمة السلطة الفلسطينية يمكنها أن تستغلها من أجل إنجاز تسوية وحتى السيطرة على السلطة».

وفي الصورة الشاملة، رأى الجنرال الإسرائيلي أنه «للمرة الأولى من عشرات السنين، لإسرائيل أربعة حدود نشطة تنطوي على احتمال تنفيذ عمليات إرهابية: لبنان، سوريا، مصر وغزة. الجهاد العالمي يستغل الحدود المخترقة وعدم وجود سيطرة مركزية ويطلب من نشطائه ممارسة جهاد موضعي على حدود إسرائيل. المعنى العملي لهذا الأمر هو إغراق الحدود بمنظمات إرهابية جديدة، في سيناء وكذلك على الحدود السورية».

وقدر كوخافي أن يستمر تأرجح الوضع في الشرق الأوسط مولدا تفاعلات. ورأى أنّ القوى التي حرّكت الشارع العربي باتجاه الساحات لم تترجم إلى قوى سياسية منظمة، مما أدى إلى أن تدخل الأحزاب الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، إلى الفراغ الحاصل. كما رأى أنه «للمرة الأولى منذ سنوات تخضع القوى العظمى الأربع في الشرق الأوسط (إيران، السعودية، تركيا ومصر) لقيادات دينية. وفي نظر هؤلاء إسرائيل غير مقبولة ولذلك ستزداد صعوبة التوصل إلى تسوية أو تطبيع خلال الأعوام القادمة.