يصرف كثير من السياسيين الذين يولون اهتماماً بصفحات الفايسبوك مبالغ تصل إلى مئة دولار يومياً على تفعيل صفحاتهم وتسويقها واستقدام معجبين جدد إليها. هذا ليس سراً، وإن كان بعض السياسيين يرفض الحديث فيه، لكنه واقعة يمكن تبيانها ببساطة؛ إذ لا يدوم السراب طويلاً. فالياس سكاف مثلاً، النائب والوزير الزحلاوي السابق، يصرف آلاف الدولارات على صفحته الفايسبوكية، التي تشرف عليها زوجته، وتدعو كل من تلتقيه وجهاً لوجه إلى دخولها. لكن حدث مرة مع الياس سكاف، أن كان عدد المعجبين بصفحته نحو ثمانين ألفاً، وما لبث الرقم أن انخفض، في ليلة واحدة قام بها الفايسبوك بعملية تقنية لـ«تنظيف السيستم» من الحسابات الوهمية، إلى ثلاثين ألفاً. خمسون ألف معجب وهمي زالوا دفعة واحدة كسراب في صحراء! أكثر السياسيين اهتماماً بصفحته الفايسبوكية هو سليمان فرنجية. الرجل لديه فريق متخصص بالإشراف على الصفحة ومتابعتها، وفيها أكثر من مئتين وعشرة آلاف معجب، وطبعاً للوصول إلى هذا العدد من المعجبين لا بد أن فرنجية صرف أموالاً طائلة على الدعاية.

وهذه الأرقام الهائلة لا تعكس بالضرورة شعبية كبيرة، مع أن فرنجية لا تعوزه الشعبية، كما في حالات أخرى كمثل حالة فؤاد مخزومي، الذي صرف مبالغ ليست قليلة أبداً خلال السنوات الأربع الماضية، للوصول إلى ثلاثة وعشرين ألف معجب، لكن حينما يضع المخزومي «بوستاً» أو صورة أو فيديو، لا ينال أكثر من مئة لايك في الحد الأقصى.
حال صفحة وزير التربية السابق عبد الرحيم مراد أفضل بكثير، مع أن أعداد معجبيها لم تتخطّ عشرين ألفاً، إلا أن «أبو حسين» يبدو راضياً عن النتيجة التي حققها بنفسه، هو الذي يهتم بالصفحة، بمساعدة من نجله حسن، ويضع يومياً، صبحاً ومساءً «بوستات»، ويشرف بنفسه على التعليقات فيزيل ما ينحرف عن الأخلاق وما يثير النعرات الطائفية. هل يدفع «أبو حسين» مالاً لتسويق نفسه فايسبوكياً؟ في البداية حاول تسويق الصفحة فايسبوكياً لدى المغتربين، لكن تبين له لاحقاً أن المسألة مكلفة جداً؛ إذ قد يضطر إلى دفع ما يزيد على ستين ألف دولار للوصول إلى مئة ألف معجب. الرقم هائل بالنسبة إلى عالم افتراضي، لا شك. ولهذا صرف أبو حسين النظر عن عملية التسويق المكلفة هذه، بعد أن دفع نحو سبعة آلاف دولار لإطلاق صفحته ورفع منسوب معجبيها، ويعتمد اليوم على جهده اليومي في التواصل وزيادة أعداد المعجبين، من الموالين والخصوم على السواء. ومع أن أبو حسين تفادى «خربان البيوت» بدفع المبالغ الكبيرة، إلا أن الصفحة كادت تخرّب علاقته بزوجته أم حسين، التي أنشأت حساباً على الفايسبوك فقط لكي تتواصل مع زوجها، وترسل إليه كلام الحب والغزل.
صالح المشنوق، الناشط السياسي في قوى الرابع عشر من آذار، لديه تجربة لافتة في هذا المضمار. الرجل لديه على صفحته أكثر من مئة وستة وعشرين ألف معجب (126000)، وهو رقم يفوق بكثير أعداد المعجبين بصفحة سعد الحريري، الذين لا يتجاوز عددهم ثمانين ألفاً. هل يعني ذلك أن شعبية المشنوق تفوق شعبية الحريري؟ يؤكد المشنوق أن لا، لكنه يضيف أن ذلك يعني بالتأكيد «أن لي شعبية كبيرة بغض النظر عن الحريري». صفحته التي أسسها منذ ثلاث سنوات تشهد تفاعلاً لافتاً من المعجبين، فتصل أعداد «اللايك» على كثير من «بوستاته» إلى أكثر من ستة آلاف «لايك» في معدّل وسطي، وهذا رقم كبير مقارنة بصفحات السياسيين اللبنانيين التي لا تشهد تفاعلاً بهذا القدر. هل دفع المشنوق لقاء تسويق صفحته؟ أو الأصح: كم دفع؟ لا ينكر أنه دفع، ويقول إن كل الصفحات التي يزيد عدد روّادها على عشرين ألفاً تدفع بلا شك. وهو صرف على الصفحة التي أسسها منذ ثلاث سنوات أكثر من ثمانية آلاف دولار حتى الآن. ومعجبوه على الصفحة معظمهم من لبنان (70%) ومن سوريا (30%). ويلاحظ زائر صفحة المشنوق أنه يعتمد على البوستات الاستفزازية، والمباشرة، لجذب مزيد من المعجبين، وهذه استراتيجية ضرورية يعتمدها خبراء التسويق الفايسبوكي، الذين يتقاضى أحدهم 1200$ في الشهر لقاء الاهتمام بصفحة أحد السياسيين، وجذب المعجبين إليها. وهناك إلى الخبراء «الفري لانس»، شركات تتولى بدورها العمل على تسويق أسماء السياسيين وصفحاتهم على الفايسبوك، ومعظم هذه الشركات، التي حاولنا الاتصال بها، بعدما وردتنا معلومات عن توليها العمل على بعض صفحات السياسيين، أكدت في البدء تقديمها هذه الخدمة (تسويق الصفحات الفايسبوكية)، لكن حينما سألناها عن السياسيين أنكرت تعاملها معهم، فيما ذكرت بعض الشركات تعاملها مع أسماء من الوسط الفني.
باتريك لحود هو مدير شركة «Online Acceleration» التي تعنى بالتسويق والدعاية على الشبكة الإلكترونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً. يقول باتريك إن الطلب هذه الأيام يزداد من سياسيين على تسويق صفحاتهم على الفايسبوك، وزيادة أعداد معجبيهم عليها: «هلق موسم انتخابات وفي سياسيين معتبرينها موضة». لكنه يرى أن معظم صفحات السياسيين ليست تفاعلية، ولا يهتمون إلا بزيادة أعداد المعجبين، حتى ولو كانوا من وهم. وبحسب خبرة باتريك، يستطيع السياسيون الذين يمتلكون شعبية كبيرة، ترجمتها عبر الفايسبوك، ويستطيعون زيادة أعداد معجبيهم على صفحاتهم بسهولة، وبمبالغ معقولة جداً؛ إذ لا تكلّف الـ«لايك» أكثر من ربع دولار. بينما قد يضطر سياسيون يعانون ضعفاً في شعبيتهم أن يدفعوا في الـ«لايك» ما يزيد على دولار أميركي واحد.
ولا يقتصر الأمر، فايسبوكياً، على شراء المعجبين، بل يتخطاه إلى توظيف أشخاص عملهم «التلييك» على غرار «التصفيق»، هؤلاء تتولى شركات داخل لبنان وخارجه توظيفهم بعشرة دولارات يومياً، ليدخلوا إلى مجموعة من صفحات زبائنها، وينقروا «لايك» على كل ما يجدونه من «بوستات» لفنان(ة) أو سياسي(ة) أو زعيم(ة). وهناك برامج على الإنترنت، تقدم عروضات على الـ«لايكات»، وتؤمن 5000 «لايك» بمئتي دولار أميركي. طبعاً هذه اللايكات كلها وهمية، تزول إذا ما «كنّس» الفايسبوك الحسابات المزيفة من «السيستم» كما يفعل كل فترة.
تبقى مسألة أخيرة ومهمة: إنفاق السياسيين على تسويق أنفسهم على صفحات الفايسبوك، هل يدخل ضمن الإنفاق الانتخابي؟ يؤكد الخبير الانتخابي ربيع الهبر أنه يستحيل ضبط هذه المسألة ومراقبتها، وعدم وجود قانون يختص بالإعلام والإعلان الإلكترونيين، يجعل المسألة خارج حسابات الإنفاق الانتخابي، «مع أنها مؤثرة جداً في الانتخابات، لأنها ليست إعلاناً أو إعلاماً فحسب، بل نوع من أنواع التواصل المباشر، بين الناخب والمرشح».




أحمد الأسير الأول «فايسبوكيّاً»

صفحة أحمد الأسير هي الأكثر شعبية بين صفحات السياسيين اللبنانيين. فاقت أعداد معجبيه 308.000، معظمهم من خارج لبنان، من سوريا ومصر وحتى السودان! أما العماد ميشال عون، فلديه صفحة معجبين غير رسمية، تضم نحو ثمانين ألفاً. زياد بارود لديه 135000 معجب. والرئيس نبيه بري 18000. إبراهيم كنعان يشرف بنفسه على صفحته وفيها 13000 معجب. وزير الصحة علي حسن خليل يهتم بصفحته شخصياً أيضاً، ويساعده نجله حسن، وبعد أن وصل إلى العدد الأقصى المسموح به على حسابه الشخصي (5000) قرر فتح صفحة للمعجبين فيها نحو ثلاثة آلاف معجب. صفحة شربل نحاس يديرها فريق عمل، لكن المضمون السياسي للبوستات يشرف عليه نحاس بنفسه، وفيها أكثر من 17000 معجب. صفحة مروان شربل 13000 معجب، وهناك صفحة أخرى تطالب بشربل رئيساً للجمهورية وفيها 142 معجباً فقط!