لماذا لم يستدع مايكل رايت، المدير التنفيذي لشركة سبينيس، إلى المخفر ولو لمرة واحدة، رغم عشرات الدعاوى القضائية المرفوعة ضده من العمال؟ في المقابل، لماذا يستدعى العمّال إلى المخفر، بسهولة، عندما يُدّعى عليهم، وكل ذنبهم أنهم قالوا «لا» ودافعوا عن حريتهم النقابية؟ ببراءة، غير بريئة، تسأل الناشطة والمتضامنة مع حقوق العمال فرح قبيسي. هي تعرف الإجابة، لكنها، بصوت عالٍ، تريد أن تشهد.
فببساطة، مايكل رايت يملك المال، الكثير من المال، فيما العمال لا يملكون الكثير منه. غاية الأمر أنهم يسعون إلى قوت يومهم. مايكل رايت قوي بماله، في بلاد تحكمها وقاحة رأس المال، فيما العمّال ضعفاء لأنهم لا يملكون «الورق الأخضر». الورق الذي لا يملكون منه ما يكفي لحشو بطون المنتفعين.
وقفت قبيسي ومعها عدد من رفاقها، أمس، عند مدخل مخفر طريق الشام. كانوا بانتظار وصول مخيبر حبشي وميلاد بركات، المدّعى عليهما، حيث بات عليهما الحضور إلى المخفر للإدلاء بإفادتهما. لماذا لم تتابع القضية مباشرة من قبل القضاء المعني في النيابة العامة؟ لماذا لم يستمع إليهما القاضي مباشرة؟ لم يجد الحاضرون ما يفسّر هذه الخطوة سوى «الإذلال والترهيب». مخفر ودرك وعسكر يعني «تكسيراً للرأس». هكذا، استدعى مخفر طريق الشام كلاً من النقابيين في شركة سبينيس، حبشي وبركات، بعد الادّعاء عليهما من قبل رايت، كما يقول المتضامنون. إذ موّه الأخير ادعاءه الضمني عبر دفع 11 عاملاً من التابعين له، إلى الادعاء على المذكورين بتهمة «تزوير انتسابهم إلى النقابة». واللافت أن هؤلاء كانوا قد قدّموا استقالاتهم من النقابة أكثر من مرة، قبل أن «يتمكن رايت من السيطرة عليهم من خلال ترهيبهم أو ترغيبهم». الكلمات الأخيرة للوزير السابق شربل نحاس. الوزير المطرود من «جنة» الفاسدين. نحاس كان أمس مع المتضامنين أمام المخفر مع العاملين. جاء متكئاً على عكازه، وبيده سيجارة ينفث دخانها، قبل أن يتمنى عليه رجال الدرك الدخول وشرب القهوة. أثناء حديثه مع رجل الأمن، وفيما صوت المتضامين يعلو بالهتاف للعمال، توقفت سيارة أجرة مهترئة وراح سائقها يتأمل وجه نحاس. انتظر قليلاً لينهي الأخير حديثه، قبل أن يناديه ملوّحاً بيده: «الله يقويك». نحاس عاتب على الجميع، بمن فيهم وزارة العمل، التي «طلب العماد ميشال عون منها أن تتدخل لمصلحة العمال، لكن شيئاً لم يحصل... هؤلاء العمال يجب ألا يُتركوا وحدهم». هو عاتب أيضاً، بل ساخر، من الجهات الأجنبية الحكومية في لبنان، ومنها الاتحاد الأوروبي، التي «قرعت رؤوسنا بالحديث عن حقوق الإنسان والعمال والعدالة، وها هم لا يحركون ساكناً تجاه ابن بلادهم مايكل رايت، الذي لا يريد للعمال أن يتحدوا وأن تكون لهم نقابتهم الخاصة». بدا نحاس ومعه قلة من الشبان كغرباء وسط طريق الشام، أمس، على مسافة غير بعيدة من السفارة الفرنسية. عبارة أحد المتضامين ربما كانت تلخص المشهد برمته:
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال... ومن ليس عنده مال فعنه الناس قد مالوا».



سبينيس «إرهابية»

المتضامنون مع عمال سبينيس رفعوا لافتاتهم قبالة المخفر، أمس، وعليها عبارات مثل: «إدارة سبينيس إرهابية»، و«وحدها النقابة بتجيب الحق». النقابة فعلاً، نظرياً، تجلب الحق، ولكن ما السبيل إلى مواجهة أباطرة المال والنفوذ؟ هؤلاء الذين بإمكانهم في لبنان ترهيب وترغيب من يفترض أنهم الجهات التي تحق الحق؟ ألم نسمع عن قضاة تلقوا الرشى؟ عن مديرين وضباط وموظفين؟ تلك مسألة مألوفة في هذه البلاد. يُذكر أن المحامي نزار صاغية، وهو وكيل المدّعى عليهما، حضر أمس مع المتضامنين، ودخل إلى المخفر قبل أن يخرج ليسخر من «التعسف والظلم اللاحق بموكليه».