من النادر أن يرصد المستهلك انخفاضاً في أسعار المواد الغذائية المبيعة في السوق المحلية. غالبية المبرّرات التي يسوقها التجّار لتفسير الارتفاعات شبه الدائمة تصبّ في تطوّرات الأسواق العالمية. هذا الأمر يثير أسئلة واسعة بين المستهلكين عن حقيقة ارتفاع الأسعار العالمية ومدى انعكاسها محلياً. فهل هناك هوّة بين ما هو متداول محلياً وما هو طارئ عالمياً، أم أن السوق منسجمة مع نفسها والقواعد المتبعة بين العرض والطلب بعيداً عما يُعرف به التجار من «ألاعيب» وما يوصفون به من جشع؟
خلال الفصل الأول من السنة الجارية، ارتفعت الأسعار بنسبة 1.5%. هذه خلاصة مؤشّر جمعية المستهلك عن الفترة الممتدة بين أول كانون الثاني ونهاية آذار من السنة الجارية، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2012. وبحسب الجمعية، فإن النمط نفسه مستمرّ في السوق وهو يؤدي إلى تراكم الزيادات في الأسعار بين فصل وآخر، وبين سنة والسنة التي تليها. والثابت الوحيد في السوق هو «الفوضى في الأسواق وعدم وجود آلية للمنافسة، في ظل غياب قانون ينظّم التنافس ويمنع الاحتكار، بحيث لا يترافق انخفاض الأسعار العالمية مع انخفاض في لبنان، وبات المستهلك على ثقة بأن أي سلعة يرتفع سعرها في لبنان لا ينخفض». وفي هذه الحال، ترى الجمعية أن «إعادة تنظيم السوق صارت أمراً مطلوباً لمكافحة الاحتكارات».
تستند الجمعية في كلامها هذا الى الارتفاعات التي سجّلت خلال الفصل الأول من عام 2013 بالنسبة إلى أسعار اللحوم والألبان والأجبان والمواد المنزلية والشخصية، بالإضافة إلى المعلبات والزيوت والدهون... وتستدل الجمعية أيضاً على النمط المسجّل خلال السنوات الماضية. فمنذ عام 2008 إلى اليوم، لا تزال الأسعار في مسار تصاعدي وفق مؤشرات جمعية المستهلك عن الفصل الأول. ففي عام 2008 ازدادت الأسعار بمعدل 5.63%، وفي عام 2009 ازدادت بمعدل 3.35%، وفي عام 2010 بمعدل 3.5%، وفي عام 2011 بمعدل 2.12%، وفي عام 2012 بمعدل 1.51%. إنها سنوات تراكمت فيها زيادة الأسعار من دون أن تلحظ انخفاضاً واحداً، رغم انفجار الأزمة المالية العالمية في نهاية عام 2008 وانعكاساتها التي أصابت القاصي والداني... لكنه أمر لم يشهد منه لبنان شيئاً.
هذا المسار يمكن تأكيده من خلال مؤشّر أسعار منظمة الأغذية العالمية. ففي عام 2009، سجّل مؤشّر أسعار الأغذية لدى منظمة «فاو» تراجعاً بنحو 42.9 نقطة من 199.8 نقطة في نهاية 2008 إلى 156.9 في نهاية 2009. وخلال هذه الفترة، سجلت المنظمة أيضاً تراجع مؤشر اللحوم ومنتجات الألبان والحبوب والزيوت والدهون والسكّر.
ولم يتوقف تراجع المؤشر عند هذه الفترة فقط، ففي نهاية عام 2012 سجّل تراجع بنحو 15.9 نقطة. وهذا الانخفاض انسحب على باقي مؤشرات المنظمة مثل مؤشر اللحوم ومنتجات الألبان والأجبان والحبوب والزيوت والدهون وسواها.
وإذا كانت توقعات منظمة «فاو» عن الأسعار في عام 2013 متحفظة إلى حدّ ما وتحتمل استقرار الاسعار أكثر من التذبذب في صعودها وانخفاضها، فإن التجّار والصناعيين يتحدثون عن أجواء مختلفة؛ وبحسب رئيس جمعية مستوردي ومصدّري المواد الغذائية، جوزف عور، فإن «غالبية أسعار الغذاء العالمية تتجه نحو الارتفاع، وخصوصاً منتجات الحليب ومشتقاته».
في المقابل، ترى عضو الهيئة الإدارية في جمعية المستهلك ندى نعمة، أن الأسعار العالمية في اتجاه تراجعي خلال عام 2013 بصورة عامة، فالسكّر انخفض 11% والقمح أيضاً، وهناك الكثير من السلع التي تقلص سعرها في السوق العالمية، لكن المفاجئ أن أسعارها في لبنان لا تزال تزداد!
في هذا الإطار، يعتقد رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائية جورج نصراوي أن هناك قسماً من الأسعار مستقرّة، وبعضها لا يزال يتطور ويتفاعل مع التطورات المناخية والسياسية في العالم، سواء صعوداً أو نزولاً.
وعلى أي حال، يمكن تقسيم الأسعار واتجاهاتها العالمية على النحو الآتي:
ــ الحبوب: أسعار الحبوب في غالبيتها مستقرّة، وبالتالي فإن السلع التي تكون فيها الحبوب مكوّناً أساسياً لن تطرأ عليها أي تغيّرات من هذه الزاوية، سواء كانت منتجة من الحمص أو الفول أو العدس... وبحسب منظمة «فاو»، فإن أسعار القمح قد سجّلت ارتفاعاً خلال الموسم الحالي، ويتوقع أن ينتعش الإنتاج بنسبة 4% خلال الفترة المقبلة، ما يعني مزيداً من الاستقرار أو الانخفاض، وقد شهدت أسعار الأرز استقراراً يرتقب أن يستمرّ.
ــ السكّر: انخفضت أسعار السكّر العالمية بنسبة 12%، على ما يؤكّد نصراوي، وبالتالي فإن كل الصناعات التي يدخل فيها السكّر مثل الخبز والمربيات وسواها يفترض أن تتحرّر من بعض الأعباء. عملياً، ما حصل في السوق المحليّة هو أن أسعار بعض الأصناف ارتفعت أو كانت محور مطالبة التجار وبعض المنتجين بالارتفاع.
ــ اللحوم: تراجعت أسعار اللحوم خلال آذار 2013 بانخفاض نسبته 2% عن شهر شباط «بسبب كفاية الإمدادات المتاحة للتصدير والانخفاض المحدود في أسعار العَلَف.. علماً بأن الأسعار لم تتغيّر خلال الفترة السابقة»، على ما ورد في مؤشر أسعار «فاو». لكن الأسعار في السوق المحلية سجّلت ارتفاعاً بنسبة 2% خلال الفصل الأول من السنة الجارية، وذلك رغم أن قطعان الغنم السورية هربت إلى لبنان حيث اتخذ تجّارها من منطقتي الشمال والبقاع مقرّاً لهذه التجارة الناشئة والمزارع الناشئة في لبنان.
ــ الزيوت والدهون: سجّل مؤشّر منظمة «فاو» لأسعار الزيوت والدهون انخفاضاً في آذار بنسبة 2.5%. غير أن زيوت دوار الشمس والصويا وحدها سجّلت انخفاضاً في الأسعار يزيد على 5%، على ما يقول نصراوي.
ــ ارتفعت أسعار البن والفستق والطحينة قليلاً، فيما زادت أسعار السمسم بنسبة 40%، يقول نصراوي.