قبل شهر ونيّف، اتفق مجلس الإنماء والإعمار وبلدية بيروت مع نواب الأشرفية على التريّث بالمباشرة بمشروع محور «الحكمة ـ الترك»، ضمناً شارع فؤاد بطرس، والنفق على شارع شارل مالك، والتقاطع مع شارع مار ديمتريوس، الذي ينفّذه المجلس بتمويل من البلدية، تمهيداً لإجراء دراسة جدوى ودراسة سير.
جديد هذا الملف، معلومات تؤكد أن مجلس الإنماء والإعمار ليس بوارد إجراء دراسات، وأن السقف المطروح هو القيام ببعض التحسينات الجزئية، مع الإبقاء على مسار الخط نفسه الذي يخترق آخر ما بقي من المحيط المديني بنسيج زراعي للأشرفية. ويتفق في هذا الرأي مع «الإنماء والإعمار» كلّ من رئيس المجلس البلدي بلال حمد ورشيد الأشقر، المسؤول عن الأشغال في بلدية بيروت، بحجة وجود تصميم عام قديم مُعتمد منذ الخمسينيات (مشروع ايكوشار) مع استملاكات سابقة. ويحاجج ائتلاف من الجمعيات المدنية والأهلية، يساندها عدد من المهندسين والاختصاصيين، منهم (أنطوان عطا الله، منى فواز، جورج زوين، عبد الحليم جبر، هويدا الحريثي، عبير الطيب، جلال مخزومي، مصباح رجب، حبيب دبس، ورامي سمعان) بأنه يجب على الجهة المنفذة القيام بالدراسات التحضيرية، لأن تطوّر المجتمعات لم يتوقف في الستّينيات، فضلاً عن أن الحياة المدينية تبدّلت جذريّاً من حينه. ويفنّد الخبراء بتقارير خطية مسندة رفضهم للمشروع الذي يصيب في الصميم مناطق عريقة وأحياءً تراثية ومأهولة بكثافة في الأشرفية والرميل والمدور.
ويطالب الائتلاف بضرورة إجراء دراسة جدوى اقتصادية واجتماعية وبيئيّة ومدنية، ودراسة خط السير الناتج من هذا المشروع، مع محاكاة لحركة السير المُرتقب وحجمه، وخصوصاً أن المشروع بنسخته الحالية لا يشكل جدوى اقتصادية، بل يسبّب هدراً كبيراً ومفضوحاً للمال العام.
ويهدف المشروع بنحو رئيسي إلى استخدام محور «الحكمة ـ الترك» كخط «ترانزيت»، يصل بالاتجاهين الطريق الدوليّة في الحازميّة بجادة شارل حلو، ومنها بمرفأ بيروت. وتبيّن خريطة حصلت «الأخبار» على نسخة منها، أن المشروع يتضمن عدة جسور ونفقاً ومخرجاً بالاتجاهين يصل شارل حلو بالمرفأ. ويرفض الائتلاف هذا المشروع رفضاً تاماً «لأنه مجحف وظالم ومضرّ وتقسيمي وتهجيري، ويسبب المزيد من التلوث السمعي والبيئي والبصري»، وفق ما جاء في عريضة بدأ الائتلاف بجمع التواقيع عليها.
وتفنّد العريضة الأخطاء الجسيمة التي وقع بها مصمّمو المشروع، لكون «خطه السريع» لا يتضمن أي مدخل أو مخرج جانبيّ؛ فالدخول إليه والخروج منه لا يمكن أن يكونا إلا في أطرافه، ما يعني عدم إمكانية استفادة سكان المناطق المعنية من هذا القسم من الخط. كذلك إن حركة السير داخل الأحياء ستنحصر في الطرقات الجانبية والمتمّمة للمشروع، وجميعها طرقات مؤلفة من خطّ واحد فقط، وخاصة على طول سقف النفق، بما فيها التقاطع الدائري أمام مطرانية الموارنة وشارع صلاح لبكي قرب مستشفى الروم.
في ضوء كلّ ذلك، من الواضح أن هذا المشروع بأقسامه كافة لن يفيد الأحياء التي سيمرّ بها، بل بالعكس، سيضيف إليها زحمة سيرة جديدة مستعصية الحلّ، وخصوصاً أن الخروج والدخول شرقاً أو شمالاً من ساحة ساسين وإلىها، يكونان في مُجمل الحالات من طريق «نزلة السيدة»، ومنها إلى شارع «يريفان» أو «بيار الجميّل»، كذلك إن توسيع شارع مار ديمتريوس – ألفرد نقاش مستحيل بسبب ضيق المساحة.
المعترضون على المشروع يجزمون بأنّ الحل هو بوصل المرفأ بالحازمية من طريق أوتوستراد إميل لحود، وهو أمر طرح منذ عهد الوزير علي حراجلي.
خريطة مواقف القوى السياسية والدينية من المشروع لا تزال متأرجحة، رغم أنه يطاول في الصميم جميع مؤسسات المطرانية المارونية والمؤسسات التابعة لطائفة الروم الأرثوذكس، إضافة إلى جميع المؤسسات التجارية والشقق السكنية.
وفيما يفضّل مختلف الأفرقاء السياسيين تأجيل مناقشة المشروع إلى ما بعد الانتخابات النيابية، يطالب الائتلاف المدني أن يكون رفض المشروع، واستبداله بمشروع بديل، في صلب التعهدات الانتخابية. ويتضمن المشروع البديل متنزهاً باسم فؤاد بطرس على كامل المنطقة المستملكة، إضافة إلى تأهيل التقاطعات الرئيسية المتصلة بشارع شارل مالك، وذلك من التمويل المخصص للمشروع الأساسي، مع ضرورة رصد اعتمادات جديدة في مرحلة لاحقة لإنشاء نفق على طول شارع شارل مالك وتعزيز النقل المشترك.