رغم أن الاشتباك المعلن على قانون الانتخاب هو بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، إلا أن المفتاح الفعلي للحل والربط فيه بين يدي السنّة والشيعة فقط. انتهت جلسات الايام الاخيرة في مجلس النواب الى تأكيد حقيقة اختبأ الاطراف جميعاً وراءها، أن احداً لا يريد اجراء الانتخابات قريبا، ولا في اي موعد منظور على الاقل. تبادل السنة والشيعة ـــ لا مسيحيو هذا الفريق او ذاك ـــ الفيتو فسقطت اقتراحات قوانين الانتخابات تباعاً. اسقط السنة اقتراح اللقاء الارثوذكسي، والشيعة القانون المختلط، وتبيّن ان كل كلام عن اكثرية نيابية لامرار هذا الاقتراح او ذاك لا يعدو كونه اهدارا للوقت.
من دونهما لا قانون جديدا للانتخاب، ولا انتخابات نيابية حتما. وهو ما عناه انخراط الجميع في العرف المحدث الذي يعطي كلا من السنة والشيعة حقا اساسيا غير متنازع عليه في تأليف الحكومة واقرار قانون الانتخاب واجراء الانتخابات النيابية وانتخابات رئاسة الجمهورية، بل الاصح القول، من الآن فصاعدا، ان النصاب الفعلي في كل استحقاق هو ثلثا مجلس النواب، الذي لم يعد يقتصر على حساب عددي. امسى ايضاً حساباً سياسياً يتخفى وراء الميثاقية.
جازف المسيحيون بتأييد اقتراح اللقاء الارثوذكسي ومكنوه من الحصول على غالبية نيابية فقدت جدواها حينما رفضه السنّة. كذلك الامر مع اقتراح القانون المختلط، الذي ضمن في الظاهر غالبية نيابية نجمت من انضمام القوات اللبنانية الى تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي سرعان ما فقدت جدواها عندما رفضه الشيعة.
وتكمن عبرة ما حصل في الجلسات الاخيرة للجنة التواصل النيابية في الآتي:
1 ـــ يذهب الافرقاء جميعاً الى الانتخابات النيابية او لا يذهب احد. ويذهبون جميعا ايضاً الى تمديد ولاية المجلس الحالي او لا يحصل التمديد. ابرزت جانباً مهماً من مسار تمديد الولاية كان مرجحا حصوله في جلسة للبرلمان مقررة اليوم السبت لو قيّض ترجمة المساعي في الجلسة المسائية امس.
افصحت الاتصالات البعيدة عن الاضواء عن تأييد تمديد ولاية المجلس انضم اليه النائب وليد جنبلاط بالموافقة على اقتراح رئيس المجلس نبيه برّي تمديدا لسنتين. لم يكن تيار المستقبل بدوره بعيدا عن مجاراة التمديد، الا انه فضّله قصيرا كي لا يطيل في عمر حكومة الرئيس تمام سلام. طُرح ايضاً تمديد بين ستة اشهر وثمانية اشهر، سرعان ما تبين ان المدة الثانية تضع الانتخابات النيابية في فك المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بين 25 آذار و25 ايار 2014. الا ان النائب آلان عون حمل الى برّي البارحة ردا سلبيا من الرئيس ميشال عون برفض تمديد الولاية. كان لعون موقف اولي هو قبوله تمديداً لا يزيد على شهرين، ثم اقفل الباب دونه نهائياً.
2 ـــ باتت الخيارات ضيقة امام رئيس المجلس، الذي رغب في تعويض عدم الاتفاق على قانون جديد للانتخاب بتفاهم على تمديد ولاية البرلمان تفاديا للشغور، في ظلّ اصرار الفريق الشيعي ـــ وهو في صلبه ـــ على رفض خوض الانتخابات بقانون 2008، اذ يعدّه غير ميثاقي. لم تكن هذه وجهة نظر عون، الذي لم يستبعد في وقت سابق خوض الانتخابات وفق قانون 2008، قبل ان تنتهي مكاشفة بينه وبين حزب الله الى خطورة الرهان على انتخابات 2013 لن تمنح قوى 8 آذار مقاعد جديدة، ما لم تقتصر في احسن الاحوال على نصابها الحالي وهو 58 نائباً، مع احتمال خسارتها مقعد النائب نقولا فتوش في زحلة ثمن انتقاله من تحالف الى آخر.
في الساعات القليلة السابقة للجلسة المسائية لم يكن بين يدي برّي اي مخرج لازمة محققة من جراء بلبلة وتناقض وغموض تسود مواقف الافرقاء جميعاً مسيحيين ومسلمين. معظمهم يتمسك بتمديد ولاية المجلس، ولا يريد في الوقت نفسه ان يهب موقفه هذا مجانا بلا مكسب سياسي، في الحكومة الجديدة خصوصاً.
3 ـــ راجت تكهنات مفادها ان تعذر التئام البرلمان اليوم السبت سيحول دون انعقاده في اي يوم آخر على الارجح حتى 31 ايار موعد نهاية العقد العادي الاول. وقد لا يكون مستعجلاً بالقدر المتوقع تمديد ولاية المجلس خلال هذا الشهر، ما دامت ولايته تستمر حتى 20 حزيران المقبل. ارتبطت هذه التكهنات باكثر من وجهة نظر امتزج الدستوري فيها بالسياسي.
أولاها، ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان لن يعمد الى اصدار مرسوم بفتح عقد استثنائي لمجلس النواب بغية تمديد ولايته، ويعوّل هؤلاء على موقف تردد ان الرئيس ابلغه الى الافرقاء المعنيين اقرنه بتأكيد معاكس هو موافقته على اصدار مرسوم عقد استثنائي يُخصص لاقرار قانون جديد للانتخاب يمهد لاجراء الانتخابات. وتبعاً للصلاحية المنوطة به، يحدّد رئيس الجمهورية في برنامج العقد الاستثنائي الذي يدعو مجلس النواب اليه جدول اعماله، لن يكون في متنه تعديل قانون الانتخاب بما يتيح تمديد ولاية السنوات الاربع للمجلس الحالي.
ثانيتها، اعتقاد فريق بعدم الحاجة الى مرسوم عقد استثنائي يدعى البرلمان اليه في ظلّ ما تنص عليه المادة 69 من الدستور، اذ إنها تضعه في انعقاد دائم الى ان يصير الى تأليف حكومة جديدة.
تعكس وجهتا النظر هاتان تعارض الاجتهادات حيال صلاحية المجلس في الاشتراع بعد 31 ايار في غياب مرسوم عقد استثنائي بغية تفادي فراغ ينشأ عن نهاية ولاية المجلس في 20 حزيران.
4 ـــ تتحول جهود تأليف الحكومة الجديدة يوما بعد آخر استحقاقا ثانويا بعدما تقدم عليها مصير مجلس النواب برمته. الامر الذي يحيل التأليف خيارا متأخراً لوقت قد يطول مقدار ما استغرقه حتى الآن، وهو يقترب من شهر ونصف شهر من تسمية الرئيس المكلف تمام سلام. بات تأليف الحكومة جزءا لا يتجزأ مما سيؤول اليه مصير المجلس وفي صلب حسابات الافرقاء. وقد لا يؤدي تمديد حتمي لولاية المجلس الى اخراج سهل للتأليف بعدما احكمت قوى 8 و14 آذار الربط بين الاستحقاقين. في ظلّ تعادل سلبي يخرجان به من تمديد الولاية، ينتقل الاشتباك بعد ذاك مجددا الى نصاب الحكومة.