كثيرة هي الألقاب العلمية التي يحملها الدكتور عادل برباري. هو بروفسور في الطب وعلم النفس وطب الكلى وارتفاع ضغط الدم في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وهو رئيس الجمعية اللبنانية لمكافحة أمراض ضغط الدم، وعضو المنظمة الدولية لأمراض ضغط الدم.
منذ عام ١٩٦٧ عاين الدكتور برباري آلاف المرضى من لبنانيين وعرب يعانون من مرض ارتفاع ضغط الدم المتلازم في غالبية الحالات مع أمراض الكلى والسكري والنشاف في الشرايين.
المؤشر الأبرز الذي لفت انتباه برباري هو أن مرضاه لم يعودوا حصراً من كبار السن، ملاحظاً أن نسبة الشباب الذين لديهم ارتفاع ضغط الدم عالية، ما يعني أن هذا المرض الملقب بـ«القاتل الصامت» لم يعد يصيب الناس في مرحلة متقدمة من العمر، بل أصبح يطل باكراً.
يشير برباري إلى أن من المتفق عليه طبياً أن يكون معدّل الضغط المثالي للبالغين 80/120 مليمتر زئبق. ويصنّف الشخص مصاباً بمرض ارتفاع ضغط الدمّ حين تبلغ قراءة ضغط الدمّ أكثر من 90/140 مليمتر زئبق. وكلما ارتفع ضغط الدم زادت مخاطر تعرّض الانسان لجرحة قلبية أو سكتة دماغية أو فشل كلوي.
ويؤكد برباري أن ٤٥% من المرضى الذين وصلوا الى مرحلة غسل الكلى يعانون من مرضى السكري، و٣٥% منهم يعانون من ارتفاع ضغط الدم. وأغلبية الذين يعانون من مرض السكري يعانون أيضاً من ضغط الدم. أما الجلطة الدماغية فهي مرتبطة أيضاً بارتفاع ضغط الدم، وهي أخطر وأكثر انتشاراً من أمراض القلب، خصوصاً عند كبار السن.
ويلفت برباري إلى أن ارتفاع ضغط الدم له دور محوري في مرض الخرف بعد عمر السبعين، ولنخفف من وطأة الخرف يجب أن نعالج ارتفاع ضغط الدم في عمر مبكر (٣٠ــ٥٠ سنة) ومن لا يعالج ضغطه في هذه الفترة سوف يعاني من الخرف في عمر متأخر. توجد عشرات السجلات المكوّمة أمام مكتب برباري في مختبر ضغط الدم في المركز الطبي في الجامعة الاميركية في بيروت. وهي تبين أن نسبة عالية من المرضى لديهم ارتفاع ضغط دم متوسط (١٤٠/٩٠ مليمتر زئبق _ ١٦٠/١٠٠ مليمتر زئبق) ولكنهم لا يشعرون به. ويشدّد برباري على ضرورة معالجة الضغط العالي لأنه يشكل خطراً كبيراً ويجب مراقبته دائماً. كثير من المرضى يقولون «أنا بخير ضغطي ١٦٠/٨٠ مليمتر زئبق» وهذا غير صحيح. فإذا كان الضغط العالي مرتفعاً، والضغط الواطي مستقراً، فهذا يعني أن المريض في خطر، ويجب أن يخضع للمراقبة والعلاج» بحسب برباري.
لم يتوصل العلم إلى اكتشاف ٩٠% من أسباب ارتفاع الضغط، وفي باقي الحالات تكون الغدة أو الكلى أو العادات الغذائية، من ضمنها شراب السوس، مسببة لارتفاع ضغط الدم، لأن فيه مادة ليكوريس وهي شبيهة بالمادة التي تفرزها الغدة فوق الكلى.
يشدّد برباري على نسبة تناول الملح للتخفيف من وطأة ارتفاع ضغط الدم. «عندما نأكل الملح تزداد كمية المياه في الجسم وهذا يسبب ارتفاع الضغط، لأن الكلى تأخذ وقتاً لتفرز كمية الملح الإضافية. كذلك فإن الملح يؤثر على أداء الشرايين فتصبح أكثر تجاوباً مع العوامل المسبّبة لارتفاع الضغط، ومن ضمنها التوتر والقلق وانفعالات الغضب. ويزيد الملح من نسبة الإصابة بالفالج، كما أنه قد يسبب سرطان المعدة، ولكن الأخطر هو النتائج السلبية للملح على الجلطات الدماغية وارتفاع ضغط الدم».
«المشكلة الكبرى في شركات تصنيع الأغذية التي تستخدم الملح بشكل متفلت من المعايير. الملح ليس مادة غذائية، بل مادة مطيّبة للأكل، وليس صحيحاً أن الإنسان لا يستطيع التخلي عن الملح في الغذاء. فإذا انقطع المريض عن الملح لمدة شهر يعتاد هذا الأمر ويتعايش مع طعام خال من الملح» بحسب برباري.
ليس المهم أن ننصح بالامتناع عن الملح، بل أن نعلم المواطن بكمية الملح في المواد التي يشتريها، وهذا الأمر غير متوافر في لبنان. عايش برباري هذه التجربة مع مريض حاول الامتناع نهائياً عن الملح، لكن الفحوصات المخبرية أثبتت أن جسمه لا يزال يتلقى كمية من الملح تسبّب له ارتفاع ضغط الدم. «أنا أصدق أن المريض لم يكن يضيف الملح الى طعامه، لكن المشكلة أنه كان يتناول أغذية فيها كمية كبيرة من الملح غير مصرح عنها، وأهمها المعجنات والالبان والاجبان والخبز، إضافة الى أن هناك كمية كافية من ملح الصوديوم في الخضر». ويطالب برباري الوزارات المعنية، قبل أن تنصح الناس بالامتناع عن الملح، بأن ترشدهم إلى كمية الملح في الاطعمة المصنعة، «ولن يحصل ذلك إلا من خلال إلزام شركات تصنيع الاغذية بتقديم كشف عن كمية الملح على الأغلفة». ويشدد برباري على ضرورة التوعية على مخاطر التدخين على مرضى الضغط. التدخين سبب رئيسي لنشاف الشرايين، وكلما ازداد التدخين ازدادت مخاطر نشاف الشرايين، وهذا الضرر على المدى الطويل. أما على المدى القصير، فمن المعلوم أن كل سيجارة مسؤولة عن ارتفاع ضغط الدم درجتين، ويحتاج الجسم إلى أكثر من نصف ساعة لكي يعود إلى ضغط الدم الطبيعي، وفي هذه الفترة يكون المدخن قد بدأ بشرب سيجارة ثانية، فتكون النتيجة أن التدخين على مدار الساعة يعني ارتفاعاً متلازماً في ضغط الدم طوال فترة التدخين. «في الفحوصات التي نجريها في مختبر ضغط الدم على المرضى لفترة ٢٤ نجد أنه أثناء فترة النوم يكون الضغط أقل من فترة النهار، لأن عامل التدخين غير موجود. وتزيد المشكلة سوءاً في حالة التدخين مع شرب القهوة، لأن النيكوتين من السيجارة مع الكافيين من القهوة يسببان معاً ارتفاعاً ملحوظاً في ضغط الدم».



التقيّد بالعلاج

يلاحظ الدكتور عادل برباري أنه برغم توافر الأدوية التي تعمل على خفض ارتفاع ضغط الدمّ وعلى حماية القلب والكلى، يكتشف الأطباء أنّ نسبة 50% من مرضى ارتفاع ضغط الدم لا يتقيدون بالعلاج أو ينقطعون عنه بعد مرور عدة أشهر: «يتوهم المرضى أن بإمكانهم الاستغناء عن الدواء عند استقرار ضغط الدم. وصيتي لهم ألا يوقفوا العلاج بالأدوية بخيار شخصي، وأن يتبعوا نمطاً صحيّاً سليماً يرتكز على تغيير الحمية الغذائية والإكثار من تناول الخضر والفواكه، والإقلاع عن التدخين، والنوم السليم، والتقليل من شرب الكحول، وقياس الضغط بشكل منتظم، والتحكّم في الوزن، وممارسة الرياضة».