بعدما فشل النظام في إجراء انتخابات، ولو كانت صورية، للحفاظ على الآليات الشكلية لانتظام الدولة، تركز همّ أركانه على إيجاد الصيغ الممكنة لإخراج فشله المتمادي.. فتفتقت عبقريتهم عن الحبكة المركبة التالية:
1ـــ يؤجل تاريخ الانتخابات أسبوعا بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، قبل انقضاء مهلة الترشح المحددة مسبقا عند الساعة 24 من يوم الأربعاء في 10 نيسان، فتصبح نهاية مدة الترشح عند الساعة 24 من يوم الأربعاء في 17 نيسان.
2 ـــ يجتمع مجلس النواب في الأسبوع المستقطع، فيعلق المهل المنصوص عليها في قانون الانتخاب القائم، ويلغي المادة التي تجعل من المرشحين الذين تقدموا خلال فترة الترشح وقبل انقضائها لمراكز لا منافسين لهم عليها نوابا بالتزكية.
فيتحقق انتصار باهر بكسب (أو بهدر، لا فارق) شهر أو ما يقارب ذلك لانتظار هبوط الوحي (أو عدم هبوطه، لا فارق أيضا).
لكن ما حصل أن:
1ـــ المرسوم الذي وقع في 6 نيسان لم ينشر في ملحق خاص للجريدة الرسمية، بل نشر في عددها المعتاد الذي صدر في 11 نيسان، وبدأ سريانه من تاريخ نشره،
2. والقانون الذي أقره المشترع، والذي صدر بتاريخ 13 نيسان، لحظ أن إلغاء المادة 50 يسري من تاريخ نشره أيضا، أي من دون مفعول رجعي، بالاتكال على دقة ضبط تواريخ إصدار مرسوم التأجيل.
وعليه، بات المرشحون المنفردون فائزين بالتزكية منذ منتصف ليل أمس!
وعلى وزارة الداخلية بالتالي أن تعلن فورا عن فوزهم عملا بالمادة 50 التي كانت لا تزال سارية المفعول عند انتهاء مهلة الترشيح، وهي تنص على ما يلي: «إذا انقضت مهلة الترشيح ولم يتقدم لمقعد معين إلا مرشح واحد، يعتبر هذا المرشح فائزاً بالتزكية وتوجه الوزارة فوراً كتاباً بذلك إلى رئيس مجلس النواب».
هل وراء المخرج الفاشل مخرج داهية حرّكه وضحك عليه، أم أن إدارة الجريدة الرسمية قامت بعملية انقلاب على النظام، أم أن الأمانتين العامتين لمجلسي الوزراء والنواب خربطتا اللعبة للفكاهة؟ الله أعلم.
تخبط النظام حتى في إخراج مسرحية تغطية تخبطه.
وكالعادة انتبه البعض إلى التخبيصة متأخرين (ولعله في الوقت المناسب؟ ولكننا لا نحاسب على النوايا)، فاستدعى أركان النظام القضاء لستر عوراتهم، وهم طبعا سوف يتصلون (إن لم يكونوا قد اتصلوا) بهيئة التشريع والاستشارات وبمجلس الشورى وبالمجلس الدستوري لاستصدار فتاوى انقاذية تستر عورة النظام المتهالك.
ودقي يا مزيكة معزوفة الجنازة! هل يستطيع النظام أن ينجز مراسم دفن الدولة بلياقة؟ أم أنه يجب وقف المهزلة وإعادة تأسيس دولة فعلية في هذا البلد تتخطى مسؤولياتها مهام إدارة المراسم؟